اقتراح من أجل إصلاح الانتخابات المحلية وتأجيلها تقنيّا: إلغاء وزن الأقليات بحجة حمايتها

نيقولا غصن

12/04/2025

انشر المقال

تقدّم بتاريخ 28 آذار 2025 النائبان وضاح الصادق ومارك ضو باقتراح قانون معجّل مكرر يرمي بحسب عنوانه إلى "تعديل المرسوم الاشتراعي رقم 118/1977 لضمان الممارسة الانتخابية والديمقراطية السليمة في الانتخابات البلديّة والاختياريّة وتحقيق المشاركة الأوسع للمواطنين والتمثيل العادل والشامل". ويتضمّن هذا الاقتراح مادة ترمي في فقراتها الستّ إلى فرض لوائح انتخابيّة مقفلة في البلديات التي يتضمّن مجلسها 18 عضوًا أو أكثر، وفرض كوتا جندريّة بحيث يتوجّب على كلّ كتلة أن يكون ثلث أعضائها من الرجال أو النساء. وعمد الاقتراح أيضا إلى استخدام آليّة انتخاب المغتربين لإتمام العمليّة الانتخابيّة في القرى والبلدات التي تعرّضت للدمار الكلي أو الجزئي نتيجة الاعتداءات العسكريّة الإسرائيليّة. وأخيرًا نص الاقتراح في فقرته الرابعة على منح مهلة تمديد تقنيّة لإجراء الانتخابات بناءً على "الإصلاحات المقترحة في هذا القانون إلى موعد أقصاه 31 تشرين الأوّل 2025" بنما عاد ونص مجددا في فقرته الخامسة صراحة على تمديد ولاية المجالس البلديّة والاختياريّة حتى 31 تشرين الأوّل 2025. 

ارتكزت الأسباب الموجبة للاقتراح على "الظروف الاستثنائيّة التي تمرّ بها البلاد، سواء على الصعد الأمني أو الإداري والاستقرار الداخلي مع تراكم الأزمات"، فاعتبرت أنّ هذه المعطيات "تشكّل تحدّيًا أمام الممارسات الديمقراطية السليمة، كما تؤثّر على قدرة جميع الناخبين على المشاركة والتنافس بشكل مشروع يعكس تطلّعاتهم في الحكم المحلّي وتمثيلهم السياسي". وشدّدت على أنّ هذه التحدّيات تطال بشكل خاصّ أهالي القرى المدمّرة جرّاء العدوان الإسرائيلي. كما ربطت الأسباب الموجبة بين ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها وتأمين بالمقابل "حدّ أدنى مقبول من المتطلّبات الأمنيّة والديمقراطيّة والقانونيّة واللوجستيّة اللّازمة للقيام باستحقاق انتخابيّ مكتمل تحضيريًّا". كما ونصّت على أنّ "الأوضاع الحاليّة الأمنيّة والإداريّة والسياسيّة تهدّد نزاهة العمليّة الانتخابيّة". وقد أشادت الأسباب الموجبة بنجاح آليّة انتخاب المغتربين في الانتخابات النيابيّة وطالبت بتطبيقها في الانتخابات البلديّة على الناخبين في القرى المدمّرة في كلّ من أقضية صور ومرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل والنبطيّة بالإضافة إلى بعض القرى الحدوديّة مع سوريا في أقضية بعلبك والهرمل وعكار "حيث حصل مواجهات عسكريّة تخطّت الحدود الدوليّة". وفي النهاية أشارت الأسباب الموجبة إلى موضوع المجالس البلديّة التي تتكوّن من 18 عضوًا وما فوق، فاعتبرت أنّ "اعتماد آليّة انتخاب قائمة على اللائحة المكتملة المقفلة وفق النظام الأكثري يساهم في انسجام المجالس البلديّة" فضلاً عن أنّه يمنع حالة الجمود السياسي "ويضمن المشاركة والمساواة وعدالة التمثيل في تشكيل اللوائح ويضمنها في النتائج". 

جراء ما تقدّم من تعديلات ينصّ عليها هذا الاقتراح، من المفيد إبداء الملاحظات التالية: 

تأجيل الانتخابات البلديّة: متى ستنتهي الحجج؟

إن الطرح الأساسي في الاقتراح المقدّم هو تأجيل الانتخابات البلديّة إلى تاريخ أقصاه 31 تشرين الأول 2025، على أن يكون لمجلس الوزراء تحديد تاريخ إجراء الانتخابات بمرسوم يتّخذ بناءً على اقتراح وزير الداخلية والبلديات. وينص الاقتراح في فقرته الرابعة على أن "يراعى في تحديد الموعد استكمال التدابير اللوجستيّة والقانونيّة والإداريّة لضمان حسن سير العمليّة الانتخابيّة". علمًا أن مفاعيل التمديد الأخير للمجالس البلديّة والاختياريّة المقرّ بالقانون رقم 325 الصادر في 26 نيسان 2024 تنتهي في 31 أيّار 2025، علما أن وزير الداخليّة سبق له وأن حدّد تواريخ الانتخابات البلديّة في لبنان على أن تبدأ في محافظة جبل لبنان في تاريخ 4 أيّار 2025. وبالتالي، فإنّ الاقتراح يأتي متأخرًا جدًّا ليطرح، قبيل شهرين تقريبًا من تاريخ إجراء العمليّة الانتخابيّة التي طال انتظارها، تأجيل هذه الانتخابات مجددًا وللمرة الرابعة من أجل إدخال بعض الإصلاحات على النظام الانتخابي.

ولا شكّ أنّ هذا الاقتراح يخالف المبادئ الدستوريّة التي شدّد عليها المجلس الدستوري في قراراته رقم 6 تاريخ 30 أيار 2023 والقرارات 5 و6 و7 تاريخ 28 أيّار 2024. فقد نصّ القرار رقم 7 الذي استعاد القرارات السابقة صراحة على أن "حق الاقتراع، المكرس في المادة 21 من الدستور الذي يتولّد عنه مبدأ آخر وهو الدوريّة في ممارسة الناخبين لحقهم في الاقتراع، ما يوجب دعوة الناخبين لممارسته بصورة دورية وضمن مدة معقولة". وقد كرَّست هذا المبدأ أيضاً الفقرة "ب" من المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولا ريب أنّه بعد انقطاع الناخبين عن ممارسة حقّهم في اختيار ممثليهم في المجالس البلدية والاختياريّة منذ عام 2016 أي منذ 9 سنوات، وبعد تأجيل هذه الانتخابات بحجة تزامنها مع الانتخابات النيابيّة سنة 2022 وعدم قدرة الدولة على تنظيم العمليّة الانتخابيّة لأسباب تقنية ومالية سنة 2023، وبسبب الظروف الاستثنائيّة الناتجة عن العدوان الاسرائيلي سنة 2024، فإن حرمان الناخبين من حق الاقتراع ومخالفة مبدأ دوريّة الانتخابات مرّة جديدة بذريعة إدخال إصلاحات جزئية يخالف ليس فقط حقوق المواطنين الدستورية لكن أيضا البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام التي حصلت على أساسه على ثقة النواب (من بينهم النائبان ضو والصادق) والتي تعهدت بموجبه إجراء الانتخابات في موعدها.  

ولا بدّ من الملاحظة أيضًا أنّ هذا الاقتراح قد خالف قرارات المجلس الدستوري في ناحية أخرى وهي تفويضه مجلس الوزراء تحديد موعد الانتخابات النيابيّة من خلال مرسوم ضمن مهلة أقصاها 31 تشرين الأوّل 2025 كما ورد في الفقرة الرابعة من المادة الأولى من الاقتراح. إذ بالعودة إلى قرارات المجلس الدستوري رقم 5 و6 و7 المتشابهة، نجد فيها كلّها أنّ المجلس عمد إلى رفع الالتباس من خلال تحفّظ تفسيري حول الجهة التي تحدد موعد الانتخابات وتدعو إليها، معتبرًا أنّه لا يجوز أنّ تحلّ الإدارات والوزارات محلّ المشترع في هذا الشأن نظرًا لحفظه له بموجب الدستور، وأنّ احترام هذه الصلاحيّة التشريعيّة واجبة بالنظر إلى الفقرة "هـ" من الدستور التي تنص على فصل السلطات وعلى المادة 16 منه التي تنص على أن مجلس النواب هو الهيئة التي تتولى السلطة المشترعة. 

ولا يقتصر الأمر على مخالفة قرارات المجلس الدستوري لكن التمعن بالاقتراح يظهر صياغته الركيكة كون الفقرة الخامسة تعلن منح مهلة تمديد تقنية من أجل تمكين السلطة التنفيذية من إجراء الإصلاحات التي يتبنّاها القانون ويعلن بشكل مستغرب في الوقت نفسه أنها "مقترحة"، ومن ثم تكرر الفقرة الخامسة إعلان تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية بينما الفقرة الرابعة كانت كافية لإقرار هذا التمديد.  

اللوائح المقفلة : الانسجام البلدي والتنوع الطائفي لا يبرر هيمنة الأقوى وإقصاء الآخرين

ينص الاقتراح على تعديل المرسوم الاشتراعي رقم 188 الصادر سنة 1977 والمعروف بقانون البلديات من أجل أن "تجرى انتخابات المجالس البلدية في المدن التي يتألف مجلسها البلدي من 18 عضوًا أو أكثر عبر الاقتراع للوائح مكتملة مقفلة وفقًا للنظام الأكثري" وعلى أن يتمّ ذلك باستخدام أوراق رسمية مطبوعة سلفًا وبالاستناد إلى الآليّة المعتمدة في قانون الانتخاب رقم 44 الصادر سنة 2017 في ما خصّ مهل التسجيل وطريقة الترشّح (ترشّح أفراد ثمّ تشكيل لوائح). وتأتي الأسباب الموجبة للاقتراح لتبرر هذا التعديل بضرورة تأمين الانسجام بين أعضاء المجلس البلدي وضرورة تعزيز فعاليته وقدرته على اتخاذ القرارات إذ ستفوز اللائحة بكل أعضائها ما يعني أن جهة واحدة ستسيطر على كل المقاعد داخل المجلس البلدي ما يضمن التجانس في اتخاذ القرارات.

لكن وبالرغم من هذا التبرير الذي لا شكّ وأنّه يتوافق مع ضرورات العمل البلدي، يبقى أنّه لا يمكن إلّا الإشارة إلى معطى آخر أساسي قد يدفع إلى هذا التعديل وهو تأمين المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في بعض البلديات المختلطة من خلال اللوائح المقفلة المكتملة، تحديدًا في بلدية بيروت التي شكّلت محطّ اهتمام النواب من خلال عدّة اقتراحات. فالقانون في لبنان لا يضمن التمثيل الطائفي في البلديات ما جعل المناصفة في بلدية بيروت نتيجة القرار السياسي للرئيس رفيق الحريري الذي كان يشكل لوائح بلدية تراعي المناصفة. وقد استمر الرئيس سعد الحريري في اتباع النهج نفسه لكن انسحابه من الحياة السياسية أفقد بلديّة بيروت ضمانة المناصفة. وبالتالي فإنّ خسارة هذه الضمانة السياسيّة دفعت بعدد من النواب هم نقولا صحناوي وإدكار طرابلسي وسيزار أبي خليل المنتمين إلى التيار الوطني الحرّ إلى التقدّم باقتراح قانون من أجل تقسيم بلدية بيروت إلى بلديّتين في كلّ منهما أكثريّة طائفيّة واضحة، والنائب هاكوب ترزيان إلى تقديم اقتراح من أجل تقسيم بيروت إلى عدد من الدوائر البلدية على أساس التقسيم الإداري لأحياء العاصمة، ما يؤمّن بدوره التمثيل الطائفي المطلوب. 

ولا شك أن هذا الاقتراح قد يسمح بتأمين المناصفة أو التمثيل الطائفي المتنوع في البلديات الكبرى لكن ذلك سيتم في حال قررت الجهة السياسية المسيطرة على البلدية تأليف لوائح تؤمن التعددية الطائفية ما يعني أن هذه التعددية ستكون منحة من الطرف الأقوى ولن تكون نتيجة ممارسة ديمقراطية سليمة بحيث تعكس الإرادة الحقيقية لأبناء البلدية.

من جهة أخرى، ف إن تبني خيار اللائحة المقفلة من ضمن النظام الأكثري في دورة اقتراع واحدة، سيؤدّي في حال اعتمادها إلى نجاح اللوائح التي تحصل على الأكثريّة البسيطة أي مجرد حصولها على عدد أكبر من الأصوات من غيرها حتى لو كانت هذه الأصوات تشكل أقلية بالنسبة لمجموع الأصوات التي تم الإدلاء بها، ما سيضعف من الشرعيّة التمثيليّة للوائح الفائزة ويحدّ من الطبيعة الديمقراطية للعملية الانتخابية. وهكذا يسمح الاقتراح للأحزاب والجهات السياسية النافذة باحتكار التمثيل البلدي عبر فرض الأقوى لكامل أعضاء اللائحة من دون حاجته إلى التفاوض مع جهات أخرى من أجل تشكيل لوائح مشتركة ما يعني تعزيز هيمنة القوي والإمعان في تهميش الضعيف عبر حرمانه من التمثيل بشكل كامل. فالقرارات في المجلس البلدي تتخذ بالأكثرية ما يعني أن وجود أقلية معارضة لن يؤدي إلى شلل البلدية في حال كانت الأكثرية تنتمي إلى فريق واحد. فشلل البلدية لن يحدث الا في حال لم يتمكن أي فريق من الحصول على غالبية أعضاء المجلس البلدي ما قد يؤدي إلى استقالة نصف أعضائه الأمر الذي يجعله منحلا حكما ويوجب اجراء انتخابات بلدية جديدة، وهو أمر ديمقراطي قد يسمح للناخبين بالاقتراع مجددا لاختيار مجلس جديد أكثر انسجاما. بينما الاقتراح الحالي بسماحه لمن يحصل على الغالبية البسيطة بالفوز بكامل أعضاء البلدية فهو يجيز ليس فقط إقصاء جميع الفرقاء الآخرين لكنه أيضا يمنع حلّ المجلس البلدي من أجل الاحتكام مجدّدا إلى الناخبين إذ من الصعب تخيُّل استقالة أعضاء ينتمون إلى فريق واحد.    

الكوتا الجندريّة : ضمان التعددية في البلديات الكبيرة فقط

ينص البند الثاني من الاقتراح: "على اللوئح أن تضمّ ما لا يقلّ عن ثلث أعضائها من النساء أو الرجال أو تعتبر اللائحة غير مؤهّلة ولا تسجّل بين اللوائح المقبولة". وهكذا يتبين أن هذا النص لا يمكنه أن يطبق إلّا على البلديات التي يجب الترشح فيها بلوائح مقفلة مكتملة، إذ إنّ النظام الانتخابي المعتمد في الانتخابات البلديّة لا يفرض تشكيل لوائح بشكل رسمي، وبالتالي فإنّ رفض قبول لوائح لا تطبّق الكوتا الجندريّة يصبح مستحيلًا في البلديات التي لا يزال الترشيح فيها يتم كما في السابق أي من دون وجود لوائح رسمية. بالتالي، فإنّ هذا التعديل الذي يأخذ طابعا تقدّميا بهدف تعزيز مشاركة المرأة في العمل البلدي، سيقتصر مفعوله على البلديات التي يتألف مجلسها البلدي من 18 عضوا على الأقل أي تلك التي يفرض الاقتراح تشكيل لوائح مقفلة فيها، الأمر الذي يضعف من فعالية هذا الاقتراح كون العديد من البلديات، لا سيما الصغيرة منها، ستظل خاضعة لتشكيل لوائح غير رسمية من دون وجود أي ضمانة قانونية تسمح بمشاركة المرأة. وهكذا يكون هذا الاقتراح قد ميز بين البلديات وكأن مشاركة المرأة في البلديات هي فقط ضرورية في البلديات الكبيرة علما أن هذه الأخيرة قد تكون مشاركة المرأة فيها أسهل، بينما البلديات الصغيرة في القرى قد تكون أكثر حاجة لوجود كوتا جندرية كون تهميش المرأة هو أشد فيها نظرا لهيمنة القيم الذكورية بشكل أكثر حدية مقارنة بالبلديات الكبيرة في المدن.

وكان المجلس النيابي شهد على تقديم اقتراحات أكثر تقدّميّة وفعاليّة مثل اقتراح النائبين بولا يعقوبيان وياسين ياسين لإرساء مناصفة جندريّة في جميع البلديات ونظام انتخابي نسبي فيها واقتراح آخر من مجموعة نواب يؤمّن كوتا نسائيّة بثلاثين في المئة للبلديات المؤلفة من /9/ و/أو /12/ عضوًا وخمسون بالمئة للبديات المؤلّفة من 15 عضوًا وما فوق. وبالرغم من القفزة النوعيّة في ضمان تمثيل المرأة لهذه الاقتراحات إلّا أنّها تفتقر لضمانة دستوريّة لم يكرّسها الدستور لدور المرأة في العمل السياسي بالرغم من ضرورتها، فضلًا عن أنّ هذه الاقتراحات تكتفي بإدخال المرأة إلى المجالس البلديّة من دون ضمان إعطائها دورًا فاعلًا وسلطة تقريرية حقيقية كوصولها إلى رئاسة المجلس البلدي.

الانتخابات في القرى المدمّرة : نصّ مبهم يفتح الباب أمام الاعتباطية.

يتناول الاقتراح في بنده الثالث مسألة إتمام الانتخابات في القرى التي تعرّضت للتدمير الكلّي أو الجزئي جرّاء القصف الإسرائيلي في الحرب الأخيرة، وذلك من خلال استنساخ تجربة انتخاب المغتربين في الانتخابات النيابيّة التي جرت في سنة 2018 و2022 من خلال الآليّة التي نصّ عليها قانون الانتخابات النيابية الصادر سنة 2017. إلّا أنّ هذا البند الثالث من الاقتراح يشكو من صياغته المبهمة والتي تفتقر بشكل كبير إلى الوضوح ما يصعّب فهم كيفيّة تطبيقه كونه ينص على أن تنظيم الانتخابات في البلديات التي تعرضت للدمار بقرار من وزير الداخلية. فهل يعني ذلك منح تفويض مطلق لوزارة الداخلية كي يحدد كيفية إجراء الانتخابات في تلك البلديات من ضمن أحكام استثنائية تسري فقط عليها ولا ينص عليها الاقتراح بالكامل؟

ومن ثم يضيف البند المذكور أنه في حال تعذر إجراء الانتخابات في "أي مدينة أو بلدة أو قرية" تعتمد آلية اقتراع المغتربين وذلك عبر إنشاء منصة إلكترونيّة لتسجيل أبناء القرى الراغبين بالتصويت "في مدن أو بلدات خارج القرى المدمرة كليا أو جزئيا". فما هو المقصود بتعذر إجراء الانتخابات؟ ولماذا النص على تنظيم الانتخابات في البلديات المدمرة بقرار من وزير الداخلية ومن ثم افتراض تعذر إجراء الانتخابات والإحالة إلى آلية خاصة محددة في قانون مختلف تتعلق باقتراع المغتربين في الخارج. فالاقتراح كان عليه أن يحدد كامل تفاصيل هذه الآلية بشكل واضح والنص على تطبيقها مباشرة من دون النص على أن تنظيم الانتخابات في البلديات المدمرة يتم بقرار من وزير الداخلية وفي حال تعذر ذلك يتم اعتماد آلية اقتراع المغتربين من دون تحديد تفاصيل كافية حول هذا الأمر.

كما يبدو من النصّ أنّه يمنح وزير الداخليّة السلطة في تحديد القرى التي سيتمّ الانتخاب خارجها، لكن دون أن يضع المعايير لهذا التحديد وبشكل يعطي الوزير سلطة اعتباطيّة خارجة عن أيّة ضوابط في هذه العمليّة الدقيقة، إذ يكتفي الاقتراح بمنح وزارة الداخلية صلاحية تحديد مركزين أو أكثر في كل قضاء من أجل اقتراع أبناء البلديات المدمرة. فهل هذا يعني أن على الوزير تحديد تلك المراكز في القضاء نفسه حيث البلديات المدمرة أو أنه يحق له تحديد مراكز في أقضية أخرى قد تكون بعيدة كل البعد عن البلديات المدمرة. هل على الوزير أن يحدد تلك المراكز في أماكن إقامة المواطنين الذين هجروا من منازلهم المدمرة؟ أسئلة كثيرة لا يجيب عنها الاقتراح بل يتركها مبهمة خاضعة لتقلبات المشيئة السياسية.  

في الخلاصة، يتبين أن توقيت هذا الاقتراح يأتي بشكل معاكس تمامًا للحراك الانتخابي الذي بدأ في مختلف البلدات والمدن اللبنانيّة وفي ظلّ رفض رئيس الحكومة نوّاف سلام له. كما أن طروحات هذه المبادرة التشريعيّة تأتي في جزء منها مفتقرة إلى الوضوح في مسألة اقتراع أبناء القرى المدمرة، أو غير كافية في مسألة الكوتا الجندريّة. فهكذا إصلاحات كان من المفترض أن تقترحها الحكومة بعد دراستها بشكل معمق وفي حال وجدت أنها تتطلب تأجيل الانتخابات التقدم بمشروع قانون من أجل تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية استثنائيا لفترة محدودة، أو الاكتفاء بتأجيلها في البلديات المدمرة، أو النص على احكام استثنائية من أجل تنظيم الانتخابات في البلديات المدمرة.