أسئلة على هامش الدعوة إلى جلسة لمناقشة الحكومة: عودة الرقابة البرلمانيّة؟
12/07/2025
بعد طول غياب، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة عامة بتاريخ 15 تموز المقبل لمناقشة حكومة نواف سلام في سياستها العامّة. ولا شكّ أنّ هذه الجلسة هي أول جلسة رقابة فعليّة يعقدها مجلس النواب الحالي منذ انتخابه في ايار 2022 من دون الأخذ بالاعتبار جلسة تلاوة البيان الوزاري ومنح الحكومة الثقة التي عقدت في 25 شباط المنصرم كونها جلسة يفرضها الدستور وهي تتعلق بالبرنامج المستقبلي الذي تنوي الحكومة تنفيذه، بينما الجلسة الحالية تخص أيضا أعمال الحكومة التي قامت بها بالفعل في الفترة الماضية، ما يعني أن مجلس النواب استعاد قدرته على المحاسبة.
وقد جاءت هذه الدعوة عملا بالمادة 136 من النظام الداخلي التي تنص على التالي: "بعد كل ثلاث جلسات عمل على الأكثر في العقود العادية والاستثنائية تخصص جلسة للأسئلة والأجوبة أو جلسة للاستجوابات أو للمناقشة العامة مسبوقة ببيان من الحكومة". وبما أن مجلس النواب عقد جلستين تشريعيتين في عقده العادي بتاريخ 24 نيسان و15 أيار وجلسة تشريعية واحدة حتى الآن في عقد الاستثنائي الحالي بتاريخ 30 حزيران، فإن ذلك يعني أن على مجلس النواب أن يعقد جلسة لمراقبة عمل الحكومة بعد الجلسات التشريعية الثلاث.
لكن هذه الجلسة وعلى الرغم من أهميتها ودلالتها لناحية عودة الحياة إلى النظام البرلماني تطرح مجموعة من الملاحظات الدستورية التي لا بد من الإشارة إليها:
أولا، إذ تنص المادة 137 من النظام الداخلي على أن جلسة مناقشة الحكومة في سيّاستها العامّة يتمّ تحديدها "بطلب من الحكومة أو بطلب من عشرة نواب على الأقل وموافقة المجلس"، فإن الدعوة التي وجهها رئيس المجلس لا تشير قط فيما إذا كانت تعقد بناء على طلب من الحكومة أو من النواب. وفي حال كانت هذه الجلسة تعقد بناء على دعوة من النواب، هل حصل هذا الطلب على موافقة المجلس في هيئته العامة كما تفرض ذلك صراحة المادة 137 من النظام الداخلي؟ إذ أنّ المجلس عقد آخر جلسة له في هيئته العامة في 30 حزيران وجلّ ما سجّله مراقبو المرصد البرلمانيّ في هذا الشأن هو أنّ النائب ملحم خلف ذكّر بالمادة 136 من النظام الداخلي مطالبا بعقد جلسة مناقشة للحكومة فما كان من الرئيس بري إلا وأن وافقه على ذلك لكن من دون عرض الأمر على موافقة المجلس.
ويعيد هذا الالتباس تسليط الضوء على غموض أحكام النظام الداخلي الذي يعلن ضرورة عقد جلسة لمناقشة الحكومة بعد كل ثلاث جلسات عمل، لكنه يضيف مباشرة في المادة التالية على ضرورة الحصول على موافقة المجلس في حال جاء الطلب من النواب. فهل المقصود أن جلسة المناقشة تعقد حكما بعد كل ثلاث جلسات عمل من دون الحاجة إلى موافقة المجلس بحيث يستوجب عقد الجلسات الإضافية فقط هذه الموافقة، أم أن ثمة ضرورة في الحصول على الموافقة لعقد أي جلسة مناقشة عامة أيا كان نوعها، وحتى ولو كانت حكمية؟
ثانيا، تنصّ المادة 138 من النظام الداخلي على التالي: "للحكومة ولكل نائب أن يطلب طرح الثقة بعد انتهاء المناقشة في الاستجوابات أو في المناقشة العامة". إلا أن تطبيق هذه المادة يجب أن يحصل بالانسجام مع المادة 37 من الدستور التي تمنع طرح الثقة بالحكومة سواء في العقود العادية أو الاستثنائية "إلا بعد انقضاء خمسة أيام على الأقل" من تاريخ إيداع الطلب أمام مكتب المجلس وإبلاغه للحكومة. وهذه المهلة التي تهدف من حيث المبدأ إلى تخويل الحكومة إعداد الدفاع عن نفسها عند الاقتضاء، لم يتم احترامها في الدعوة الحالية طالما أن الدعوة وجهت أمس (11 تموز) لعقد جلسة في (15 تموز) أي بعد أربعة أيام فقط. وعليه، فإنه لن يكون لأيّ من النّواب التصويت على الثقة في الجلسة المقبلة، لا سيّما وأن الدعوة لم تتضمن أي إشارة إلى وجود استجوابات مقدمة من نواب ستتم مناقشتها والتصويت عليها.
أخيرًا وبانتظار النقاش الذي سيجري والملفات التي سيودّ النواب والحكومة مناقشتها، تجدر الإشارة إلى أن عودة جلسات المناقشة العامة هي مؤشر إيجابي لاستعادة النظام البرلماني قواعده الدستورية الطبيعية لكنها تظل غير كافية من دون وجود نظام داخلي واضح يحمي ديمقراطية الحياة النيابية ويؤسس لممارسة في إدارة مجلس النواب تعكس فعليّا سيادة هذا الأخير على نفسه. فالدّيمقراطية لا تكون فقط من خلال علاقة البرلمان بالحكومة لكنّها في المقام الأول تكمن داخل مجلس النواب.