اقتراح خدمة الوطن: الغموض التشريعي لا يخدم الوطن

نيقولا غصن

16/10/2025

انشر المقال

تقدم النائب أديب عبد المسيح في الثالث من أيلول 2025 باقتراح قانون يحمل عنوان "خدمة الوطن" يرمي من خلاله إلى إنشاء "خدمة طوعيّة يؤدّيها اختياريًّا ومن دون أيّ بدل مادي مواطنون مقيمون ومغتربون في مجالات الخدمة المدنيّة والإنمائيّة والعسكريّة للمساهمة في تعزيز المواطنة والتضامن الاجتماعي، تقوية القدرات الوطنيّة وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة". 

وينص الاقتراح على أنّ ينشأ لدى "وزارة الدفاع الوطني - قيادة الجيش" ما سمّاه "المجلس الأعلى لخدمة الوطن" و"جهاز خدمة الوطن" على أن يرتبطا "مباشرة بوزير الدفاع الوطني الذي يمارس صلاحياته عليهما من خلال قيادة الجيش وفقًا لقانون الدفاع الوطني وتعديلاته".

بحسب المادة السادسة من الاقتراح، يناط بالمجلس الأعلى لخدمة الوطن "وضع الاستراتيجيات والسياسات للجهاز، ومراجعتها وتطويرها سنويًّا" و"مواكبة تنفيذ الخطط الاستراتيجية للجهاز ومراقبتها" كما "وضع خطط لتأمين الموارد المالية وجميع المستلزمات التي يتطلب تنفيذها" و"تقديم المشورة إلى مدير الجهاز". 

أمّا جهاز خدمة الوطن، فيهتمّ "بإدارة الأصول الخاصة بالجهاز واستثمارها بكفاءة وفعالية ومتابعة الأمور المتعلقة بالموارد البشرية لمديرية خدمة الوطن ومساعدة المدير في إدارة العديد والمتطوعين في الجهاز، وتقديم المشورة فيما يتعلق بالموارد البشريّة والشؤون القانونيّة". ويقوم الجهاز الوطني بإجراء "تقييم سنوي لعمله ولأنشطة المتطوعين، ورفعه بموجب تقرير قيادة الجيش"، كما "متابعة شؤون الأمن والاستعلام والتوجيه والإعلام والعلاقات العامّة في جهاز خدمة الوطن وفي مواقع تنفيذ العمل والنشاطات بالتنسيق مع المعنيين ومع مديرية المخابرات"، وغيرها من المهام. 

 

يضاف أنّ نظام التّطوع يصدر "بموجب مرسوم بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني، يتضمن حقوق المتطوعين وواجباتهم وطريقة إدارتهم طيلة فترة تطوعهم". ويتبيّن من الاقتراح أنّ الفئات المستهدفة هي تلامذة المدارس وطلاب التعليم العالي والشباب المتسرب من النظام التعليمي والمتقاعدين بالإضافة إلى باقي المواطنين في لبنان واللبنانيين المغتربين. كما أنّ مدة الخدمة تحدد بموجب قرار يصدر عن وزير الدفاع بناء على اقتراح قائد الجيش، علي ألّا تقل عن 180 يومًا ولا تتعدى السنة، متواصلة أو على مراحل. 

 

تنطلق الأسباب الموجبة للاقتراح مما تعتبره نجاح قانون خدمة العلم، "حيث تمّ تنشئة جيل من الشباب لناحية شخصيته الوطنية الإنسانية والنظامية… فكان لا بدّ من تطوير القانون القديم عبر وضع تشريع جديد (قانون خدمة الوطن) بمفاهيم جديدة مثل الخدمة الاختيارية من داخل لبنان وخارجه ضمن فترة زمنية متواصلة أو متقطعة وفي القطاعين العام والخاص والذي سيكون اختياريًّا لا إلزاميًّا مما يضفي عليه طابع الحرية في الاختيار للتطوع في خدمة الوطن". 

وتعتبر هذه الأسباب الموجبة أنّ المشاركة في خدمة الوطن ستؤدّي إلى "مضاعفة المسؤولية الوطنية والحسّ الوطني لدى المشاركين فيها الأمر الذي ينعكس إيجابًا على المواطنين كافة وعلى لبنان كما أنّ الآليّة المعتمدة في هذا القانون تعتمد على الكفاءة والعدالة في معاملة المواطنين/المتطوعين، والمساواة بينهم وجعل كل واحد منهم يخدم في اختصاصه". 

وتنتهي الأسباب الموجبة بالإشارة إلى أنّ هذا الاقتراح سيشكّل "السند الأكبر في مساعدة الدولة وإداراتها لجهة سدّ ثغرة الشغور الوظيفي والإداري النابع عن وقف التطوع في الإدارات الرسمية كافة منذ سنوات عدة، ورفد القطاعات الإنتاجية بالطاقات البشريّة" وربطت هذا الاقتراح بمبدأ "المساواة في الحقوق والواجبات لدى المواطنين" الذي نصّ عليه الدستور في مقدمته كما "الإنماء المتوازن ثقافيًّا واجتماعيًا لديهم" ما يحتّم تقديم هذا اقتراح. 

جراء ما تقدّم لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية على الاقتراح : 

إشكاليات اقتراح القانون من حيث الشكل

لقد أرفق النائب عبد المسيح اقتراحه بملحق يتضمن تصوّرًا عامًا لمشروع خدمة الوطن، ينص فيه على سلسلة من المبادئ التي يجب أن ترافق هذه الخدمة. والمستغرب أن هذا الملحق هو عبارة عن دراسة شاملة تشرح الأهداف من خدمة الوطن والصعوبات التي تواجه تنفيذها مع اقتراح الهيكلية التنظيمية لكيفية إدارة هذا الجهاز الجديد. وهكذا يتبين أن هذا الملحق ليس جزءا من اقتراح القانون بل هو عبارة عن دراسة حول إمكانية تنفيذ خدمة الوطن وبالتالي لن يقوم مجلس النواب بالتصويت عليه لا سيما وأن مواد الاقتراح لا تشير إلى هذا الملحق بأي شكل من الأشكال ما يعني أن إقرار القانون لا يعني اقرارًا للملحق الذي أصلا لا يمكن تحويله إلى نص تشريعي بسبب افتقاد العديد من بنوده إلى الصفة الآمرة. 

 

لذلك، وعلى الرغم من أن لا شيء يمنع من التقدم بدراسات ملحقة باقتراحات القوانين من أجل شرحها بشكل مفصل لكن يتوجب الفصل بينها وبين نص القانون بشكل واضح وعدم الإشارة إلى أنها ملحقة بالقانون، كون مجلس النواب لا يصوّت على دراسات بل فقط على موادّ آمرة. 

وتجدر الإشارة إلى الخطأ الموجود في المادة 16 التي تكلّف وزارة الدفاع بإصدار المراسيم التطبيقيّة للقانون فيما الصوّاب هو أنّ رئيس الجمهوريّة هو الذي يصدر هذه المراسيم بناء على اقتراح الوزير المختص.
 

غموض قانوني واحتكار عسكري

تعدد المادة الرابعة من الاقتراح الرئيس والأعضاء العشرة الذين يتألف منهم المجلس الأعلى لخدمة الوطن، إلّا أنّها لا توضح من هي الجهة المكلّفة بتعيين الرئيس وخمسة من الأعضاء. إذ إنّ المادة توضح أنّ "خمسة أعضاء مدنيين يعينون بموجب قرار يصدر عن وزير الدفاع الوطني بناء على اقتراح قائد الجيش". بالإضافة إلى ذلك، من خلال الرجوع إلى المادة الخامسة من الاقتراح يمكن استنتاج أنّ رئيس جهاز خدمة الوطن، الذي هو أيضا أحد الأعضاء في المجلس الأعلى، يتمّ تعيينه بقرار من وزير الدفاع كون المادة المذكورة تنص على أن تأليف جهاز خدمة الوطن يتم بقرار "يصدر عن وزير الدفاع الوطني بناء على اقتراح قائد الجيش". علاوة على ذلك يتبين أنّ أحد أعضاء المجلس هو "مدير التعبئة" الذي يعتبر جزءا من الهيكلية التنظيمية للجيش. يبقى أن رئيس المجلس، وهو لواء ركن عضو المجلس العسكري، وثلاثة أعضاء هم ضابط قائد من مديريّة المخابرات، مستشار للشؤون القانونيّة وضابط قائد من الجيش لا يحدد الاقتراح من هي الجهة المخوّلة بتعيينهم.

وهكذا يتبين أن جميع أعضاء المجلس الأعلى يعينون فعليا بقرار من وزير الدفاع المبني على اقتراح قائد الجيش وهو يضم أربعة أعضاء ينتمون إلى الجيش من بينهم ضابط من مديرية المخابرات وهذا ما يعكس الخلفية الأمنية للاقتراح الذي يجد في المخابرات والعسكر وسيلة فضلى لخدمة الوطن. 

أمّا في خصوص صلاحيات المجلس الأعلى لخدمة الوطن وجهاز خدمة الوطن، فإنّ المادة السادسة تبدو متناقضة إذ تنصّ على أن "تحدّد الصلاحيات والمسؤوليات "للمجلس الأعلى لخدمة الوطن" و"جهاز خدمة الوطن" بموجب مرسوم بناء على إقتراح وزير الدفاع الوطني"، وما تلبث بعد ذلك أن تعدّد ما تسمّيه "المهام" المنوطة بالمجلس الأعلى وعددها أربعة وتلك المناطة بجهاز الخدمة وعددها سبعة. وبالتالي، فإنّ سؤالًا يطرح هنا حول الفرق بين الصلاحيات والمسؤوليات التي يتعيّن تحديدها بمرسوم بناء على اقتراح وزير الدفاع، والمهام  المناطة بكلّ جهاز والتي تعددها المادة بنفسها.

إبهام الاقتراح يحدّ من إمكانيّة تطبيقه

يعتري الاقتراح جوانب مبهمة عدة ستؤدّي في حال إقراره إلى صعوبات في تطبيقه. فالمادة 18 في بندها الثاني تنص على أنّه "تطبق على المتطوعين المقيمين أحكام التغطية الطبيّة والصحيّة المنصوص عنها في برامج التطوع" من دون تحديد طبيعة برامج التطوع. وبالرجوع إلى المادة 8، يوكل الاقتراح مهمّة إعداد برامج التطوع إلى وزارة الدفاع، التي عليها أن تقترح مشروع مرسوم في هذا الشأن، دون أن يشرح الاقتراح مضامين هذا المرسوم. وبالتالي، يكون الاقتراح خاليًا من أي توضيحات بشأن حقوق ومسؤوليّات المتطوّعين، تاركا الأمر إلى استنسابيّة وزارة الدفاع بالكامل.  

بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 14 على أنّ "تحال الخلافات الإداريّة الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون أمام "المجلس الأعلى لخدمة الوطن" وهو أمر مستغرب إذ إنّ المجلس كأنّما يأخذ بذلك صفة قضائيّة في حين أنّ المحكمة الإداريّة في لبنان هي مجلس شورى الدولة ما يطرح تساؤلات حول علاقة المجلس الأعلى بالقضاء الإداري في لبنان، هذا فضلا عن أنّه من غير الواضح ما هي الجهة التي تحيل الخلافات إلى المجلس، وما هي طبيعية هذه الخلافات؟ هل هي قرارات نابعة من الوزارات المشتركة بخدمة الوطن أو من قيادة الجيش ويتمّ الطعن فيها أمام المجلس؟ وما هي أصول عمل هذا المجلس وهل تقبل قراراته الطعن أمام مجلس شورى الدولة؟ كلها اسئلة يفشل الاقتراح في الإجابة عليها ما يجعله غامضا وأحكامه مشوبة بنقص تشريعي واضح.

الخدمة التطوعيّة: البديل الأنسب عن خدمة العلم الإجباريّة؟

ينص الملحق المرفق بالاقتراح أنّ من "أبرز نقاط القوة" في خدمة الوطن "مبدأ التطوع الاختياري" الذي "يلغي كلّ السلبيات التي رافقت تنفيذ خدمة العلم في المراحل السابقة، والتي أدت إلى إلغائها بالرغم من ضرورتها التكوينية للوطن". 

ولا شكّ أنّه يتبيّن في مقارنة سريعة أنّ أغلبيّة التجارب الأوروبيّة ألغت التجنيد الإجباري لعدم ملاءمته مع تطلعات المجتمعات الحديثة، على مثال فرنسا وبلجيكا، وأنشأت في المقابل مشاريع تطوعيّة للفئات العمريّة الشبابيّة، على مثال ألمانيا وإيطاليا وهولندا واللوكسمبورغ وبلجيكا وفرنسا. إلّا أنّه بعد احتلال روسيا للقرم عام 2014 وبعد نشوب الصراع مجددًا بينها وبين أوكرانيا عام 2022، أعادت بعض الدول الأوروبيّة مثل ليتوانيا والسويد التجنيد الإجباري نظرًا للتهديدات المتصاعدة المحيطة بها والآتية من روسيا. 

من هذا المنطلق، يبدو من المفيد مقارنة وضع الدول الأوروبيّة التي أعادت التجنيد الإجباري مع وضع لبنان الذي تحيط به التهديدات الأمنية من كل الجوانب علاوة على قرار الحكومة اللبنانية بنشر الجيش اللبناني في الجنوب من أجل تطبيق اتفاقيّة وقف اتفاق اطلاق النار بعد العدوان الاسرائيلي، وما يتطلبّه ذلك من تجنيد حوالي خمسة عشر ألف جنديًّا إضافيًّا بحسب الأرقام المتداولة وهو هدف صعب تحقيقه في ظلّ الإمكانات الماديّة المتواضعة للجيش اللبناني بسبب الأزمة الاقتصاديّة والماليّة التي يعيشها لبنان. 

 

لذلك، لا بدّ من التفكير في جدوى اقتراح خدمة الوطن، الذي وبالرغم من تضمّن ملحقه فكرة إنشاء "مجموعة الخدمة العسكريّة لتنفيذ البرامج العسكريّة التي تحددها المؤسسات العسكريّة والأمنيّة في حينه"، إلّا أنّه لا يلبّي الحاجة الملحّة في تجنيد العسكر لتنفيذ مهمّة الانتشار في الجنوب، سيّما وأنّها خدمات تطوعيّة أي من دون بدل مادي، وقد يكون هذا الأمر عائقًا أمام هذا التجنيد إذ إنّه يثقل كاهل المؤسسة العسكريّة بهيكليات جديدة قد تكون بغنى عنها الآن في ظل التحديات الأمنية الكبيرة التي يواجهها لبنان. 

 

ولا شكّ أنّ هذا الموضوع يحيل إلى اقتراح آخر تقدّم به النائب حيدر ناصر لإعادة خدمة العلم (بالرغم من الشوائب في هذا الاقتراح التي فصّلها المرصد البرلماني في مقالته) بهدف تلبية حاجات المؤسسة العسكريّة التي تعاني بحسب الاقتراح من نقض العديد وحالات الفراغ، كما للمساهمة في تقوية الحسّ الوطني لدى اللبنانيين من خلال انخراطهم في الجيش انطلاقا من الخطاب السائد الذي يرسم صورة مثالية للمؤسسة العسكرية بوصفها الجهة الوحيدة الكفيلة بتحقيق الوحدة الوطنية والحل المنشود لمشاكل النظام السياسي القائم في لبنان.

 

يبقى أنّ اقتراح عبد المسيح يضيف إلى خدمة العلم عناصر أساسيّة تفتقدها هذه الخدمة، وهي إعطاء دور للبنانيين من جميع الفئات العمريّة وليس فقط المؤهّلين للخدمة العسكريّة، كما الإفساح في المجال لدور أوسع للنساء وإعطاء دور للمغتربين، وتوسيع مفهوم الخدمة ليشمل ليس فقط المجالات العسكريّة بل "الخدمة المدنيّة" و"الخدمة الإنمائيّة". 

 

خدمة مدنيّة تشكل المؤسسات الخاصّة؟

تنص المادة الثانية فقرة 2 من الاقتراح على أنّ هدف خدمة الوطن هو "تحفيز الطاقة الإنتاجية للمواطنين من خلال توجيه الجهود نحو القطاعات العامة والخاصة كافة". ويتبيّن من ملحق الاقتراح أنّه يقوم بإشراك جميع الوزارات والبلديات والإدارة في استقطاب المتطوّعين بالإضافة إلى "المؤسسات والجمعيات غير الرسميّة التي تجيزها القوانين" من أجل أداء فيها "خدمة مدنيّة". ولا شكّ أنّ إشراك الجمعيّات الخاصّة في شبكة الخدمات التطوعيّة التي ينشئها هذا الاقتراح يتقاطع مع التجربتين الفرنسيّة والبلجيكيّة حيث جمعيات خاصة كالصليب الأحمر أو جمعيات الرفق بالحيوان أو دور الحضانة والمدارس الخاصة هي في عداد المؤسسات التي يمكنها أن تطلب المتطوعين عبر منصات التطوع الرسميّة. 

 

إلّا أنّ الاقتراح يكتفي من أجل تحديد المؤسسات المؤهّلة للاستفادة من التطوّع عبر شبكة خدمة الوطن بتلك التي "تجيزها القوانين"، ومن دون تحديد أيّة معايير موضوعية لذلك وهو الأمر الذي قد يزيد من خطورة  الزبائنية كون العديد من تلك الجمعيات والمؤسسات تكون أحيانا واجهة لأحزاب سياسية نافذة تهدف إلى تحقيق مصالح فئوية خاصة بحجة خدمة الوطن بينما الهدف الحقيقي هو خدمة الزعيم السياسي المهيمن على الوطن. 

 

بالتالي، لا بدّ من تحصين الاقتراح بمعايير واضحة تسمح باختيار سليم للجمعيّات المؤهّلة للاستفادة من الخدمات التطوعيّة عبر "خدمة الوطن" بهدف الحفاظ على الأهداف الأساسيّة لهذه المبادرة وهي تقوية الحسّ الوطني وخدمة المجتمع، كي لا يجنح هذا التطوّع إلى تقوية الحسّ الحزبي وخدمة مشاريع خاصّة غير وطنيّة. 

 

في الخلاصة، يتبين أن هذا الاقتراح يعمد إلى تأكيد الاعتقاد الشائع بأن خدمة الوطن لا تتحقق إلا عبر المؤسسة العسكرية أو تحت إشرافها المباشر وكأن تعزيز القواسم المشتركة بين اللبنانيين لا يمكن أن يتم عبر المؤسسات السياسية. ولا شك أن هذه النظرة الأخيرة تنطلق من طبيعة النظام السياسي اللبناني الذي تهيمن عليه الزبائنية والمصالح الفئوية ما أدى إلى ضرب وظيفة المؤسسات الدستورية وإفقادها قدرتها على جعل من العمل السياسي وسيلة من وسائل خدمة الوطن الفعلية. لكن ذلك لا يمنع أن تطوع المواطنين من أجل المساهمة في مشاريع ثقافية وانمائية واجتماعية يشكل أمرا ملحا من أجل تعزيز قيم المواطنة وخلق فضاءات مشتركة بينهم علما أن القانون لن يتمكن وحده من تحقيق هذه الأهداف ليس فقط بسبب طبيعته المبهمة وصياغته التي لا تحترم المعايير القانونية الواضحة، لكن أيضا بسبب هيمنة أحزاب الزعماء على الدولة والمجتمع، إذ قد تتحول كل خدمة للوطن إلى خدمة للزعيم أو مكرمة بينما تشكل الخدمة الحقيقة للوطن تهديدا للنفوذ السياسي لهذا الأخير.