اقتراح تعديل تسمية "الطائفة الإسرائيلية": حق الطائفة بتسمية نفسها جزء من حرية المعتقد

وسام اللحام

18/10/2025

انشر المقال

تقدمت النائبة بولا يعقوبيان بتاريخ 16 تشرين الأول 2025 باقتراح قانون معجل مكرر ينص على استبدال تسمية «الطوائف الإسرائيلية» بعبارة «الطوائف اليهودية» "وذلك أينما ورد النص عليها في سائر القوانين والأنظمة النافذة والمرعية الإجراء، ولا سيما في الملحق عدد (1) من القرار رقم 60/ل.ر تاريخ 13/3/1936 وتعديلاته (نظام الطوائف الدينية)، وفي القانون المتعلق بتحديد صلاحيات المراجع المذهبية الصادر بتاريخ 2/4/1951 وتعديلاته، وتعتمد هذه العبارة لاحقاً في أي نص قانوني أو نظامي يتم اعتماده وإقراره". وقد تمّ ذلك في سياق إعادة تقديمها عدد من الاقتراحات (10) كانت قدمتها في الولاية السابقة ولم تناقش، علمًا أنها كانت قدمت الاقتراح نفسه في 28/2/2019. 

وقد شرحت الأسباب الموجة الدافع وراء هذا الاقتراح فأعلنت أن "الدستور اللبناني قد كرس حرية الاعتقاد بصورة مطلقة" مشيرة إلى أن "الديانة اليهودية هي إحدى الديانات السماوية الثلاث ولها أتباع يعتنقونها من المواطنين اللبنانيين". وتضيف الأسباب الموجبة أن "النصوص القانونية اللبنانية قد أطلقت على الطوائف اليهودية تسمية "الطوائف الإسرائيلية"، تأثراً بالقانون الفرنسي" الأمر الذي ينعكس على القوائم الانتخابية "حيث ترد عبارة "إسرائيلي" إلى جانب خانة المواطن اللبناني المنتمي إلى الطوائف اليهودية" وهو ما يؤدي إلى الالتباس بين "الانتماء الديني المشروع والمكفول دستورياً وبين الإنتماء السياسي المعادي إلى الكيان الصهيوني المحتل" وهو ما يقضي إزالة هذا الالتباس من خلال تعديل التسمية الرسمية كي تصبح الطوائف اليهودية.

إن هذا الاقتراح يستدعي الملاحظات التالية:

تسمية الطوائف من الناحية الدستورية

لا يقوم الدستور اللبناني المعمول به اليوم بتعداد الطوائف التاريخية بل يترك هذا الأمر للسلطة التشريعية التي تعترف بهذه الطوائف وتحدد تسميتها وتنظم علاقتها بالدولة عبر قوانين يقرها مجلس النواب. ولا شك أن القرار 60 ل.ر. الصادر عن المفوض السامي الفرنسي سنة 1936 يشكل النص الأبرز في هذا المجال كونه يعدد في ملحقه الطوائف التاريخية التي يضمن لها الدستور احترام نظام أحوالها الشخصية. وبما أن هذا القرار صدر عن المفوض السامي عملا بصلاحياته التشريعية خلال الانتداب الفرنسي فهو يدخل في عداد النصوص التشريعية التي تحتاج من أجل تعديلها إلى قانون، الأمر الذي يشرح لماذا يحتاج تعديل تسمية أي طائفة إلى تدخل مجلس النواب. 

وتشير الأسباب الموجبة إلى أن تسمية "الطائفة الإسرائيلية" هي نتيجة التأثير الفرنسي الذي كان يستخدم هذا التعبير لا سيما في القرن التاسع عشر حين شاع استعماله في النصوص القانونية. وما يؤكد هذا الأمر هو أن "نظام الحاخامخانة" الذي أصدره السلطان العثماني عبد العزيز سنة 1864 يشير في مادته الأولى إلى "الشعب الموسوي" و"الملة الموسوية"، بينما الترجمة الفرنسية للنص ذاته تشير إلى "الأمة الاسرائيلية" (nation Israélite). لكن استخدام تعابير كالملة اليهودية أو الموسوية في السلطنة العثمانية لا يعني بالضرورة أن تسمية الطائفة الإسرائيلية لم يكن يحظى بالقبول وهو أمر لا بد من تحديده من قبل المؤرخين المختصين في هذا المجال ولا يمكن بالتالي للاقتراح أن يكتفي بالقول أن التأثير الفرنسي هو السبب في إطلاق هذه التسمية. 

التسمية جزء من الحريات التي يكفلها الدستور

تنص المادة التاسعة من الدستور اللبناني على أن حرية الاعتقاد مطلقة ومن ثم تعترف بحق المواطنين "على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية" التي يتبعون لها. 

ولا شك أن تسمية الطوائف يدخل في باب الضمانات التي كفلها الدستور للطوائف التاريخية إذ يعود لها أن تختار التسمية التي تريد انطلاقا من عقائدها وتاريخها الخاص شرط أن لا يكون في ذلك إخلال بالنظام العام، إذ لا يعقل أن تكون التمسية الرسمية المكرسة قانونا لطائفة معينة تخالف التسمية التي تعتبر هذه الطائفة أنها الأكثر تعبيرًا عن وجودها. فحرية الاعتقاد تشتمل على حرية ممارسة الشعائر الدينية بشكل علني، ولا يمكن احترام هذه الحرية إلا إذا كان الطائفة تستطيع أن تعبر عن ذاتها علنا وفقا للتسمية التي تعتقد أنها الأنسب لها.

وقد سبق لمجلس النواب أن عمد أكثر من مرة إلى تعديل تسمية الطوائف الرسمية عندما أقر مثلا قانون تحديد صلاحيات المراجع المذهبية للطوائف المسيحية والطائفة الإسرائيلية سنة 1951 إذ يتبين من تقرير لجنة الإدارة والعدل أنه تم استبدال عبارة "الطائفة البروتستانتية" بعبارة "الطائفة الإنجيلية" بناء على طلب ممثل الطائفة الانجيلية لأن "هذه التسمية هي التي تطلق على جميع المذاهب البروتستانتية في لبنان".

وقد تكرر هذا الأمر بموجب القانون الصادر في 21 كانون الأول 1968 الذي نص على التالي: "يصحح اسم الطائفة «البطريركية الأشورية الكلدانية» (النسطورية) الواردة في الملحق رقم 1 للقرار 60 تاريخ 13 آذار سنة 1936، واسم الطائفة «الطائفة الأشورية الكلدانية النسطورية» الوارد في المادة الأولى من قانون 2 نيسان 1951 ويستبدل باسم «الطائفة الشرقية النسطورية». وقد شرحت الأسباب الموجبة لهذا القانون الغاية منه فأعلنت أن تسمية الطائفة "الأشورية الكلدانية" بهذا الشكل "خاطئة لأنها تشمل الطائفتين الكلدانية والنسطورية (...) وبما أن الطائفة الكلدانية مستقلة تماماً عن الطائفة النسطورية التي هي بالنسبة للطائفة الكلدانية كطائفة الروم الأرثوذكس بالنسبة للروم الكاثوليك كان لا بد من اعتماد تسمية "الطائفة الشرقية النسطورية" كون "هذه التسمية تنطبق على التسمية الحقيقية لهذه الطائفة المعروفة دولياً". 

لكن حتى هذه التسمية جرى تعديلها لاحقا بموجب القانون الصادر في 16 حزيران 1994 وفقا للتالي: "يصحح اسم "الطائفة الشرقية النسطورية" الوارد في الملحق عدد 1 من القرار رقم 60 تاريخ 13/03/1936 وفي المادة الأولى من قانون 2 نيسان 1951 والمصحح بموجب قانون 21 كانون الأول 1962، ويستبدل باسم "الطائفة الشرقية الأشورية الأرثوذكسية". وقد ذكرت الأسباب الموجبة هذه المرة صراحة أن هذا التعديل جاء بعد أن "تقدم سيادة مطران الطائفة الشرقية الأشورية الأرثوذكسية في لبنان بكتاب يعرض فيه أن طائفته وردت في قانون 02/04/1951 تحت اسم "الطائفة الشرقية النسطورية" وأن طائفته تعرف اليوم في لبنان وسائر أقطار العالم باسم "الطائفة الشرقية الأشورية" وأنه لا توجد اليوم في العالم طائفة تعرف باسم "الطائفة النسطورية". 

وهكذا يتبين أن تسمية الطوائف تعتبر جزءا أساسيا من الضمانات التي يقرّها الدستور ووسيلة تعبر من خلالها هذه الأخيرة بحرية عن هويتها ومعتقداتها الدينية. وعلى الرغم من أهمية الهدف الذي يريد الاقتراح تحقيقه، أي التمييز بين الطائفة اليهودية التي تعتبر جزءا من النسيج الاجتماعي للمشرق العربي منذ قرون طويلة، والدولة الإسرائيلية القائمة على إيديولوجيا عنصرية وهي وليدة صعود النزعة القومية في القرن التاسع عشر، لكن لا يتبين أن طلب تعديل التسمية صدر عن السلطات الرسمية للطائفة اليهودية والمعترف بها من قبل الدولة اللبناني.

هذا وقد اعتبر المجلس الدستوري أن استقلالية الطوائف تشمل الشؤون الدينية وما يرتبط بها، بينما الأمور الإدارية المتعلقة بالتنظيم الذاتي للطوائف تخضع لمجلس النواب "صاحب الصلاحية المطلقة والأصلية في التشريع (...) شرط ضمان ممارسة الحريات والشعائر الدينية" (قرار رقم 22 تاريخ 19/8/2019)، ما يعني أن تسمية الطائفة لا يمكن أن تكون مجرد مسألة إدارية بل هي تدخل في الشؤون الدينية لأن من خلالها يتم التعبير عن الانتماء الديني للطائفة.

ولا شك أن الواقع السياسي منذ إنشاء دولة إسرائيل قد أدى عمليا إلى تراجع حضور الطائفة اليهودية في المشهد العام في لبنان ممّا قد يبرر إقدام النائبة يعقوبيان على التقدم بمثل هكذا اقتراح. إلا أن ذلك لا ينفي أن تعديل اسم طائفة ما من دون إثبات موافقة أعضائها بأي طريقة من الطرق (مثلا عريضة وازنة من اللبنانيين المنتمين إلى الطائفة المعنية) يطرح إشكاليات تتعلق باحترام الحريات الدينية ونظام الأحوال الشخصية المكرس في المادة التاسعة من الدستور.