هل يقرّ لبنان اتفاقية اليونسكو بشأن التعبير الثقافي؟

رنا صاغية

11/08/2025

انشر المقال

أحالت الحكومة في تاريخ 11/6/2025 إلى مجلس النواب للمرة الثانية مشروع قانون [1] يرمي إلى المصادقة على اتفاقية اليونسكو لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي التي أُقرّت بتاريخ 20/10/2005 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 18/3/2007. وكانت حكومة السنيورة أحالت في 2007 مشروع قانون بالمعنى نفسه[1]، إلا أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي رفض آنذاك الاعتراف بصحة الإحالة بحجة صدورها وفقه عن حكومة فاقدة للشرعية (الحكومة البتراء). وهي خطوة مهمة على الصعيدين القانوني والثقافي، فهي تضع الدولة أمام ثلاثة التزامات دولية:

  • اتخاذ جميع التدابير الملائمة لحماية وحفظ أشكال التعبير الثقافي على أراضيها، وتحديد ما إذا كانت ثمة أشكال معرّضة لخطر الاندثار أو تهديد خطير أو تستدعي تدخلا عاجلا.
  • اتخاذ تدابير لتطوير أشكال التعبير وتحديث الصّناعات الثقافيّة والإبداعيّة ودعم أشكال جديدة من الإبداع في البيئة الرقميّة وتعزيز وصول مختلف الفئات إلى وسائل التعبير والإنتاج الإعلامي والثقافي.
  • في المقابل، ومن باب الدليل المعاكس، الامتناع عن فرض قيود غير مبرّرة على التعبير الثقافي والفنّي، إذ تنصّ الاتفاقية على أنه لا يمكن حماية التنوع الثقافي وتعزيزه إلا من خلال احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية مثل حرية التعبير والإعلام والاتصال، وضمان حقوق الأفراد في اختيار أشكال التعبير الثقافي. 

ومن أبرز الالتزامات في مجال الاتفاقيّة[2]:

  • تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، خصوصًا حريّة التعبير وحريّة تكوين الجمعيّات وحقّ الأفراد والمجتمعات في إنتاج وتبادل أشكال التعبير الثقافي وإلغاء الممارسات الرقابية غير المبرّرة سواء على الأعمال السينمائية أو المسرح أو الإعلام أي شكل آخر من أشكال التعبير الثقافي.
  • دمج الثقافة في السياسات والخطط الإنمائية في إطار نهج متكامل وتخصيص جزء من الإنفاق الحكومي لذلك. 
  • إعادة النظر في القوانين المتصلة بالمجال الثقافي لترسيخ البنية الأساسية للحماية والتطوير وتوفير بيئة قانونية ومؤسساتية تدعم الإنتاج والتوزيع والوصول إلى السلع والخدمات الثقافية.
  • بناء قدرة المؤسسات والمنظمات الثقافية على تعزيز البعد الاقتصادي والتجاري للقطاع والاعتراف بالطّابع المزدوج (الثقافي والاقتصادي) للسلع والخدمات الثقافية. 
  • تقديم الدعم المباشر للعاملين في المجال الثقافي، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف والاحتياجات الخاصة بالنساء وسائر الفئات الاجتماعية. 
  • تشجيع مشاركة الشباب وتسهيلها وإعادة النظر في المناهج الدراسية.
  • إشراك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص في صياغة السياسات الثقافية وتطبيقها.
  • تعزيز التعاون بين المهنيين العاملين في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية على الصعيد الوطني والدولي.
  • تعزيز القدرات الاستراتيجية والإدارية للقطاع العام في المؤسسات الثقافية العامة.
  • ضمان وصول كل أفراد المجتمع إلى السلع والخدمات الثقافية وتحقيق التوزيع العادل للموارد الثقافية بين المناطق وفيما بين المدن والأرياف.

وعليه، تحدّد الاتفاقية إطارا دوليا ملزما للحفاظ على التعددية الثقافية وحماية حرية التعبير. كما تشكل ضمانة ضدّ أي تشريعات أو سياسات قد تفرض قيودا تعسفية على المحتوى الثقافي أو الإعلامي أو تمسّ بالتنوع الثقافي أو حرية وسائل الإعلام. ففي ظل مناقشة اقتراح قانون الإعلام، يمكن للاتفاقية أن تشكّل مرجعية أساسية لضمان أنّ أي تنظيم لهذا القطاع لا يهدّد التعددية الإعلامية أو حرية التعبير. كما من شأن الاتفاقية أن تفتح الطريق أمام إعادة النظر في قوانين الرقابة على الأعمال السينمائية والمسرح.  كذلك تفتح المصادقة عليها الباب أمام التعاون مع اليونسكو من أجل تأمين الدعم التقني والتمويل للمشاريع الثقافية والإبداعية.

وبالطبع، لا تنتج الاتفاقية الغاية المرجوة منها ما لم تُستتبع بإجراءات وطنية، من ضمنها الإقرار بالصلة بين الثقافة والتنمية واعتماد نهج متكامل لتصميم وتنفيذ الخطط المتصلة وتعديل الإطار التشريعي والتنظيمي وإعادة النظر في الآليات الرقابية والإدارية التي تشكّل عائقا أمام تحقيق أهدافها.


[1] إحالة مشروع قانون إلى مجلس النواب يرمي إلى الإجازة للحكومة انضمام لبنان إلى اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي في باريس بتاريخ 20/10/2005

[2] المبادئ التوجيهية التنفيذية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة