اقتراح يسمح بفوز الخاسرين في الانتخابات البلدية: ضرب للديمقراطية وتكريس للاستثناء

وسام اللحام

22/07/2025

تقدم النائب طوني فرنجية باقتراح قانون معجل مكرر بتاريخ 16 حزيران 2025 بهدف تعديل المادة 23 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 الصادر في 30 حزيران 1977 (قانون البلديات) بحيث لا يعتبر المجلس البلدي منحلا في حال فقد نصف أعضائه على الأقل إلا بعد ستة أشهر على انتخابه. ويضيف الاقتراح أنه في حال فقد المجلس البلدي نصف أعضائه في أول ستة أشهر من انتخابه "يعتبر المرشّحون الراسبون الذين نالوا أكبر عدد من أصوات المقترعين فائزين محل الأعضاء المستقيلين". وينصّ الاقتراح في فقرته الثانية على تطبيق القانون الجديد على المجالس البلدية المنتخبة سنة 2025.

 

وتبرر الأسباب الموجبة تبني هذه الأحكام الجديدة على اعتبار أن تقديم بعض الأعضاء لاستقالاتهم مباشرة بعد إعلان النّتائج "ينعكس سلبًا على انتظام العمل البلديّ، كما يحدث فراغا في التمثيل الشعبي ويضعف من صدقية العملية الانتخابية برمّتها"، هذا فضلا عن الخسائر المالية التي ستترتب على خزينة الدولة من أجل تنظيم انتخابات جديدة. وتضيف الأسباب الموجبة "أن تقييد إمكانية الاستقالة خلال الأشهر الستة الأولى من عمر المجلس لا يعدّ مسّا جوهريا بحقوق الأعضاء، بل إجراءً تنظيميًا يهدف إلى تعزيز  الاستقرار المؤسساتي وضمان الحد الأدنى من الجديّة والالتزام في الترشّح والعمل البلدي وإبعاد السياسة عن الإنماء".   

إن هذا الاقتراح يستوجب إبداء الملاحظات التالية:

اقتراح يحدّ من المبدأ الديمقراطيّ

تنص المادة 24 من قانون البلديات على التالي: "في حالة حلّ المجلس أو اعتباره منحلا يصار إلى انتخاب مجلس جديد في مهلة شهرين من تاريخ مرسوم الحلّ أو قرار اعلانه". فالمجالس البلدية هي سلطات محلية منتخبة تهدف إلى تمثيل أبناء البلدية، ما يعني أن حل المجلس البلدي لأي سبب كان يجب أن يقترن حكما بتمكين المواطنين من ممارسة حقهم الانتخابي عبر  اختيار مجلس بلدي جديد ينبثق عن إرادتهم. وهكذا يتبيّن أن الاقتراح الحالي يؤدّي إلى حرمان أبناء البلدية من ممارسة حقّهم الديمقراطي كون المجلس لن يعتبر منحلًّا إلا في حال حصول الاستقالات بعد ستة أشهر على انتخابه.

وما يفاقم من الخلل الديمقراطي الذي يعتري هذا الاقتراح هو أنه يسمح باستبدال الأعضاء المستقيلين بمرشّحين خسروا لتوّهم الانتخابات بحيث تصبح العملية الانتخابية برمتها من دون معنى. إذ سيتمكن من لم يحصل على ثقة الناخبين من الفوز بالمقعد البلدي بغضّ النظر عن إرادة أبناء البلدة. فالمجلس البلدي الذي استقال نصف أعضائه على الأقل بعد فترة وجيزة من الانتخابات يكون قد فشل في إيجاد التناغم بين أعضائه ما يحتّم حلّه بغية السماح للناخبين باستخلاص العبر ومحاسبة المسؤول عن هذا الفشل عبر انتخاب مجلس جديد. فحلّ المجلس البلدي هو في الحقيقة دعوة إلى أعلى سلطة في البلدية (الهيئة الناخبة) كي تتدخل من جديد وتختار من يمثلها على ضوء التطوّرات الأخيرة، ما يعني أن الحل هو أمر ديمقراطي عندما يقترن بضرورة إجراء انتخابات جديدة ضمن فترة زمنية معقولة.

تداعيات الاقتراح على التحالفات الانتخابية

لا شكّ أن هذا الاقتراح يؤدّي إلى إدخال تعديل كبير على الاستراتيجيات الانتخابية بين مختلف القوى المتنافسة داخل البلدية الواحدة. ففي البلديات التي لا يوجد فيها أكثرية واضحة تنتمي إلى جهة واحدة، تجري الانتخابات بعد عقد تحالفات عائلية وحزبية تسمح بإدارة شؤون البلدية وفقا لتفاهمات مسبقة بحيث يؤدّي الإخلال بهذه التفاهمات إلى التهديد باستقالة نصف الأعضاء ما يجعل من البلدية منحلة حكما. كذلك الأمر في البلديات التي أفرزت الانتخابات فيها مجلسا منقسما مناصفة بين جهتين بحيث تعجز عن اختيار رئيس لها من بين الأعضاء ما يدفع نصف هؤلاء (أو أكثر) إلى الاستقالة بغية الخروج من حالة الشلل وانتخاب مجلس جديد. 

وهكذا يتبيّن أن الاقتراح الحالي سيعدّل السلوك الانتخابي للمرشحين برمته الذين قد يجدون أن البقاء في المجلس البلدي، على الرغم من شلل هذا الأخير أو الخلافات التي تعصف بين أعضائه، هو أفضل من الاستقالة الجماعية لأن البلدية لن تعتبر منحلة حكما. فالاقتراح قد يكون إيجابيا في حال شجع الأعضاء على حلّ خلافاتهم وإيجاد تسويات من دون التهديد بالاستقالة لكنه سيقود إلى نتائج سلبية جدا في حال سمح للمجلس بالبقاء في حالة عجز أو سمح له بالاستمرار خلافا للتّفاهمات التي سبقت الانتخابات ما يفقده شرعيّته التمثيلية على الرغم من احتفاظه بشرعيّته القانونية. 

من جهة ثانية، إن تداعيات هذا الاقتراح لا تنحصر في المرحلة التي تعقب الانتخابات لكنها في الحقيقة ستكون أهم بكثير قبل العملية الانتخابية لأن القوى المتنافسة ستجد أن مصلحتها لم تعد تكمن في عقد تفاهمات مسبقة لا يمكن ضمانها مستقبلا، بل في خوض الانتخابات بمفردها، ما يزيد من التنافس ويفاقم من حدة الحملات الانتخابية، لا سيّما وأنّ المرشح الخاسر -الذي سيصبح عضوا في البلدية في حال استقالة الأعضاء ضمن مهلة الستة أشهر- سيكون على الأغلب من اللائحة المنافسة. فاستقالة الأعضاء ستسمح بإعلان فوز المرشحين الخاسرين من اللائحة المقابلة، ما يعني أن المجلس البلدي سيتألف عندها من لون واحد ما يضعف من شرعية البلدية ويهدد طبيعتها الديمقراطية.

اقتراح يكرس استثناء سبق رفضه  

إن إعلان فوز أول الخاسرين ليس من المبادئ التي يكرسها القانون في أيّ نوع من الانتخابات. والاستثناء الوحيد يتعلق بالانتخابات الاختيارية والذي جرى إدخاله حديثا سنة 1999 عندما جرى تعديل المادة 15 من قانون المختارين الصادر سنة 1947 التي أصبحت تنص على التالي: "أما في المختاريات التي ليس فيها أعضاء إختياريين فيمكن لوزير الداخلية أن يعين مختارا من نال في الانتخاب الاختياري الأخير أكبر عدد من الأصوات في الحيّ الذي شغر فيه مركز المختار". وكما يتبين أن هذا الاستثناء، الذي أضيف حينها بناء على طلب رئيس الحكومة سليم الحص، لا يطبق على الأحياء التي يوجد فيها مجلس اختياري منتخب إذ في هذه الحالة وعند شغور منصب المختار " في أي وقت كان يعين وزير الداخلية أكبر أعضاء المجلس الاختياري سنا مختارا بديلا عنه لإتمام مدة الولاية"، أي أن وزير الداخلية مرغم بتعيين عضو جرى انتخابه مع المختار في الانتخابات الاختيارية.

حتى هذا الاستثناء لا يمكن القياس عليه إطلاقا لأن الانتخابات البلدية تختلف كليّا بطبيعتها عن الانتخابات الاختيارية. فالبلديات سلطات محلية يجب أن تتمتع بالشرعية الانتخابية من أجل تمثيل أبناء البلدية كون ذلك يعتبر شرطا بديهيا من شروط اللامركزية الحقيقية، بينما المختار لا يعتبر ممثّلا لأبناء حيّه إلا في أمور محددة وهو يتولى تمثيل السلطة المركزية والالتزام بتعليماتها ما ينفي عنه الاستقلالية المطلوبة لإكسابه الصفة التمثيلية العامة. لذلك لا يمكن القبول بتكريس هذا الاستثناء في الانتخابات البلدية لأنّ من شأن ذلك المسّ بالشرعيّة التمثيليّة للبلديات وضرب المبدأ الديمقراطيّ الذي يعتبر ركيزتها.

كذلك لا بدّ من التذكير أن مجلس النواب ناقش اقتراحًا مشابهًا في جلسة 16 آذار 1999 عندما تقدم النائب أحمد سويد بالنص التالي: "إذا شغر مركز عضو مجلس بلدي لأي سبب كان، فيمكن لوزير الداخلية أن يعين مكانه المرشح الذي نال في الانتخابات البلدية الأخيرة أكبر عدد من الأصوات بعد الأعضاء الفائزين، وذلك ضمن حدود ربع المراكز. أما إذا شغر في المجلس البلدي أكثر من ربع المراكز فيجري انتخاب أعضاء لهذه المراكز الشاغرة للمدة الباقية خلال مهلة شهرين من تاريخ شغور آخر مركز، على أن يحسب الكسر من العدد واحد". 

وعلى الرغم من أن النص يتكلم فقط عن ربع المراكز التي يمكن تعيينها، لكن الرئيس حسين الحسيني رفض هذا الاقتراح حينها معتبرا أن "هذا الموضوع له علاقة بكل بنية البلديات، وليس لدينا نظام رديف. المقارنة مع القانون الذي أقرّ مؤخرا حول قضية المختارين ليست في محلها". وبالفعل سيرفض المجلس مناقشة الاقتراح ويكتفي بإحالته إلى اللجان من أجل دراسته بشكل معمق.

اقتراح يهدّد صدقية الانتخابات

ينصّ الاقتراح على تطبيق أحكامه على الانتخابات التي جرت في أيار 2025 أي على انتخابات حصلت قبل إقرار القانون، ما يعني منح هذا الأخير مفعولا رجعيا. ومؤدّى ذلك تطبيق أحكام على الناخبين والمرشحين لم يكونوا على علم بها حين إجراء الانتخابات وهو ما يضرب مصداقية العملية الانتخابية كون المتنافسون خاضوا الانتخابات انطلاقًا من تحالفات وتفاهمات مبنيّة على فرضية إمكانية التهديد بحلّ المجلس في حال تقدّم نصف الأعضاء باستقالاتهم. 

ويتبين من خلال متابعة قرارات وزير الداخلية باعتبار بلديات منحلة بسبب فقدان نصف عدد أعضائها أن هذا الإجراء شمل حتى اليوم أربعة مجالس بلدية هي الروضة (البقاع الغربي)، دير كوشة (الشوف)، بطرام (الكورة)، وكفرصغاب (زغرتا)، وهو عدد بسيط جدّا لا يستدعي تعديل النظام الانتخابي للبلديات،  علمًا أن البلدية الأخيرة محسوبة على تيار المردة الذي ينتمي إليه النائب طوني فرنجية مقدّم الاقتراح، ما يشي بوجود مصالح سياسيّة تقف خلف الاقتراح الحالي ولا يتعلق الأمر بتأمين الاستقرار المؤسساتي للبلديات.

خلاصة

في الخلاصة، يتبين أن هذا الاقتراح يصادر حقوق المواطنين الديمقراطية ويمنعهم من حسم الخلافات التي قد تندلع داخل البلدية، كما يؤدي إلى تكريس الاستثناء عبر تعيين أول الخاسرين والتمييز بين فئتين من أعضاء البلدية: المرشحين الذين فازوا بالانتخابات والمرشحين الراسبين ما قد يخلق مجلسا هجينا ضعيفا لناحية شرعيته التمثيلية.