دعوة لسلّة "رفع الحصانات": البرلمان أمام اختبار منع الإفلات من العقاب

فادي إبراهيم

22/07/2025

انشر المقال

دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي الهيئة العامة للاجتماع يوم الأربعاء في 23/7/2025 للبحث في ملفيْن: الأول يتعلّق بطلب رفع الحصانة عن النائب جورج بوشكيان الوارد إليه منذ أقل من أسبوعين من النيابة العامة التمييزية، والثاني لدرس طلب الاتّهام في ملف الاتصالات بحق الوزراء السابقين نقولا صحناوي وبطرس حرب وجمال الجرّاح تمهيدا لإحالة وزراء الاتّصالات للمحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو طلب قدمه نواب منذ 2022. وتشكل الدعوة للمجلس للنظر في ملفين مختلفين تماما لجهة طبيعتهما أو الإجراءات المطلوب اتخاذها أو التوقيت أمرا مستغربًا. 

وستكون الجلسة المنوي عقدها الأولى من نوعها التي تنعقد للنظر بطلب اتّهام نيابي ضدّ رؤساء أو وزراء منذ العام 2003، بحيث انعقد المجلس للنظر بطلب مماثل بحق الوزيريْن شاهي برصوميان وفؤاد السنيورة حينها. وفي حين أنّ محاولة عقد جلسة مماثلة قد حصلت في آب 2021 للنظر بطلب اتّهام بعض الوزراء في جريمة تفجير المرفأ، إلّا أنّها باءت بالفشل لعدم توفّر النصاب عقب مقاطعة بعض الكتل لها تجاوبا مع طلب أهالي الضحايا. 

أمّا في ما يتعلّق برفع الحصانات، فتكون هذه الجلسة هي الأولى منذ العام 1999 حيث عُقدت الجلسة لرفع الحصانة عن النائب حبيب حكيم حينها.

وإذ تحمل الجلسة أهمّية كبرى لجهة حسم موقف المجلس النيابي مسألة الحصانات النيابية والوزارية بشكل عام وبمعزل عن مضمون الملاحقات المطروحة، فإنّ مجريات الدعوة لهذه الجلسة والسياق الذي تأتي به يطرح أسئلة، وفق ما نفصّله أدناه.

سياق مستغرب للدعوة للجلسة

جرت الدعوة للجلسة ضمن سياق ملاحقة النائب ووزير الصناعة السابق جورج بوشكيان. فقد طلب النائب العام التمييزي جمال الحجار بواسطة وزير العدل عادل نصّار رفع الحصانة النيابية عن بوشكيان. وقد أتى طلب رفع الحصانة عملا بالمادة 40 من الدستور التي تنص أنه "لا تجوز خلال دورات انعقاد المجلس ملاحقة النائب جزائياً أو اتّخاذ إجراءات جزائية بحقه أو إلقاء القبض عليه أو توقيفه إلا بإذن المجلس"، علما أن المجلس منعقد حاليا بدورة استثنائية. 

أمّا جلسة النظر بطلب ملاحقة وزراء الاتّصالات الثلاثة السابقين فهي معلّقة منذ سنتيْن ونصف، حيث كان يُفترض أن تُعقد في 7/12/2022، إلّا أنّ إعلان عدد من الكتل مقاطعتها للجلسات النيابية غير المتعلّقة بانتخاب رئيس الجمهورية، دفع برئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى تأجيلها من دون تحديد موعد جديد لها، بعدما تمنى منه مكتب المجلس ذلك. 

وعليه، لم يكن في سياق الدعوة للجلسة ما يُلزم بجمع الجلستيْن أو ضم موضوع وزراء الاتّصالات إلى جلسة رفع الحصانة. ويتعزّز ذلك عند التأكيد على أنّ موضوعيْ البحث من نوعيْن مختلفيْن تماما:

  • في ما يتعلّق بالنائب جورج بوشكيان: ستكون الجلسة مخصصة لرفع الحصانة عنه ليؤذن بملاحقته أمام القضاء العدلي الجزائي بناء على طلبه، سندا للمادة 40 من الدستور.
  • في ما يتعلّق بوزراء الاتّصالات: ستكون الجلسة مخصصة للنظر بطلب اتّهامهم تمهيدا لتعيين لجنة تحقيق برلمانية تضع تقريرا يُتّهم على أساسه الوزراء ويحالون إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء سندا للمادتيْن 70 و80 من الدستور.

لذلك، فإنّ الجمع المستغرب لجلستيْن من نوعيْن مختلفيْن في جلسة واحدة يطرح العديد من علامات الاستفهام التي تزيد من علامات الاستفهام حيال طبيعة الدعوة، خصوصا في ظل تأثيرات الجمع بين الجلستيْن.

وما يجعل التساؤل أكثر إلحاحا حيال ذلك، هو أنّ الدعوة وُجّهت بدايةً بوضع موضوع رفع الحصانة على بوشكيان أولا على جدول الأعمال ومن ثمّ النظر في طلب اتّهام وزراء الاتّصالات، إلّا أنّ دعوة جديدة وُجّهت تضمّنت تبديل ترتيب الملفيْن بحيث يصبح النظر بملف وزراء الاتّصالات أولا. والأثر الأول الذي يتوقف على ذلك هو خطر تعطيل النظر في حصانة بوشكيان في حال فض الجلسة بفعل خلافات قد تنشب في جلسة النظر في اتهام وزراء الاتصالات أو تعيين لجنة التحقيق البرلمانية لأسباب سياسية وطائفية محتملة. 

الإطاحة بعلنية جلسة رفع الحصانة

استنادا إلى قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء (المادة 21)، فإنّ كل ما يتعلق بطلب الاتهام يبقى سريا ويحظر نشره، على أن ترفع السرية إذا أقر المجلس النيابي الاقتراح وأصدر قرارا لاحقا بالاتهام. تطبيقا لهذه المادة، درجت العادة بأنّ تكون جلسات النظر بطلب الاتّهام والاتّهام سرّية. ففي جلسة مشابهة للنظر بطلب اتّهام الوزيريْن شاهي بارصوميان وفؤاد السنيورة في العام 2003، أخرج منها جميع الحاضرين من غير النوّاب بمن فيهم أمين عام المجلس النيابي عدنان ضاهر للنقاش بالملف.

ومع وضع موضوع النظر بطلب الاتّهام على جدول الأعمال قبل النظر بطلب رفع الحصانة، وفي حال مُنع الصحفيون وغيرهم من حضور ما يتعلّق بطلب اتّهام الوزراء، فإنّه يُفترض أن يُسمح لهم بتغطية وقائع النظر بطلب رفع الحصانة عن بوشكيان، وإلّا نكون أمام خرق واضح لمبدأ علنية الجلسات المكرّس في المادة 35 من الدستور. إلّا أنّ لوجستيات إبقاء الصحفيين خارج قاعة الهيئة العامة ومن ثمّ السماح لهم بالدخول مع بدء درس ملف بوشكيان تبدو صعبة وتقتضي أن يطلب رئيس مجلس النواب ذلك. 

أبعد من ذلك، يُتوقّع أن يطلب عدد من النواب الكلام في بداية الجلسة بالنظام، أو لتلاوة الأوراق الواردة في بداية الجلسة التي قال رئيس مجلس النواب أنّه أعاد العمل بها خلال جلسة 30/6/2025 التشريعية. لذلك، فإنّ منع الصحفيين وغيرهم من الحضور منذ بداية الجلسة سيؤدّي إلى مخالفة مبدأ العلنية وبطريقة تتجاوز التفسير الذي يُفيد بأنّ جلسة النظر بطلب الاتّهام يجب أن تكون سرية.

أين تقرير الهيئة المشتركة في قضية بوشكيان؟

ما يزيد من الريبة حول طريقة الدعوة للجلسة وجمع الجلستيْن مع بعضهما، هو عدم توزيع تقرير الهيئة المشتركة بين مكتب المجلس النيابي ولجنة الإدارة والعدل حيال طلب رفع الحصانة عن بوشكيان. فبموجب المادة 92 من النظام الداخلي للمجلس النيابي، يُفترض أن تُعدّ الهيئة المذكورة تقريرا حول طلب رفع الحصانة ليُعرض على الهيئة العامة للمجلس النيابي لمناقشته والتصويت على رفع الحصانة من عدمه على أساسه. 

إلّا أنه وحتّى مساء 22/7/2025، أي ليلة الجلسة، فإنّ هذا التقرير لم يوزّع على النواب بعد، بل تمّ الاكتفاء بتوزيع طلب النيابة العامة التمييزية ومذكّرة دفاع واردة من قبل وكيل بوشكيان. ويطرح ذلك علامة استفهام حول مدى تمكين إدارة المجلس النيابي للنواب من مناقشة الموضوع المطروح وهم على بيّنة من كافة جوانبه وحول مدى جدّية المجلس النيابي في رفع الحصانة عن بوشكيان. إذ أن عدم توزيع التقرير أو ربما عدم إعداده أيضا قد يُثير إشكالية المتعلّقة بالنظام الداخلي قوامها اشتراط وجود التقرير للتصويت على رفع الحصانة، وهو ما قد يستعمله بوشكيان لاحقا.

الشبهات حول ارتكابات الوزراء

إذ خصّصنا مقالا منفردا فصّلنا فيه تفاصيل ملاحقة وزير الصناعة السابق جورج بوشكيان، نعيد التذكير بأبرز ما جاء في طلب رفع الحصانة عنه. فقد استند طلب رفع الحصانة وفق ما جاء في مذكرة النيابة العامة، إلى أنّ الأخيرة تنوي ملاحقة الوزير السابق للادّعاء عليه بجريمتيْ تقاضي الرشوة لإنجاز معاملات غير قانونيّة والتهويل على المتعاملين مع الوزارة للحصول على رشاوى، فضلا عن منح التراخيص من دون مراعاة الإجراءات القانونية.

أمّا في ما يتعلّق بطلب اتّهام وزراءالاتّصالات، فهو مرتبط بعدد من القضايا وهي 1) قضية مبنى قصابيان الذي استأجرته شركة ميك 2 وسدّد بدلات إيجار عن السنوات الأربع الأولى منه ناهزت 10 ملايين دولار من دون أن تستفيد الشركة منه وقد تم توقيع العقد بموافقة الوزير صحناوي وقرر حرب فسخه على خلفية أنه يخفي صفقة من دون اتخاذ إجراءات كافية لحماية مصالح الدولة، 2) القضية المتعلّقة بالكتاب الوارد من النيابة العامة في العام 2019 بحق الوزيريْن المذكوريْن إضافة إلى الوزير جمال جرّاح، وقد تضمن معلومات مفصلة حول الهدر الحاصل في مجال استخدام مداخيل شركتي الخليوي في تمويل  نشاطات اجتماعية متفرقة بقرار من الوزراء المذكورين. وقد سبق أن خصّصنا مقال حول هذا الموضوع خصوصا في ما يتعلّق بالدفاع الذي أورده الوزيران حرب وصحناوي.

ماذا يُنتظر في الجلسة؟

في ملف بوشكيان: 

بعد عرض الملف وتلاوته على الهيئة العامة للمجلس النيابي، ستصوّت الهيئة على رفع الحصانة. ولهذه الغاية، سيكون على النواب عند تصويتهم تقدير جدية الملاحقة والتأكد من أن الطلب بعيد عن الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي. 

أمّا النتيجة، فستكون على أساس الأكثرية النسبية، أي في حال موافقة أكثرية الحاضرين على الطلب، تُرفع الحصانة عن بوشكيان ويُمكن عندها بدء الإجراءات القضائية بحقّه، من دون أن يتطلّب ذلك أي تدخّل لاحق من مجلس النواب.

في ملف وزراء الاتّصالات:

بعد أن يستمع إلى مرافعة الادّعاء الممثّل بأحد موقّعي طلب الاتّهام إضافة إلى مرافعة الدفاع (الوزراء صحناوي وحرب والجرّاح)، يقرّر المجلس النيابي بالأكثرية المطلقة من أعضائه:

إمّا إحالته فوراً إلى لجنة نيابية خاصّة تسمّى "لجنة التحقيق"، وهي لجنة مؤلّفة من رئيس وعضويْن أصيليْن، وثلاثة نوّاب احتياطيين، ينتخبهم المجلس النيابي في الجلسة نفسها إذا ما تمّ التصويت لمصلحة الطلب المذكور أعلاه، على أن يُنتخب هؤلاء بالاقتراع السرّي وبالغالبية المطلقة.

أو ردّ الطلب.    

وقد حصلت سابقة وحيدة في هذا الخصوص دفعت المجلس النيابي إلى البتّ بطلبَي اتّهام في العام 2003، الأوّل بحق الوزير السابق فؤاد السنيورة والثانية بحق الوزير السابق شاهي برصوميان. وفي حين رفض النوّاب التصويت على طلب اتّهام السنيورة ممّا أدى إلى ردّه، وافقت غالبية 70 نائباً على طلب اتّهام برصوميان. وعليه، عيّن هؤلاء أعضاء لجنة التحقيق التي أنيطت رئاستها بالنائب إيلي الفرزلي وعضويّة النائبين ياسين جابر ومحمد الصفدي وانتهت إلى إعداد تقرير بتبرئة برصوميان.