كامل نتائج جلسة "ما طُلب منّا": تشريع السمّ بالعسل
01/08/2025
عقدت الهيئة العامة للمجلس النيابي جلسة تشريعية في تاريخ 31/7/2025، وذلك لمناقشة 5 بنود على جدول الأعمال، على رأسها مشروعي قانون تنظيم القضاء العدلي وإصلاح أوضاع المصارف.
وقد شهدت الجلسة نقاشات محتدمة في الموضوعيْن الرئيسييْن لها، انتهت إلى إقرارهما مع إدخال تعديلات على صيغهما النهائية وفق تسويات أعدّت مسبقا وخلال الجلسة، مع قمع رئيس المجلس النيابي للنقاش والتصويت في العديد من المحطّات لمنع عرقلة التفاهمات الحاصلة أو التشويش عليها. فعندما افتتح رئيس المجلس نبيه برّي النقاش بالقانونيْن، اختصر المسألة بجملتين حاسمتين: "القضاء والمصارف هنّي آخر مطلبين منّا، ما في طلعات ونزلات بدي خلّصن بهيدي الجلسة"، في إشارة صريحة إلى الرغبة في تمرير الصيغة بأقلّ قدر ممكن من النقاش.
وبالمحصّلة، أقرّ المجلس النيابي 4 مقترحات من أصل 5 على جدول الأعمال وهي تنظيم القضاء العدلي (استقلاليّة القضاء) وإصلاح أوضاع المصارف وتعديل قانون الإيجارات غير السكنية ومنح مديري المدارس الرسمية تعويض إدارة، بالإضافة إلى تصحيح خطأ مادّي في قانون إعفاء المتضررين من العدوان الإسرائيلي من خارج جدول الأعمال، بينما أحيل قانون إتاحة المجال للإعلان عن بعض المستحضرات الطبية إلى لجنة الصحة النيابية.
وكانت الجلسة قد استُهلّت بالوقوف دقيقة صمت عن روح الراحل زياد الرحباني، في سابقة لافتة حيث لم يُسجّل سابقا الوقوف في المجلس النيابي دقيقة صمت عن روح شخصية غير رسمية.
لهذه الغاية، سنقوم بدراسة مجريات الجلسة وبنودها وفق الترتيب الوارد في جدول أعمالها. لكن قبل المضي بذلك، سنخصص بضع فقرات لمناقشة الأجواء التي رافقت الجلسة.
عودة منع الأوراق الواردة؟
خلال الجلسة التشريعية السابقة، تلا النائب أسامة سعد ولأوّل مرّة منذ العام 2019 ورقة واردة، حدّد فيها موقفا سياسيا. وإذ كانت خطوة إعادة الأوراق الواردة إلى المجلس النيابي خطوةً إيجابية، إلّا أنّه يتبيّن أنّ سرعان ما تراجع عنها رئيس المجلس النيابي. فقد أشارت النائبة بولا يعقوبيان إلى أنّ تلاوة الأوراق الواردة لا تحتاج بموجب النظام الداخلي إلى طلب تسجيل مسبق استنادا إلى النظام الداخلي للمجلس، متمنّية إتاحة المجال لتلاوة الأوراق. ويُفهم من ذلك، أنّ رئيس المجلس قد منع تلاوة الأوراق الواردة إلّا لمن قام بتسجيل طلب مسبق، ما يُعدّ حصر مجددا لهذه الإمكانية. وبالمحصّلة، لم تُتلَ أيّ ورقة واردة.
مطالبات متجددة بتعديل آلية اقتراع المغتربين
مجددا، أثار النائب جورج عدوان موضوع اقتراح القانون المعجّل المكرّر المتعلّق بتكريس اقتراع المغتربين في الدوائر التي ينتمون إليها بدل تخصيصهم بستّة مقاعد، مذكّرا أيضا بالعريضة التي تمّ رفعها ومتسائلا عنها وعن مصيرها ومصير الاقتراح ككلّ. وقد ردّ رئيس المجلس النيابي بالقول أنّه تمّت إحالة الاقتراح إلى اللجان المشتركة، إلّا أنّ عدوان نفى ذلك مؤكدا عدم وصوله. وإذ انسحبت كتلة الجمهورية القوية وكتلٌ أخرى من الجلسة التشريعية السابقة تبعًا لعدم طرح الاقتراح على جدول الأعمال، لم تُعد الكرّة هذه المرّة، على نحو يؤشّر مرّة أخرى إلى حجم الارتجال والبراغماتية بمعزل عن أي رؤية استراتيجية، في هذا الخصوص.
وفي السياق نفسه، أشارت النائبة بولا يعقوبيان إلى احالة ارتياب من المماطلة بطرح هذا الاقتراح على الهيئة العامة بصفة معجّل مكرّر، مؤكّدة أنّ ما يزيد من هذا الارتياب هو أنّه منذ إحالة الاقتراح كما قال برّي إلى اللجان الفرعية من اللجان المشتركة، لم تجتمع هذه اللجنة بعد.
وفي سياق التذكير بالاقتراحات، أشار النائب سيمون أبي رميا إلى اقتراح سابق تقدّم به يتعلّق بمنع التمويل عن النازحين السوريين، وأنّ الاقتراح سبق وأن عُلّق بانتظار ورود خطّة الحكومة خلال مهلة شهريْن، إلّا أنّ المهلة انقضت ولم تصل خطّة الحكومة إلى المجلس النيابي. إلّا أنّ أيّ ردّ لم يحصل على كلام أبي رميا.
البند 1: تعديل قانون الإيجارات غير السكنية
أقرّ المجلس النيابي اقتراح القانون المقدّم من النائب جورج عدوان لتعديل قانون الإيجارات غير السكنية.
ومن أبرز التعديلات الواردة في الاقتراح كانت المادة الثالثة التي أعادت هيكلة مدّة التمديد لعقود الإيجارات القديمة وغير السكنية من 5 إلى 8 سنوات، مقسّمة إياها إلى فئات وفقاً لطبيعة العقد وتاريخ توقيعه.
وعند انتهاء هذه المدّة تصبح الإجارة حرّة وخاضعة لإرادة المتعاقدين، على أن يتم رفع البدلات تدريجيّا خلال هذه الفترات حتى تصل إلى قيمة بدل المثل (5% من قيمة المأجور في حالته الحاضرة في ما لو كان خالياً).
وقد تمّت المصادقة خلال الجلسة على السماح للمستأجرين القدامى الملزمين بموجب قوانين أخرى الالتزام بمسافات معيّنة في مؤسساتهم (كالصيادلة ومحطّات الوقود) بالالتزام بنصف هذه المسافات لمرّة وحيدة فقط بعد خروجهم من الإيجار القديم، بناء على اقتراح النائب سليم عون وتأييد العديد من النواب. فقد اعتبر عون في هذا الصدد أنّ خروج المستأجرين من مأجورهم غير السكني واضطرارهم للبحث في أماكن أبعد بسبب الإلزامات القانونية كما حصل تعديل غير واضح يتعلّق بالتخفيضات والمهل والتي أبطلها المجلس الدستوري لعلّة عدم الوضوح. فعندما تحدّث النائب آلان عون عن هذه النقطة مطالبا بالقيام بتعديل، أفاد النائب علي حسن خليل بأنّه تمّت إضافة تعديل في هذا الخصوص من دون أن تُفهم طبيعته.
تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس المجلس النيابي حاول تمرير التصويت برفع الأيدي ومن ثمّ بمناداة شكلية من دون انتظار رأي النواب، إلّا أنّ اعتراض النائبة حليمة القعقور فرض التصويت عليه بالمناداة نائبا نائبا لتنتهي النتيجة بموافقة 65 نائبا ومعارضة 21 (لبنان القوي وبعض التغييريين والمستقلّين) وامتناع 15 نائبا من المستقلّين والتغييريين ونواب منفردين من كتل مختلفة كسليم الصايغ ووليد البعريني.
المناقشات النيابية: التسوية تفرض نفسها
بدأ النقاش مقدّم الاقتراح النائب جورج عدوان، معتبرًا أنّ قانون الإيجارات غير السكنيّة قد أزال الظلم عن المالكين إلّا أنّه يوجد حاجة لزيادة التوازن فيه بين المالكين والمستأجرين، ما دفعه لتقديم هذا الاقتراح. وقد حاول عدوان اختصار النّقاش، مؤكّدًا أنّ الاقتراح قد نوقش في لجنة الإدارة والعدل لإيجاد التوازن، وأنّ أيّ تعديل خلال الجلسة سيؤدّي إلى الإخلال بهذا التوازن، مطالبا إقراره كما ورد. وهو ما أيّده نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب ولاحقا النّائب أشرف بيضون وبلال عبد الله وجورج عقيص الذي أفاد بأنّه يجب تعديل بعض المواد في ما يتعلّق بالصياغة مشيرا إلى أنّه أودع هذه التعديلات لدى أمانة السر، من دون أن يتسنّى لنا معرفة طبيعة هذه التعديلات.
أمّا النائب جميل السيد، فقد اعتبر أنّ القانون قائم على نجاح عملية تقدير القيمة البيعية، مطالبا بإضافة مادة تسمح باللجوء إلى القاضي المنفرد العقاري لتقدير النفقات التي أنفقها المستأجر على المأجور، وهو ما لم يؤخذ به لاحقا.
متحدثا بلسان المستأجرين في طرابلس وخصوصا في الأسواق الشعبية، اعتبر النائب فيصل كرامي أنّ النسب من القيمة البيعية الموضوعة في القانون لغاية دفع الإيجار مرتفعة جدّا، مطالبا بتخفيضها إلى ما بين 3.5% و4%.
وعند شعور الرئيس نبيه برّي بأنّ موجةً من الملاحظات على القانون سيبدأ طرحها، قال صراحة أنّ هذا التعديل هو نتاج تسوية بين الكتل وفي لجنة الإدارة والعدل، متمنّيا إقرار القانون من دون تعديلات. وفي السياق نفسه، تحدّث النائب علي حسن خليل عن استحالة الوصول إلى قانون يرضي الجميع أو مثالي، معتبرا أنّ التعديل الحالي ليس الأفضل إلّا أنّه يجب إقراره. بالمقابل، أشارت لاحقا النائبة بولا يعقوبيان إلى أنّه من البيّن أنّ الاقتراح كان بحاجة لدرس أكثر وهو ما لم يحصل، بل أقرّ في لجنة الإدارة والعدل على عجل، متسائلة عن سبب عدم إحالته إلى الحكومة.
أكمل النائب أسامة سعد النقاش معتبرا أنّ مسألة بدلات الإخلاء غير واضحة في القانون، وهو ما ردّ عليه لاحقا النائب آلان عون معتبرا أنّه تم تحديدها بموجب تحديد الفئات المختلفة. كما طالب سعد بتوضيح مدى تعارض القانون مع قانون التجارة لجهة عنوان المؤسسة التجارية، من دون أن يحصل على التوضيح المطلوب.
النائب جورج عطالله، اعتبر أنّه وعند مناقشة قانون الإيجارات السكنية الاستثنائية سابقا، سُجّل في المحضر أنّ التمديد الذي يقوم به المجلس النيابي هو التمديد الأخير، وذلك لإنهاء حالة الإجحاف الحاصل بحق المالكين. وقد أشار إلى موقف كتلة لبنان القوي بالموافقة على تعديل وحيد دون غيره، وهو تخفيض قيمة بدل المثل من 8% إلى 5%.
أمّا النائب بلال عبد الله، فقد أشار إلى نقطة الأبنية الحكومية مؤكدا أنّ إشكالية كبرى ستطرأ مع بدء انتهاء المهل. وعليه، طالب عبد الله بزيادة مهل الإخلاء للأبنية الحكومية حتّى 10 سنوات، معتبرا أنّ الدولة كانت تسدّد بدلات إيجار مضخّمة سابقا ما استفاد منه الملّاك ويُمكن على أساسه إطالة عمر التمديد.
للاطّلاع على تعليق المرصد البرلماني المفصّل على الاقتراح:
الإيجارات غير السكنية مجددًا أمام الهيئة العامة: اقتراح تعديل قانون عالق أمام المجلس الدستوري
للاطّلاع على اقتراح القانون
اقتراح قانون تعديل الإيجارات غير السكنية
البند 2: إحالة إمكانية الإعلان لدى الصيدليات لبعض المنتجات إلى لجنة الصحة
أُحيل إلى لجنة الصحة النيابية لمزيد من النقاش مع وزارة الصحة، اقتراح قانون مقدّم من النائب أديب عبد المسيح لتعديل الفقرة ب من المادة 37 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة بما يتيح الإعلام والإعلان التجاري عن الأعشاب الطبية وغيرها من المستحضرات والمكمّلات الغذائية والأدوية التي لا تحتاج إلى وصفة طبية، وذلك بعدما كان القانون يحظر الإعلان عنها. ويشترط الاقتراح قبل الإعلان وجوب الاستحصال على موافقة مسبقة من الوكالة الوطنية للدواء عند تشكيلها، على أن تُعطى مؤقتا قبل تشكيل الهيئة من مصلحة الصيدلة في وزارة الصحّة.
وقد شهد التصويت على هذا البند نقاشا مطوّلا لدقائق حول طريقة التصويت عليه، وذلك حول طريقة التصويت بالمناداة (بعد فرضها من قبل النائبات بولا يعقوبيان وسينتيا زرازير وحليمة قعقور)، بين خيارات الموافقة والمعارضة والامتناع والإحالة إلى اللجان وكيفية احتساب جميع هذه الأصوات. وقد، حُسم النقاش بالتصويت برفع الأيدي بالإحالة إلى اللجان بدل المناداة، بما عكس حداثة تجربة المناداة على المجلس النيابي وقلّة خبرة المجلس بإدارة التصويت بهذه الطريقة.
المناقشات النيابية: بين مصلحة شركات الإعلان ووسائل الإعلام وصحّة الناس
بدأ النقاش النائب علي المقداد (طبيب) طالبا سحب الاقتراح، معتبرًا إيّاه مشاركة بالجريمة الحاصلة في العالم. فإذا كان هذا النوع من الإعلانات مسموحًا به عالميّا، فذلك لا يبرر السماح به في لبنان. فقد اعتبر المقداد أنّ إجازة الإعلانات للمتمّمات الغذائية تشكل دعوة لاستهلاكها من المواطنين من دون ضوابط، وهو أمر له تبعات صحّية أكيدة. كما اعترض النائب سامر التوم (طبيب)، من منطلق عدم وجود لائحة محدّثة بالأدوية التي يُمكن بيعها من دون وصفة OTC، مؤكدا على أنّ زيادة استعمال هذه المتممات سيؤدّي إلى مشاكل صحّية. وفي السياق نفسه، اقترح النائب بلال عبد الله (طبيب) إحالة الاقتراح إلى لجنة الصحة لمزيد من النقاش مع الوزارة، وهو ما طلبه أيضا وزير الصحة.
بالمقابل، اعتبر النائب أديب عبد المسيح مقدّم الاقتراح أنّ جميع المحطّات الفضائية العربية والأجنبية التي يصل بثّها إلى لبنان تقوم بهذه الإعلانات ويتلقّاها المستهلك اللبناني أصلا، معتبرا أنّ الاقتراح وسيلة لدرّ الأموال على وسائل الإعلام اللبنانية. وإذ أيد النائب الياس بو صعب الاقتراح، أوضح أنّه عالج في مادّته الثانية موضوع موافقة وزارة الصحة، ما يعني ألّا إعلانات ستُبث خارج هذه الموافقة ولن يكون هناك خطر على الصحّة العامة بل على العكس، سيؤدّي إقرار الاقتراح إلى إدخال أموال إضافية إلى لبنان وزيادة فرص العمل. كما اعتبرت النائبة بولا يعقوبيان بألّا مانع من إقرار الاقتراح طالما أنه يتم الالتزام بضوابط وموافقة وزارة الصحة. إلى ذلك، تمنّى النائب وضّاح الصادق وهو مؤسس لشركات إعلانية، إقرار الاقتراح لما فيه من منفعة مادية.
للاطّلاع على اقتراح القانون:
تعديل الفقرة (ب) من المادة 37 من القانون 367 الصادر في الأول من آب سنة 1994 (مزاولة مهنة الصيدلة)
البند 3: منح مديري المدارس الرسمية تعويض إدارة
أقرّت الهيئة العامة اقتراح قانون مقدّم من 9 نواب يُمنح بموجبه المديرون المعيّنون في المدارس الرسمية وفق الأصول تعويض إدارة قيمته 20% من الراتب ومضاعفاته والتعويضات المؤقتة وتعويضات المثابرة، بعدما كان يحصل على نسبة من أساس الراتب لم تعد تعادل أكثر من 5 دولارات، على أن تسري هذه التعديلات إلى حين إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة.
وإذ صُدّق الاقتراح برفع الأيدي، طالب النائبان فراس حمدان وحليمة القعقور التصويت عليه بالمناداة، إلّا أنّ رئيس المجلس النيابي أشار إلى وجود "أكثرية ساحقة" موافقة ما يستتبع عدم التصويت عليه بالمناداة، في مخالفة واضحة للمادة 36 من الدستور. ويُعيدنا ذلك إلى موقف سابق لنائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب خلال جلسة 24/4/2025 التشريعية، حيث اعتبر حينها أنّه عند عدم وجود اعتراض على الاقتراح (إجماع) يكون التصديق برفع الأيدي. وفي الحالتيْن، يُخالف تفسيريْ برّي وبو صعب قرار المجلس الدستوري 1/2025 الذي اعتبر أنّ "قرار أنّ قاعدة التصويت من خلال المناداة “لا تقبل الاستثناء لورود تعبير دائما في النص الدستوري” ولكونها “تشكّل شرطاً ضرورياً للمراقبة والمحاسبة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية” مما يؤدي إلى “اعتبار التصويت باطلا” في حال إهمال هذه القاعدة ومخالفتها."
المناقشات النيابية:
أجمعت المداخلات النيابية على ضرورة إقرار الاقتراح نظرا لأهمّيته وانعكاسه على المدارس الرسمية، ومن دون أيّ اعتراض يُذكر. إلّا أنّ عددا من النواب أشار إلى وجوب منح الأساتذة مساعدات وتعديل رواتبهم أيضا لا تركهم برواتب ضئيلة، وطالب آخرون بسلسلة رتب وراتب متكاملة لجميع موظفي القطاع العام والانتهاء من التشريع بالمفرّق لأجهزة معيّنة منه.
للاطّلاع على اقتراح القانون:
تعديل بعض أحكام القانون رقم 73 تاريخ 23/9/2009 وتعديلاته (تحديد شروط إعطاء مديري المدارس الرسمية تعويض إدارة)
البند 4: استقلالية القضاء العدلي
أقرّت الهيئة العامة مشروع قانون تنظيم القضاء العدلي، أو ما يُعرف بقانون استقلالية القضاء العدلي. وإذ بدأت رحلة المقترح عن طريق اقتراح قانون أعدّته المفكّرة القانونية وقُدّم إلى المجلس النيابي في العام 2018، فقد شهد تطورات عدة حلال السنوات الماضية، حتّى أتى مشروع القانون الذي وضعته الحكومة في أيار 2025 ليُعيد الزخم إلى القضية. وعليه، طالب ائتلاف استقلال القضاء لجنة الإدارة والعدل بتطوير مشروع الحكومة وملء بعض الثغرات فيه لتمكين القانون العتيد من تحقيق الغاية منه. وبعد شهرين من درسه من قبل هذه اللجنة، سجّل ائتلاف استقلال القضاء تراجعًا من اللجنة في أكثر من مضمار، على نحو زاد من هناته وثغراته وجعله أكثر بعدًا عن تحقيق استقلالية القضاء أو ضمان حسن سير المرفق العام. وقد نشر ائتلاف استقلال القضاء بيانا فنّد فيه الثغرات في المقترح والتعديلات الضرورية.
بعد انتهاء الجلسة، جرت محاولات عدة لمعرفة مضمون النص الذي تمّ اعتماده، لكن اتضح أن هذا الأمر لن يكون متاحا قبل أيام خصوصا مع منع النقاش والاكتفاء بطرح بعض التعديلات من قبل رئيس لجنة الإدارة والعدل خلال الجلسة، بحسب ما نفصّله أدناه.
المناقشات النيابية:
لوحظ دخول وزير العدل عادل نصّار جلسة الهيئة العامة المخصّصة لمناقشة اقتراح قانون تنظيم القضاء العدلي وملامح الانزعاج بادية على وجهه، كأنّه يدرك تمامًا أن ثمة اتجاها لإقرار اقتراح يناقض توجهات مشروع القانون في العديد من المواد الأساسية.
في المقابل، بدا رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان مطمئنًا إلى "التوافق الوطني" والتسويات الطائفية التي حققها، وواثقًا بأن لا معارضة حقيقية للكتل النيابية الكبرى لما وصل إليه.
وبالواقع، لوحظ على هامش مناقشات الجلسة الصباحية، نقاشات جانبية بين عدوان ووزير العدل، انضمّ إليها تارة رئيس الحكومة نواف سلام، وتارة النائب جورج عقيص رئيس اللجنة الفرعية، والنائب علي حسن خليل. وكان هدف هذه النقاشات محاولة تمرير تعديلات اللحظة الأخيرة، في محاولة أخيرة من رئيس الحكومة والوزير لإيجاد توافق بشأن عدد من المسائل.
وعندما افتتح رئيس المجلس نبيه برّي النقاش، اختصر المسألة بجملتين حاسمتين: "القضاء والمصارف هنّي آخر مطلبين منّا، ما في طلعات ونزلات بدي خلّصن بهيدي الجلسة"، في إشارة صريحة إلى الرغبة في تمرير الصيغة بأقلّ قدر ممكن من النقاش.
عدوان استهلّ كلمته بعرض مسار الاقتراح، لكنه سرعان ما عمد إلى تحوير أصل المشروع. فقد تجاهل عمدًا الإشارة إلى أن الاقتراح الأساسي كان تم تقديمه من 9 نواب بالتنسيق مع المفكرة القانونية في 6 أيلول 2018 تحت عنوان "استقلال القضاء العدلي وشفافيته"، مدّعيا أن العمل عليه بدأ في 14 كانون الثاني 2020 ضمن لجنة فرعية. وواصل عرضه لمسار العمل التشريعي طوال السنوات الأخيرة، وصولا إلى تشكيل الحكومة الجديدة. حينذاك، طلب الوزير مهلة شهرين لتقديم ملاحظاته. لكن المفاجأة كانت أنه قدّم مشروع قانون جديد بدلًا من ملاحظات. وإذ تساءل برّي هنا: "مشروع؟؟؟"، ليجيبه عدوان: "أي بدل ما يقدّم ملاحظات، قدّم مشروع".
في نهاية مداخلته، قرر عدوان حسم النقاش، قائلًا إن اللجنة لا يمكن أن تعيد النظر بكل شيء بعد سنوات من العمل، وإن ما تم التوصل إليه هو نتيجة جهد جماعي لا يمكن نقضه كون المجلس النيابي سيّد نفسه. وأضاف بنبرة حادّة: "أوعا أوعا أوعا حدا يقول إنو يلي أقرّتوا لجنة الإدارة والعدل مش كل الأعضاء متفقين عليه. نحنا ما منخضع لا لجرايد ولا لمقالات ولا ل NGOs". وقد بدا من خلال ذلك وكأنه يهاجم من دون تسميتها عددا من المنظمات الحقوقية، ومنها المفكرة القانونية التي انتقدت طوال سنوات المنهجية المعتمدة منه والتي أدّت إلى تأخير الإصلاح القضائي لسنوات، فضلا عن تشويه اقتراحات القوانين المقدمة في هذا الخصوص. وهذا ما بات ثابت في رأيي لجنة البندقية بشأن القضاء العدلي والقضاء الإداري.
بدوره، استهلّ وزير العدل رده بنبرة حادّة قائلاً: "بتأمل ما يكون كلام النائب عدوان موجه إليّ"، مشيرًا إلى أنه لم يُدعَ إلى جلسات اللجنة إلا لاحقًا بعد أن "تكرّم عليه بدعوته". وأضاف أن وزارته كانت تظن أن اللجنة ستناقش مشروع الوزارة وتعدّل عليه، لا العكس. وأكّد وجود اعتراضات على عدد من المواد. وكان المرصد البرلماني قد سجل رفض عدوان دعوة الوزير معتبرا إياها انتهاكا لمبدأ التعاون بين السلطات. كما كان سجل تراجع عدوان عن المقاطعة بعد نشر عدد من المقالات الناقدة لأدائه وبخاصة في المرصد وجريدة الأوريان لو جور.
إذّاك، بدأت مداخلات النواب، ليؤكّد النائب جهاد الصمد رفضه القول بأن اللجنة رفعت تقريرها و"انتهى الأمر". وقد أكّد النائب حسين الحج حسن على ضرورة فتح النقاش و إعطاء الوزير فرصة لإبداء ملاحظاته. بدورهم، دعا النواب فراس حمدان ونجاة عون وملحم خلف إلى ضرورة مناقشة الاقتراح لأهميّته والتصويت عليه مادة مادة، بالأخصّ نظرا للإخفاق الحاصل في الدمج بين المشروع والاقتراح. ومن جهتها، اعترضت النائبة حليمة القعقور على مضمون الاقتراح، الذي فشل بعد 6 سنوات من تحقيق الغاية المرجوّة منه، بالأخصّ كونه مخالفًا لتوصيات لجنة البندقية وللمعايير الدولية لاستقلالية القضاء، داعية إلى مناقشة الاقتراح مادة مادة كون "بعض الأطراف قاموا بتمرير عبارات في بعض المواد تؤمّن لهم السيطرة على القضاء".
وإذّ عمّ جوّ من الفوضى في الجلسة تصدّرته الأحاديث الجانبية بين عدوان ووزير العدل، أشار النائب حسن فضل الله إلى فوضى أخرى شديدة الدلالة قوامها أن جدول الأعمال يضمّ "مشروع قانون تنظيم القضاء العدلي" فيما أمام النواب اقتراح قانون أعدّته اللجنة. وعليه من المستحيل معرفة الصيغة التي تناقش فعليّا. وقد أضاف فضل الله أنّه "إذا الحكومة تقدمت بمشروع قانون، يجب أن يكون هو محور النقاش، لا الاقتراح"، مشددا على ضرورة مناقشة الاقتراح "صفحة صفحة" لوجود ملاحظات على بعض المواد.
بدوره، أكّد النائب حسن عزّالدين أنّ النواب لم يعطوا فرصة لقراءة النصّ الأخير أو الصيغة النهائية في آخر جلسة للجنة الإدارة والعدل.
أمّا النائب جبران باسيل، فقد أعلن أن الاقتراح بصيغته الحالية لا يؤمّن استقلالية القضاء، ويخالف توصيات لجنة البندقية، ويكرّس الهيمنة السياسية على مجلس القضاء الأعلى، ويغيّب الاستقلال المالي، ويؤكّد على الهرميّة في النيابة العامّة التمييزية.
ودفاعا عن الاقتراح، اعتبر النائب جورج عقيص، رئيس اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الادارة والعدل المكلّفة دراسة الاقتراح، أنّ ملاحظات لجنة البندقية غير ملزمة وهي توجيهيّة، وتم الأخذ منها بما يناسب الواقع القضائي والدستوري اللبناني، وخصوصًا المادة 95 من الدستور. وقد أكّد علاوة على ذلك أن المشروع يتضمن إصلاحات فعليّة، أبرزها إرساؤه مبدأ الانتخاب، ونفاذ التشكيلات القضائية. وقد اعتبر عقيص أنّه يتمّ خلق جوّ سلبي ضدّ الاقتراح كما ورد إلى الهيئة العامّة وكأنّ "هذه النسخة شيطان". وإن كان هناك مجال للإصلاح، فهو مع تجويد هذا النصّ بما يحفظ أصول التشريع وعمل اللجنة والتعاون مع وزارة العدل.
أمام هذا المشهد المشتعل، اقترح رئيس الحكومة نواف سلام تأجيل النقاش إلى الجلسة المسائية لإتاحة الفرصة لدمج المشروعين (مشروع وزارة العدل والاقتراح النيابي)، ومحاولة التوصل إلى صيغة توافقية.
وقد علم المرصد البرلماني أنّ النائبة حليمة قعقور قدّمت إلى رئيس الحكومة نواف سلام اقتراحا لتعديل بعض مواد القانون، أُعدّ استنادًا إلى ملاحظات ائتلاف استقلال القضاء، وقد وقّعه أكثر من عشرة نواب.
الجلسة المسائية
في الجلسة المسائية للهيئة العامة، وبعد أن أنهى النواب مناقشة مشروع قانون إصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها مادةً مادة، أعطى رئيس المجلس نبيه برّي الإشارة إيذانًا بفتح ملف القضاء العدلي من جديد، عبر صرخة موجّهة إلى لجنة الإدارة والعدل: "شو طلع معكن؟"
وعليه، أعلن رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان أن اللجنة توصّلت، خلال فترة ما بعد الظهر وبعد نقاشات مع وزير العدل، إلى الاتفاق على تعديل غالبية المواد التي وضعت وزارة العدل ملاحظات عليها، باستثناء نقطتين لم توافق اللجنة على تعديلهما. وأعلن في هذا السياق أنه يقترح التصويت على اقتراح قانون تنظيم القضاء العدلي بمادة وحيدة.
ومن اللافت في هذا المجال الإصرار على التصويت على قانون بهذه الأهمية والخطورة بمادة وحيدة، في مفارقة واضحة مع مقاربة مشروع قانون الإصلاح المصرفي، وهو القانون الذي أصدره المجلس معلّق تنفيذه الى حين إقرار ونشر قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع. ما يؤشر إلى نية واضعيْ الاقتراح تفادي أي نقاش علني قد يُطيح بأي من توجهات النص.
ورغم وضوح رغبة رئيس المجلس بالمضيّ قدمًا، أُعطي الكلام لوزير العدل عادل نصّار، الذي حاول مجددًا الاستفسار عن طبيعة النص الذي سيتم التصويت عليه، متسائلًا: "بحسب ما فهمت صار في دمج بين المشروع والاقتراح صح؟ لأن الصبح قلتولنا مجلس النواب سيّد نفسه، بدنا نتأكّد."
إلا أن الردّ لم يأتِ من رئيس اللجنة بل من النائب علي حسن خليل، الذي كان يتناغم مع عدوان بشكل واضح طوال هذه الجلسة، قائلًا له بسخرية: "خلص حمل وديع أنت على أساس"، ليقاطع برّي البلبلة بسؤاله المعتاد: "موافق ولا مش موافق؟"، فيوافق الوزير.
عندئذ، علت أصوات عدد من النوات وتداخلت، منهم النائبة بوليت يعقوبيان التي اعترضت على غياب الصيغة النهائية للنقاش بعد التعديلات، مؤكّدة أنّ النواب "لا يعرفون أي صيغة تُطرح على التصويت". ولاقاها نائب آخر بالقول إن "رئيس لجنة الإدارة والعدل لا يمثّل الهيئة العامة". كما انضمّت النائبة حليمة القعقور إلى المعترضين، مطالبة بالاطلاع على النص النهائي قبل التصويت.
عندئذ، قطع عدوان النقاش ليقدّم ملخصًا مقتضبًا للتعديلات التي تم الاتفاق عليها مع الوزارة، وجاءت كالتالي بحسب ما تلاها الأخير:
- في المادة 2، المتعلّقة بتأليف مجلس القضاء الأعلى وولايته، استبدلت عبارة "يعين الأعضاء الحكميون، بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، لمدة خمس سنوات، غير قابلة للتجديد أو للتمديد" بعبارة يعيّن الأعضاء الحكميّون بمرسوم في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل، لمدة خمس سنوات من تاريخ تعيينهم غير قابلة للتمديد أو للتجديد ما لم يبلغوا السن القانونية للتقاعد قبل انتهاء مدة ولايتهم"،
- في الفقرة الثانية من المادة 2، والمتعلّقة بالأعضاء المنتخبين، تمّ إضافة عبارة "والمستشارين" بهدف ضمان حق ترشح المستشارين لدى محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف، مقابل حجب هذا الحقّ عنّ "مستشاري الغرف في محاكم الدرجة الأولى"،
- تعديل متعلّق بصلاحية مجلس القضاء الأعلى اختيار القضاة الذين يشاركون في المؤتمرات وورش العمل التي تعقد خارج لبنان،
- تعديل الفقرة الثانية من المادة 13 المتعلّقة بالتقرير السنوي، يحث تصبح الفقرة كما يلي "يمكن للمجلس، إذا ارتأى ذلك مناسباً، أن يدعو، عند وضعه التقرير السنوي، رؤساء المحاكم، والنائب العام التمييزي، ونقابتي المحامين، والجمعيات غير الحكومية المختصة في المجالين الحقوقي والقضائي، وكليات الحقوق في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة، لتقديم ما يرونه مناسباً من ملاحظات أو اقتراحات أو تقارير إليه"،
- إضافة الفقرة التالية إلى المادة 29 المتعلّقة بالصلاحيات العامة للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف:" يقوم الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بدعوة قضاة دائرة المحكمة لاجتماع مرة في السنة على الأقل للتداول بشؤون المحكمة"،
- فيما يخصّ المادة 42 المتعلّقة بصلاحيات النيابة العامّة التمييزية، أعلن النائب جورج عدوان أنّ اللجنة صوتت عليها وقررت إبقاءها، أي أنّها أتاحت للنائب العام التمييزي إضافة إلى صلاحيته بإصدار التعليمات الفردية بتحريك الدعوى العامة وتسييرها، "إصدار تعليمات بكف التعقّبات". وبذلك، يكون عدوان أكّد تمسكه بأخطر تعديل ورد على المشروع الحكومي وعلى مجمل نسخ الاقتراح السابقة بما فيها نسخ الاقتراح الصادرة عن لجنة الإدارة والعدل، وقوامه تمكين النائب العام التمييزي من كف التعقبات في أيّ ملاحقة، على نحو يسهم في شخصنة الحق العامّ وتعميم الإفلات من العقاب، أو على وضع مبدأ الملاحقة تحت سقف الولاء السياسي للنائب العام التمييزي.
- فيما يخصّ المادة 58، المتعلّقة بمباراة الدخول إلى معهد الدروس القضائية، أعلن عدوان إلغاء السنة التحضيرية لدخول المعهد.
- فيما يتعلّق بمبدأ عدم جواز نقل القاضي من دون رضاه، عدّلت اللجنة المادة 77 التي كانت تجرّد هذا المبدأ من مفاعيله من خلال حصر العمل به خارج التشكيلات القضائية، لتنصّ المادة بعد التعديل على عدم جواز نقل القاضي من مركزه خلال 4 سنوات،
- فيما يخصّ المادة 80 المتعلّقة بمعايير اختيار القضاة للترشح إلى المراكز، أعلن النائب جورج عدوان اختصار نصّ المادة دون المسّ بجوهرها، مقابل عدم القبول بتعديل المادة 86 المتعلّقة بإنجاز الملفات. وكانت هذه المادة كرست حق القضاة بالترشح ولكن وضعت شروطا تعجيزية لذلك. ولا يمكن معرفة أهمية التعديل الحاصل قبل الاطلاع على النسخة النهائية.
- استبدال الفقرة 6 من المادة 88، للسماح للقضاة العدليين ب "التعليم في الجامعات والمعاهد العليا المعترف بها، خارج أوقات الدوام الرسمي، بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء وفي حدود ساعات تدريس لا تتجاوز 120 ساعة في السنة"،
- تعديل المادة 113 المتعلّقة بتأليف مجلس إدارة المعهد الدروس القضائية وملاكه، دون أنّ يعرف ماهية التعديل.
ووسط فوضى عارمة افتعلت في المجلس، توقّف النائب عدوان عن استكمال عرضه للتعديلات، ولم يُعرف ما إذا كانت تشمل موادّ أخرى، ومن أهمها المواد المتصلة بالتفتيش والتقييم، وهي مواد احتوت على توجهات جدّ خطيرة. وفي غمرة الضجيج، طرح رئيس المجلس الاقتراح على التصويت ليرفع عدد من النواب أيديهم ويُعلن برّي تصديق الاقتراح بسرعة قصوى من دون توضيح النص النهائي أو إذا ما كان المقترح قد حاز على الأكثرية. بعدها، حصلت مناداة شكلية على عدد محدود من النواب من دون منحهم الحق بإبداء موقفهم، ليصدّق المقترح من دون أن يتضح النص النهائي المعتمد أو عدد الموافقين عليه.
وإذّ حاولت النائبة حليمة القعقور مجددًا الاعتراض والاستيضاح حول النص، قاطعها النائب جورج عقيص عبر إطلاق موجة تصفيق صاخبة، وقد عمد عقيص إلى مضاعفة الضجيج المنبعث من يديه كلما حاولت القعقور رفع صوتها لإسماعه حرصا منها على احترام القواعد الدستورية للتصويت على القوانين. وقد بدا هذا النائب وكأنه يستخدم يديه لقمع أي صوت يعترض على تمرير الاقتراح الذي أراده رئيس كتلته ولو خلافا للحد الأدنى من مبادئ الديمقراطية.
بعد انتهاء الجلسة، جرت محاولات عدة لمعرفة مضمون النص الذي تمّ اعتماده. لكن اتضح أن هذا الأمر لن يكون متاحا قبل أيام. بانتظار ذلك، يبقى الغموض في هذا الشأن قائما. وحدها كلمات "أوعا أوعا" لعدوان و"صدق" لبري والتصفيق الصاخب لعقيص تبقى في الآذان.
للاطّلاع على كامل بيان ائتلاف استقلال القضاء وملاحظاته على المقترح:
بيان ائتلاف استقلال القضاء بشأن القضاء العدليّ: كي لا ينحرف القطار قبل محطته الأخيرة
للاطّلاع على كامل مقترح تنظيم القضاء العدلي كما عدّلته لجنة الإدارة والعدل:
البند 5: إصلاح وضع المصارف بيد الحاكم؟
أقرّت الهيئة العامة للمجلس النيابي مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها، مع إدخال عدد من التعديلات عليها نتناولها تباعا. في هذا الصدد، نشير إلى أنّ عددا من هذه التعديلات لم يكن واضحا. فعند التصويت على المواد من 6 إلى 12، أشارت النائبة بولا يعقوبيان إلى أنّ العديد من التعديلات اقتُرحت في هذا الصدد متسائلة على ماذا تمّ التصويت، ليردّ عليها برّي بعبارة "عدّلنا"، من دون أن يُفهم ما تمّ تعديله.
في جميع الأحوال يبقى على رأس هذه التعديلات ما ورد في المادة الخامسة، بحيث أُضيف عضوان إلى الهيئة الناظرة في أوضاع المصارف ليصبح عددهم 8 وفق الآتي:
1) حاكم مصرف لبنان، 2) النائب الأول لحاكم المصرف، 3) أحد نواب الحاكم الذي يختاره المجلس المركزي، 4) خبير مالي يعينه مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال، 5) خبير اقتصادي يعينه مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الاقتصاد 6) قاض يعينه مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل على أساس قائمة يضعها مجلس القضاء الأعلى، 7) مدير عام وزارة المالية، 8) أحد أعضاء مؤسسة ضمان الودائع من غير المعينين من جمعية المصارف.
وإذ بات نصف أعضاء الهيئة أعضاء في المجلس المركزي لمصرف لبنان، احتفظ وزير المال بحصة الأسد. فإلى جانب المدير العام للمالية والخبير الذي يقترح تعيينه، فإن العضو غير المعيّن من جمعيّة المصارف هو بالواقع عضو معين من قبل وزارة المالية، وفق قانون إنشائها. وإذ اقترح هذه الصيغة النائب الياس بو صعب لتُفرض على التصويت في المجلس النيابيّ، رفض رئيس المجلس بشكل تامّ حتّى مناقشة اقتراحا من النائب فراس حمدان بإشراك رئيس لجنة الرقابة على المصارف في الغرفة ومنحه حقّ التصويت فيها. وتُظهر هذه الممارسة حالة من الهيمنة يمارسها برّي في الجلسة لتمرير ما يراه مناسبا، مقابل إقصاء أيّ اقتراح لا يراه كذلك. إذ أن اقتراح حمدان هو بطبيعته وطريقة تقديمه مطابق تماما لاقتراح بو صعب، إلّا أنّ الفارق أنّ اقتراح بو صعب يرضي برّي لأسباب غير معلومة. يبقى أنّ النائب سيزار أبي خليل نجح في تمرير تعديل مهمّ يطال صلاحيات الهيئة العليا في المادة 16 تشمل فرض استرجاع أموال وأرباح محوّلة إلى الخارج بطريقة غير قانونية أو مخالفة لتعاميم مصرف لبنان أو للحوكمة الجيّدة، لا سيّما الأموال العائدة لرؤساء مجالس إدارة المصارف.
كما تجدر الإشارة وفق ما نبيّنه أدناه أنّ التصويت على القانون جرى مادّة بمادّة برفع الأيدي ولكن من دون أن يرفع النواب أياديهم، فكان رئيس المجلس يصدّق المواد واحدة تلو الأخرى. أمّا المناداة للتصويت على القانون برمّته، فلم تحصل سوى شكليّا حيث لم يُمنح النواب المجال للإفصاح عن مواقفهم. وحدها المادة الخامسة المتعلقة بتأليف الغرفة أخضعها برّي للتصويت بالمناداة بشكل واضح. علمًا أنّ التصويت على المادة بعينها لا يحتاج إلى المناداة بل فقط رفع الأيدي بحسب المادة 81 من النظام الداخلي، إنّما القانون برمّته فيحتاج إلى التصويت بالمناداة كما تنصّ المادة 36 من الدستور.
المناقشات النيابية: طائفية وسيطرة أبدى من الحوكمة
كان النائب إبراهيم كنعان أوّل من تناول الكلام في مشروع قانون إصلاح المصارف بوصفه رئيسا للجنة المال والموازنة. واعتبر كنعان أنّ هذا القانون انتظره المجلس لمدّة ستّ سنوات بينما الانهيار المالي الذي شهده لبنان كان يتطلّب خطوات سريعة. واعتبر أنّ خطط الحكومات السابقة لم تتضمن أيّ ذكر لقانون الانتظام المالي واسترداد الودائع، كما أكّد أنّ القانون الحالي مجتزأ لأنّه لا يتضمّن مسألة توزيع الخسائر التي من المفترض أن ترسل الحكومة مشروع قانون بشأنها والتي بحسب كنعان كان من الممكن أن تقرّ بالتوازي مع مشروع قانون إصلاح المصارف. وأشار كنعان إلى أنّه في اليوم الأوّل من دراستها للمشروع، قامت لجنة المال والموازنة بإصدار توصية في 7 أيار 2025 تطالب الحكومة بضرورة إحالة مشروع الانتظام المالي إلى المجلس النيابي لدرسه بالتوازي مع إصلاح المصارف لكن هذا المشروع لم يصل حتى الآن. والواقع هو أنّ المجتمع الدولي بممثليه كما الحكومة حضروا اجتماعات اللجنة وقالوا أنّه يتوجّب على النواب إعطاء إشارات بأنّه تم البدء بالإصلاحات المطلوبة. لذلك، وبسبب التأخير في إرسال مشروع الانتظام المالي، سيتمّ السير بالمشروع الحالي المطروح على الهيئة العامة مع تعليق نفاذه إلى حين إرسال مشروع الفجوة الماليّة من الحكومة.
وتابع كنعان معتبرًا أنّ المادة 37 من المشروع المطروح، وهي التي تعلّق تنفيذ القانون إلى حين نشر قانون الانتظام المالي، تنطوي على خلل تشريعي لا شكّ فيه. وقال أنّ لجنة المال والموازنة قامت في ما يخصّ إصلاح المصارف بجهد كبير للموازنة بين متطلبات الحكومة وتلك الآتية من صندوق النقد الدولي، إلّا أن للجهات الدوليّة ملاحظات إضافيّة أوصلتها إلى المجلس النيابي. واعتبر كنعان أنّه يجب الموازاة بين المسار الدولي وحقوق المودعين وضرورة إصدار قانون استرداد الودائع، محذّرًا في حديثه النواب من الالتفاف على ذلك أو الطعن بالقانون أو إلغاء مواد أساسيّة منه. وتابع قائلًا أنّ القول أننا نربط أنفسنا بقانون لا نعرف ما هو أساسه صحيح، لذلك نعاود المطالبة بأن يتمّ السير في الوقت نفسه بمسألة إصلاح المصارف والانتظام الماليّ بحيث يتمّ إحالتهما معًا إلى الهيئة العامة، إلّا أنّ الضغط الدولي والمطالبة بأن يقوم لبنان بخطوات عمليّة نحو الإصلاح تقتضي السير بهذا المشروع اليوم.
في نهاية كلامه، أشار كنعان إلى مسألة تكوين الغرفة الثانية كما وردت في مشروع القانون والمنصوص عليها في المادة الخامسة من القانون التي تتضمن بحسب المشروع الحالي "خبير مالي اقتصادي يتم اختياره من لائحة مرشّحين يعدّها تجمع الهيئات الاقتصاديّة"، واعتبر أنّ ذلك لا يلزم المجلس ويجب تحقيق استقلاليّة تامّة بين السلطة المصرفيّة وسلطة المجلس.
بعد ذلك كان الكلام لوزير المال ياسين جابر الذي اعتبر أنّ هذا المشروع مهمّ للدلالة على أنّ لبنان سائر في الموضوع الإصلاحي سيّما أنّ إصلاح المصارف هو ركيزة أساسيّة لنهوض لبنان بنظر الجهات الدوليّة. وأكمل قائلًا أنّ خطرآ يداهم لبنان وهو وضعه على اللائحة السوداء في المسائل المصرفيّة إذا لم يتمّ أخذ الإجراءات الضروريّة في ذلك. وأشار إلى أنّ الحكومة لا تستهدف أحدًا من خلال مشروعها لكن على المصارف أن "تعرف شو بدّها". وفي النهاية، طالب بالسير في النقاش بمواد المشروع وإدخال التعديلات حيث يلزم.
ومن ثمّ، حاول كلّ من النائبين ميشال ضاهر وفراس حمدان إبداء رأيهما حول الموضوع، فقاطعهما رئيس المجلس معتبرًا أنّ كلامهما جاء في أساس المشروع وليس في النظام ما يوجب تأجيلهما.
من ثمّ أعطي الكلام للنائب علي فياض الذي اعتبر أنّه لو كان في لبنان تصنيفٌ للقوانين، لكان هذا القانون عضويًا نظرًا لأهميّته. مضيفًا أنّه كان من الأفضل تعديل قانون النقد والتسليف بشكل كبير لكن الضغط الدولي والحاجات الداخلية دفعانا إلى الهرولة. تابع فياض مشيرًا إلى أنّ تقسيم الغرفة إلي غرفتين في المادة الخامسة كان يجب أن ينسحب على باقي القانون من خلال تعديلات تأخذ بعين الاعتبار هذا التقسيم لكن ذلك بات غير متاح اليوم لما يتطلّبه من عمل طويل في إعادة صياغة النصّ. لذلك دعا فياض إلى الاكتفاء بتسجيل ذلك في المحضر من دون تعديل مشروع القانون. كما شدّد فياض في كلامه على ضرورة أن تتقدم الحكومة بالتزام علنيّ تحدد فيه تاريخ تسليم المجلس مشروع قانون الانتظام المالي.
بعد ذلك، دار نقاش سادته أجواءٌ من الانفعال بين النائبيْن ميشال ضاهر وإبراهيم كنعان. فقد اعتبر ضاهر أنّه لم يتمّ التكلّم عن قيام المصارف بتوزيع أرباح وهميّة وأنّ المودعين سيتضرّرون من المشروع الحالي. فعارضه كنعان قائلًا أنّ هذا الكلام غير صحيح وأنّ على ضاهر مراجعة الجدول الموجود في آخر القانون الذي يبيّن كيف تمّ استثناء المودعين.
وفي مداخلته، أشار النائب ملحم خلف أنّ المشروع الحالي يفتقد إلى عنصر أساسي وهو معالجة الفجوة الماليّة وبالتالي كيف يمكن إقناع المجتمع الدولي أنّ لبنان يقوم بالإصلاحات اللازمة فيما أنّه يصوّت على قانون يعلّق فيه نفاذه إلى حين إقرار قانون آخر.
في نهاية هذا النقاش، بدأ رئيس المجلس بتلاوة موادّ القانون من أجل مناقشتها. فكانت البداية بالتعاريف التي دار حولها نقاش تناول نقاطًا عدّة. فكان اقتراح لوزير الماليّة باستبدال كلمة الجهات بالأشخاص الطبيعيين في تعريف الهيئات العليا فتمّ قبول الاقتراح برفع الأيدي. ثمّ كان النقاش حول مبدأ الغرفتين الذي اعترض عليه عدد من النواب أبرزهم النائبة بولا يعقوبيان التي فضّلت السير بمشروع الحكومة الذي ينصّ على وجود غرفة واحدة. كما حصل نقاش حول تعريف المودع وطبيعة علاقته مع المصارف وطبيعة وديعته والمدى الزمني الذي يتوجب على المصرف أنّ يردّ الوديعة فيها وكيف يتمّ إلزامه في ذلك. إلّا أنّه في نهاية الأمر تمّ التصديق على التعاريف كما وردت في المشروع من دون تعديلها برفع الأيدي.
أمّا في المادة الرابعة من القانون التي تتحدّث عن نطاق تطبيق القانون فتشير إلى المصارف الأجنبيّة وفروعها في لبنان والمصارف اللبنانيّة في الخارج، تمّ إضافة تعبير "والمؤسسات الماليّة الخاضعة لقانون النقد والتسليف" وتمّ التصديق على التعديل برفع الأيدي.
بعد ذلك، انتقل النقاش إلى المادة الخامسة التي تتعلّق بالهيئة المصرفيّة العليا المؤلّفة من غرفتين. هنا طرح وزير المال مجدّدا مسألة الخبير المالي في الغرفة الثانية التي تناولها قبله النائب إبراهيم كنعان وطالب بأن يتمّ تعديل البند كي لا يتمّ اختياره من ضمن لوائح تعدّها الهيئات الاقتصاديّة بل أن يكون مستقلّا عن أيّ جهة حكوميّة أو مصرفيّة. عندها سأل كنعان عن كيفيّة اختياره في هذه الحالة، فتمّ جوابه بأنّ ذلك يتمّ بحسب الآليّة المعتمدة من دون مزيد من التوضيح. وطالب وزير المال أيضًا بأن يمارس ممثل مؤسسة ضمان الودائع مهامه بصفته الشخصيّة إلى حين تعديل النظام الأساسي.
عندها بدأ النقاش حول مسألة وجود النائب الأوّل لحاكم مصرف لبنان في الغرفتين وأخذ النقاش طابعًا طائفيًّا. إذ إنّ الهويّة الطائفيّة لهذا النائب باتت معروفة، خلافا للمادة 95 من الدستور التي تمنع تخصيص أي مركز لأيّ طائفة. وعليه، طالب عددٌ من النواب ألّا يكون النائب الأوّل للحاكم في الغرفتين بل أنّ يتمّ اختيار نائب آخر في الغرفة الثانية. واشتمل هذا النقاش على آراء مختلفة منها الذي طالب بأن يكون اختيار هوية نائب أو نواب الحاكم العضو/ الأعضاء في الغرفتين بيد المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي يكون له الحريّة في تعيين أيّ منهم من دون أن يلزمه القانون بأحدهم، وقد تبنى هذا الرأي نواب القوات اللبنانيّة والنائب وائل أبو فاعور، فيما رأى البعض الآخر أنّ طبيعة الأمور توجب وجود النائب الأوّل لحاكم المصرف المركزي في الغرفتين كونه الأولى في أخذ هذا المنصب بعد الحاكم. وهذا كان رأي النائبين علي فياض وعلي حسن خليل، في استعادة لما كان جرى من نقاش داخل لجنة المال والموازنة، حيث أكّد النائب حسن فضل الله على ضرورة أن يكون هناك عضو في الغرفة محدد الهوية أنه شيعي.
أمّا النائب فراس حمدان فاعتبر أنّ وجود رئيس مؤسسة ضمان الودائع في الغرفة يؤدّي إلى تضارب مصالح ويجب إلغاء وجوده ووجود ممثل عنه. كما اعتبر أنّه يجب استبدال نواب الحاكم بخبراء سيّما أنّ المصرف المركزي موجود في الغرفتين ممثلًا بالحاكم. وقد شاطرته النائبة بولا يعقوبيان الرأي واعتبرت أنّه في حال الإصرار على وجود نواب الحاكم يجب إعطاء الصلاحيّة للمجلس المركزي في اختيار النائب الذي يكون عضوا في الغرفة. في الإطار عينه بادرت النائبة حليمة قعقور إلى تقديم اقتراح إلى رئاسة المجلس يتعلّق بتكوين الغرفة الثانية دون أن يتمّ تلاوته على مسامع النواب ومعرفة مضمونه.
أمّا النائب ألان عون، فتناول بدوره مسألة نائب الحاكم التي اعتبر أنّها يجب أن تراعي التوازنات لتكون قرارات الهيئة مقبولة، رابطًا بهذا فعاليّة القرارات بالتوازنات الطائفيّة في الهيئة. وتابع عون معتبرًا أنّ أهمّ ما في الموضوع ألّا يرتبط أحد أعضاء الهيئة بمصالح تتضارب مع عملهم. كما ردّ على بعض المنتقدين من النوّاب الذين أشاروا إلى عدم وجوب استبعاد حاكم مصرف لبنان عن الهيئة، فاعتبر عون أنّه لا يجب محاكمة الناس الجدد، ملمحا بذلك إلى الحاكم سعَيْد.
وقد دار في هذا الإطار خلاف شديد اللهجة بين النائب فراس حمدان والنائب آلان عون على أساس رفض حمدان الشروط الطائفيّة التي يتمّ تشكيل الهيئة على أساسها فوصف كلام عون بأنّه "منطق مريض" فما كان بعون إلّا أن جاوبه رافضًا هذا التوصيف ومتّهمًا حمدان بأنه هو المريض وبالشعبويّة وأنّه يتكلّم عن رفض الطائفيّة فيما هو مرشّح عن مقعد طائفي في دائرته وأنّ حكومته مشكّلة بحسب المنطق الطائفي. فكان جواب حمدان أنّه مرشّح بحسب مقعد منطقته. وفي السياق نفسه، وعند مناقشة النائبة حليمة قعقور لضرورة تبدية معايير الحوكمة على المعايير الطائفية في اختيار أعضاء الغرفة، عندها بادر النائب وائل أبو فاعور إلى القول أنّ البعض يرغب بحاكم أو أعضاء من طائفة التغييريّين، لتردّ عليه القعقور معتبرة أنّها ترغب بأن تكون طائفته الحوكمة، و"هو أمر لن تنجزوه في حياتكم".
بعد هذه النقاشات، تمّ تأجيل البتّ في المادة الخامسة إلى جلسة بعد الظهر. هنا، سقط بالباراشوت على الهيئة العامة ما طرحه النائب الياس بو صعب وأوردناه أعلاه حول تكوين الغرفة. انتقدت النائبة بولا يعقوبيان بشدّة هذا الطرح معتبرة أنّه يضرب التوازن المؤسساتي ويمنح الحاكم والمجلس المركزي إمكانية التحكّم بالغرفة، وهو ما أشار إليه النائب فراس حمدان أيضا، وتلته النائبة نجاة عون صليبا في الإشارة إليه. بالمقابل، لم يشر أحد إلى هيمنة وزير المالية والفريق السياسي الذي ينتمي إليه. كما طلبت النائبة حليمة القعقور أنّ تكون آلية تعيين الأعضاء مماثلة للآلية التي على أساسها يتم حاليا التعيين في الفئة الأولى في مجلس الوزراء. أمّا النائب فراس حمدان، فاقترح كما ذكرنا أعلاه منح رئيس لجنة الرقابة على المصارف إضافة إلى حق الحضور، الحق في التصويت واحتساب حضوره ضمن النصاب، من دون أن يلقى تجاوبا من رئيس المجلس رغم إصرار حمدان مرارا على ذلك.
بالمقابل، اعتبر النائب آلان عون أنّ مصرف لبنان هو الهيئة الناظمة للقطاع المصرفي ومن الطبيعي أن يتولّى مهام عديدة في هذا الصدد، مشيرا إلى أنّه لا يجب بسبب تصرّفات أشخاص سبق وأن مرّوا على مصرف لبنان أن نحكم على الفريق الحالي فيه بالإعدام. وقد انبرى برّي للدفاع عن النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري مشيرا إلى أنّه تحمّل مسؤولية كبرى في وقت حسّاس جدّا ونجح في مهامه التي قام بها من دون أخطاء، معاتبا النواب حيث اعتبر أنّه كان يتمنّى أن يحصل منصوري على تقدير أوسع. وقد استدعى ذلك ردّا من النائبة حليمة قعقور مؤكدة أنّ التشريع لا يحصل لأشخاص بل لسنوات مقبلة. ومن بين المدافعين عن الصيغة أيضا كان النائب حسن فضل الله الذي اعتبر أنّ لجنة المال باقتراحها (الذي تلاه بو صعب) وفّقت بين المصرف المركزي والحكومة للخروج بصيغة ليست الأفضل ولكنّها وليدة النظام السياسي. ويكون فضل الله بذلك قد أكّد أنّ الصيغة التي انتهت إليها الغرفة تعبّر عن محاولة خلق توازنات طائفية وسياسية من دون إيلاء الأولوية لآليات الحوكمة في اختيارها وعملها. وفي محاولة لكسر النقاش واختصاره، طلب النائب جورج عدوان طرح الموضوع على التصويت، ليصوّت عليه بالمناداة ويخرج بموافقة 58 نائبا ومعارضة 7 وامتناع 14 نائبا.
في موضوع المادة السادسة والمعايير حول تحديد استقلالية العضو وغياب تضارب المصالح، بات على العضو ألّا يكون من المساهمين في المصرف أو المؤسسات المرتبطة به في الخمس سنوات السابقة على تعيينه بدلًا من السنتين كما نصّ المشروع أساسًا. وتجدر الإشارة في هذا الصدد أنّ هذه المادة لم يتمّ التصويت عليها في حينها لغياب النصاب، وتقرر أن يصوّت عليها في الجزء الثاني من الجلسة في فترة ما بعد الظهر إلّا أنّ المجلس عاد وأهمل التصويت عليها بشكل منفرد، إذ قام رئيس المجلس بطرح المواد 6 إلى 12 على التصويت دفعة واحدة. وبالتالي ليس من الواضح إذا ما تمّ الأخذ بهذا التعديل عند التصويت والعبرة في النص الذي سينشر في الجريدة الرسمية.
وفي هذا الإطار، وعند العودة إلى المجلس لاستكمال الجلسة عند الخامسة والنصف مساءً، دار نقاش حول المواد 7 و8 و9 طالبت فيه النائبة حليمة قعقور أن توضّح مسألة الحجز الاحتياطي على أصول رؤساء مجالس إدارات المصارف في المادة 8 كما موضوع التحويلات المخالفة للقانون التي قامت بها المصارف. لكن كان الجواب من النائب ابراهيم كنعان أنّ ذلك موجود في المادة 14 من القانون، إذ إن المادة 8 المطلوب تعديلها تتعلق بإبلاغ ونشر قرارات الهيئة المصرفية العليا وبالتالي فإنّ التعديل في غير محلّه بحسب كنعان.
فيما يخصّ المادة 13 من المشروع، كانت هناك مداخلة لافتة للنائب سيزار أبي خليل فحواها أنّ هذا المشروع يؤدّي إلى تركيز الخسائر على المودعين فيما يتمّ إهمال مسؤولية أصحاب المصارف. وفي إطار الأخذ والردّ بين النواب على كلام أبي خليل، صرح النائب علي حسن خليل بأن التنسيق قائم مع صندوق النقد الدولي موحيا أن الصندوق موافق على النص في الصيغة التي وردت. ويتعارض هذا القول مع ملاحظات للصندوق تسربت صبيحة الجلسة.
فيما يخصّ المادتين 13 و14، طرح النائب حسن فضل الله مدى ملاءمة تخصيص المادتين 13 و14 بنصّ خاص يؤكّد على تعليقهم إلى حين صدور القانون الآخر بالتوازي مع نصّ المادة 37 من المشروع الذي ينصّ على تعليق نفاذه على صدور قانون الانتظام المالي. إلّا أنّه لم يؤخذ بهذا الاقتراح.
أمّا في ما يخصّ المادتين 15 و16، سرد النائب أبي خليل قصّة حصلت معه في ظلّ الأزمة المصرفيّة. إذ حين طالب مصرفه بتحويل مبلغ خمسة وسبعون يورو لدفع اشتراك له في جمعيّة أجنبيّة، طالبه المصرف بإحضار هذا المبلغ نقدًا نظرًا لعدم قدرة المصرف على تحويله من حساباته المجمّدة. وقد قام أبي خليل بإعطاء هذا المبلغ لمصرفه من أجل تحويله، إلّا أنّه علم أنّه في اليوم نفسه، حوّل هذا المصرف مبلغ 65 مليون دولار من حساب أحد العملاء إلى الخارج، مشيرًا إلى أنّ العميل المستفيد من هذه الحوالة هو زميل سابق في مجلس النواب. وفيما قام النواب الحاضرون في الجلسة بمطالبة أبي خليل بتسمية هذا النائب، رفض هذا الأخير الإفصاح عن هويته على الرغم من الحصانة الدستوري التي يتمتّع بها في ما يتعلّق بالأقوال التي يدلي بها المتعلّقة بعمله النيابي.
في المادة عينها، نجح أبي خليل بتمرير تعديل يضيف على صلاحيات الهيئة العليا "فرض استرجاع أموال مسددة و/أو محولة بشكل غير مشروع لأعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة العليا أو كبار المساهمين بصورة مخالفة للقانون أو لتعاميم مصرف لبنان أو لقواعد حسن الحوكمة وذلك عن فترة 10 سنوات سابقة" و"فرض استرجاع أي أرباح محققة من تداول المعلومات الداخلية (Insider trading) بشكل غير قانوني" كما "فرض استرجاع أية أموال تم تحويلها إلى أطراف أخرى بشكل تمييزي أو غير عادل، مما أضر بحقوق مودعين أو دائنين آخرين لم يتمكنوا من إجراء تحويلات مماثلة بعد 17 تشرين".
أمّا المواد 17 إلى 30 فقد صدّقت على عجلة بطريقة رفع الأيدي إلّا أنّ أحدًا من النواب لم يعد يرفع يده وحتّى رئيس المجلس لم يقم باستعمال مطرقته بل اكتفى بإعلان تصديق المادة تلو الأخرى. وبعد نقاشات بسيطة حول المواد 31 إلى 36 تمّ التصديق عليها دون تعديل.
عندها وصل النواب إلى المادة 37 التي تنص على أنّه "ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعلق تنفيذه إلى حين إقرار ونشر قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع". دار نقاش مطوّل بين النواب على هذه المادة حيث اعتبر بعضهم أنّها مخالفة للدستور لاسيما النائب حسن فضل الله الذي قام بطرح تعديل يجدر التوقف عنده لغرابته، إذ اعتبر أنّه لا يجب الاكتفاء بالمادة 37 من القانون التي تعلّق تنفيذ القانون بصدور قانون معالجة الفجوة الماليّة بنصها الحالي بل يجب تفاديًا لإبطالها من قبل المجلس الدستوري في حال الطعن، أن تصبح المادة على الشكل التالي: "يعلّق تنفيذ القانون ونشره في الجريدة الرسميّة إلى حين إقرار قانون معالجة الفجوة الماليّة". ويهدف النائب حسن فضل الله من خلال ذلك إلى منع نشر القانون وبالتالي سريان المهلة التي يمكن من خلالها للنواب أن يقدّموا طعنا فيه أمام المجلس الدستوري. وقد ردّ النائب جورج عقيص على ذلك قائلًا أنّ هذا التعديل يقلّص من صلاحيات رئيس الجمهوريّة في إصدار القوانين ونشرها، كلّ ذلك وسط اعتراض من أكثريّة النوّاب على التعديل. وأثناء هذا النقاش تدخّل النائب جورج عدوان معتبرًا أنّ المادة 37 محميّة من الإبطال مشيرًا إلى القرار رقم 1 الصادر سنة 2018 عن المجلس الدستوري الذي ينص على حريّة المشرّع في تنظيم نفاذ القوانين ودخولها حيّز التنفيذ، علما أن زعم النائب عدوان غير صحيح كون القرار رقم 1 الصادر عن المجلس الدستوري بتاريخ 26 نيسان 2018 ينص فقط على تعليق العمل بالمادة 49 من موازنة العام 2018 ريثما يتم البت بالطعن نهائيا. وفي نهاية النّقاش تمّ التصويت على المادة بطريقة المناداة وذلك بطلب من رئيس المجلس من أجل تأكيد الإجماع أو شبه الإجماع عليها حسب قوله. وبالفعل تمّ التصويت فكان هنالك 11 ممتنعا أغلبهم من التيار الوطني الحرّ واثنان ضدّ هم سليم عون ونجاة عون. وأشار الرئيس برّي في هذا السياق أنّه في جلسة خاصة مع رئيس الحكومة أكّد له هذا الأخير أنّ الحكومة ستقوم بالاجتماع كلّ يوم أربعاء من أجل استكمال مشروع الانتظام المالي وإرساله إلى المجلس في شهر أيلول. فما كان من رئيس الحكومة إلا وأن جاوبه أنّ ذلك يعتبر "obligation de moyen" وليس "obligation de résultat" فوافقه رئيس المجلس وسط ضحك النواب.
للاطّلاع حول تعليق المرصد البرلماني على المشروع:
نحو تكريس هيمنة برّي على هيئة إصلاح المصارف؟
للاطّلاع على مشروع القانون كما عدّلته لجنة المال والموازنة:
إصلاح أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها
من خارج جدول الأعمال: تصحيح خطأ مادّي في قانون التعويضات للمتضررين من الحرب
من خارج جدول الأعمال، طرح رئيس المجلس النيابي ما أسماه اقتراح لتصحيح خطأ مادّي ورد في قانون إعفاء المتضررين من العدوان الإسرائيلي من الضرائب والرسوم. وبموجب التصحيح، باتت تشمل الإعفاءات جميع المكلّفين في الأقضية الحدودية بدل جميع المتضررين. علما أنّ النائب هاني قبيسي حاول أن يُدخل قضاء النبطية ضمن الأقضية المعفية إلّا أنّه لم يفلح بذلك، حيث شرح النائب فراس حمدان بأنّ المعيار للإعفاء الشامل لجميع المكلّفين كان تواجد القضاء على الحدود مباشرة، أمّا في الأقضية الأخرى فيُعفى فيها من تضرّر حصرا.
وقد صدّق رئيس المجلس النيابي هذا التصحيح من دون أي تصويت.