لجنة الإدارة والعدل تراوح مكانها بشأن استقلاليّة القضاء: مقاطعة وزير العدل لاعتبارات شكلية
18/06/2025
عقدت أمس لجنة الإدارة والعدل جلستها الثانية لمناقشة مشروع قانون استقلالية القضاء العدلي. وكما في الجلستين السابقتين للجنة، تناول رئيسها جورج عدوان وزير العدل عادل نصّار بكثير من الغضب، على خلفية أنّهما كانا اتفقا على أن ترسل وزارة العدل ملاحظاتها على اقتراح القانون كما أنجزته لجنة الإدارة والعدل في 2023، إلا أنها عمدت إلى إرسال مشروع قانون بديل عنه. ومؤدى ذلك وفق عدوان أن الحكومة سرقتْ جهود النواب لتتباهى هي بالإصلاح أو لتأخذ هي على حدّ تعبيره ال credit. وقد تترجم هذا الغضب في موقفين صارمين: الأول، إصرار عدوان على حصر نقاشات اللجنة في إمكانية إدخال تعديلات على اقتراحها السابق على أن تتم مقاربة مشروع الحكومة على أنه مجرّد ملاحظات عليه، والثاني، وهو الأخطر، إصرار عدوان على إقصاء وزير العدل عن أيّ نقاش داخل اللجنة، بل رفضه حتى الاستماع إلى أيّ اعتراض من أيّ من أعضاء اللجنة على ذلك. وقد شكّلت المساجلة الحاصلة بينه وبين وزير العدل في برنامج "صار الوقت" الخميس الماضي سببًا إضافيا لتبرير مقاطعة هذا الأخير.
أما من حيث المضمون، فقد شهدنا عودًا على بدء، بحيث عادت اللجنة لتناقش كيفيّة تشكيل مجلس القضاء الأعلى، وتحديدا عدد المنتخبين فيه، والذي كان سبقت مناقشته مرارا وتكرارا في اللجنة نفسها في 2020 و2021 و2023 حسبما تثبته محاضر جلسات اللجنة.
ويهمّ المرصد إبداء الملاحظات الآتية:
أولاً، إخلال النائب عدوان بمبدأ التعاون بين السلطات
إنّ رفض مناقشة مشروع قانون تنظيم القضاء العدلي يشكّل إخلالًا بمبدأ دستوريّ هو مبدأ التّعاون والتّوازن بين السّلطات. وما يفاقم من خطورة هذا الإخلال وفق بيان ائتلاف استقلال القضاء أنّ "مؤدّاه تعطيل إصلاح محوري في خطاب القسم والبيان الوزاري الذي أعطيت الحكومة الثقة على أساسه وإعادة ملفّ الإصلاح القضائي إلى الوراء. فكأنّما لجنة الإدارة والعدل تعمل على إحباط جهود الحكومة في تنفيذ بيانها الوزاري والذي كان مجلس النواب منحَها الثقة على أساسه".
فضلًا عن ذلك، يسجّل أنّ هذا الإخلال يشكّل مخالفة صريحة وواضحة للمادة 35 من النظام الداخلي للمجلس النيابي التي تفرض على اللجان مناقشة مشاريع واقتراحات القوانين المحالة إليها، وفق تاريخ ورودها، على أن يتمّ إنجازها ضمن مهلة الشهر المنصوص عليها في المادة 38 من النظام الداخلي لمجلس النوّاب.
وما يزيد من قابلية موقف عدوان للانتقاد، هو أنه كان رحب في 2 أيار في تغريدة واضحة بمشروع الحكومة متعهدا بإيلاء الأولوية لدراسته، بما يؤكد تأييده للمسار المعتمد من الحكومة، ويتناقض تماما مع موقفه الحالي. وقد جاء حرفيا في التغريدة المذكورة: "نثمن إقرار مجلس الوزراء في جلسة اليوم مشروع قانون استقلالية القضاء … كما نؤكد على أهمية الاقتراح الذي كانت عملت عليه لجنة الإدارة والعدل وأرسلته للهيئة العامة، مجددين استعدادنا للعمل على دراسته فور تسلمه مجددا من الحكومة، فالقضاء المستقل هو الحجر الأساس لأي إصلاح".
ويهمّ المرصد هنا التّذكير أنه كان سجّل موقفا مطابقا منذ قرابة سنة، احتجاجا على مقاطعة وزير العدل السابق هنري خوري أعمال لجنة الإدارة والعدل، على خلفية الانتقادات التي وجهها أحد النواب (فراس حمدان) لأداء المحكمة العسكرية. آنذاك، عطل موقف الوزير هنري نقاشات اللجنة حول المحكمة العسكرية لأكثر من شهرين ويؤمل أن لا يتكرر هذا الأمر في القضية الراهنة.
ثانياً، موقف يتناقض مع روحية منتدى العدالة
تسنّى للمرصد البرلماني والعاملين فيه متابعة مسار هذا الاقترح/ المشروع منذ تقديمه إلى المجلس النيابي في 2018. ولئن لقي اقتراح القانون كما أنجزته لجنة الإدارة والعدل في 2023 انتقادا واسعا من قبل مجمل المعنيّين في المجال القضائيّ، تقرّر إنشاء منتدى العدالة (الذي ضمّ اللجنة النيابية ووزارة العدل والهيئات القضائية ونادي قضاة لبنان ونقابتيْ المحامين وائتلاف استقلال القضاء وكليات الحقوق) لمناقشة المسائل الأكثر إشكالية فيه على ضوء الرأي الاستشاريّ للجنة البندقيّة الأوروبيّة ووضع توصيات يكون لها القوة المعنوية لجميع المشاركين فيه. وبمجرّد إنشاء المنتدى، يكون كلّ من الفرقاء قد غلّب فكرة التشاركيّة وتاليا الإنجاز الوطنيّ المُشترك على فكرة الإنجاز الشخصي والتباهي به.
وإذ أنهى المنتدى مناقشة الاقتراح ووضع توصيات بخصوص المسائل المطروحة، أخذ وزير العدل على عاتقه وبالتوافق مع النائب عدوان، إدخال تعديلاتٍ عليه من وحي هذه التوصيات أو ما قد يراه مناسبا منها. وعليه، وبمعزل عن شكل المقترح (اقتراح أو مشروع)، فإنّ من المسلم به أمران: أولا، أن مشروع القانون أتى استكمالا لاقتراح القانون ولعمل المنتدى، من دون أن يكون لأي من الفرقاء حق الادعاء بأنه إنجاز شخصي. ثانيا، أن مجرّد وجود المنتدى والذي تستمرّ أعماله بشأن مسائل قضائية أخرى، يشكل التزاما باعتماد التشاركية في هذا الخصوص، ممّا بتعارض هنا أيضا مع مقاطعة وزارة العدل.
وما يفاقم من قابلية موقف اللجنة للانتقاد، هو أنها عمدت إلى إعادة مناقشة المسألة من دون النظر إلى مداولات منتدى العدالة الذي لم يدعَ أي من ممثليه أصلًا. وهذا الأمر فتح الباب أمام حفلة من المزايدات والمساومات السياسية والطائفية تحت شعار "إما كل أعضاء المجلس منتخبون وإما لا أحد"، بمعزل عما تقتضيه المعايير الدولية لاستقلال القضاء وما ذهبت إليه التجارب العالمية في هذا الخصوص والأهم ما قرره منتدى العدالة في هذا الخصوص. ويخشى أن تستمر اللجنة على المنوال نفسه الأسبوع المقبل.
ثالثا، شخصنة قرارات اللجنة
أخيرا، يسجّل أن رئيس لجنة الإدارة والعدل لم يخفِ سعيه إلى فرض إرادته على اللجنة، أقله فيما يخص عدد دعوة وزير العدل. فقد علم المرصد أنه أفهم النواب الحاضرين أن موقفه في هذا الشأن نهائي، رافضا حتى الاستماع إلى أيّ من اعتراضاتهم عليه. وهذا الأمر إنما يناقض المادة 31 من نظام مجلس النواب التي تولي حق الدعوة أو عدم الدعوة للجنة وليس لرئيسها.