اقتراحان لتشديد عقوبة إطلاق النار في الهواء: هل الحل هو في التشريع؟

غيدة فرنجية

14/05/2025

انشر المقال

في العام 2023، تقدّم النائبان أديب عبد المسيح (مستقل، الكورة) وهاغوب ترزيان (نوّاب الأرمن، بيروت الأولى)، كلّ بمفرده، باقتراحي قانون معجّلين مكررين يرميان إلى تشديد العقوبات المنصوص عليها في القانون رقم 71 الصادر سنة 2016 المتعلّق ب “تجريم إطلاق العيارات الناريّة في الهواء”. ويأتي الاقتراحان المُسجّلان في التاريخ نفسه في مجلس النواب أي في 30 آب 2023 بعد إصابة الطفلة نايا حنا برصاصة طائشة في منطقة الحدت (قضاء بعبدا) ما أدّى إلى دخولها في غيبوبة ومن ثمّ وفاتها، وقد حمل اقتراح النائب أديب عبد المسيح إسمها. 

وكان قانون عام 2016 قد صدر بهدف التشدد تجاه ممارسات إطلاق العيارات النارية في الهواء، فقضى بتجريمها إن حصلت باستخدام سلاح حربي مرخص أو غير مرخص به، وفي أي مكان، وحدد عقوبات مختلفة وفقًا لخطورة الضرر الذي ينتج عن هذا الفعل. زهز يصف الجرم على أنّه جنحة في حال لم يؤد إلى إلحاق أذى بالأشخاص أو أدّى إلى المرض أو التعطيل عن العمل بشكل مؤقت، حيث تترواح عقوبات الحبس بين الستة أشهر و3 سنوات والغرامات بين 8 أضعاف و15 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور. أمّا في حال أدّى إطلاق النار في الهواء إلى الموت أو إلى تعطيل دائم أو عاهة دائمة (قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الاطراف أو الى تعطيل أحدهما أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث تشويه جسيم أو أية عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة)، فيصبح توصيف الجرم من نوع الجناية ويُعاقب عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة تتراوح بين 10 سنوات و15 سنة. وفي جميع الأحوال، ينصّ القانون على مصادرة السلاح ومنع الجاني من الاستحصال على رخصة أسلحة مدى الحياة.

يلتقي اقتراح النائبين على توسيع نطاق الجرم لكي يشمل إطلاق النار من سلاح غير حربي بدلًا من حصره باستخدام السلاح الحربي كما هي الحال حاليًا. كما يلتقيان على تشديد عقوبات الجرم وفقًا لما نعرضه في الجدول أدناه، لكن يعتمد كلّ منهما توّجهًا مختلفًا لهذه المسألة:

  •  يذهب اقتراح ترزيان إلى جعل الجرم من نوع الجناية مهما كانت نتيجته، أي حتّى في حال لم يؤدّ إلى إلحاق الأذى بالأشخاص، بحيث تصبح العقوبة المانعة للحرية تتراوح بين 3 سنوات والأشغال الشاقة المؤبدة، والغرامة بين 10 أضعاف إلى 25 ضعف الحد الأدنى للأجور.
  • أمّا اقتراح عبد المسيح، فبالإضافة إلى الحالة التي يؤدّي فيها إطلاق النار إلى الموت أو إلى تعطيل دائم أو عاهة دائمة (وهي جنايات وفقًا لقانون 2016)، فإنه يصنّف الجرم من نوع الجناية أيضًا في حال تجاوز المرض أو التعطيل مدّة العشرة أيّام، بحيث تصبح العقوبة المانعة للحرية تتراوح بين 3 سنوات والأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن 15 سنة. أمًا أذا لم ينتج أي أذى أو أدّى إلى مرض أو تعطيل لمدّة تقلّ عن 10 أيام، فيبقى الجرم من نوع الجنحة مع تشديد العقوبات لتصبح عقوبة الحبس تتراوح بين سنة و3 سنوات، والغرامة بين 10 إلى 25 ضعف الحد الأدنى للأجور. 

بالإضافة إلى ذلك، يتضمن اقتراح ترزيان منع الجاني من الاستفادة من الأسباب التخفيفية. كما ينصّ اقتراح عبد المسيح على معاقبة كل من الفاعل والشريك والمحرض والمسهل للجرم، وهو ما يشمل وفقًا لنصّ الاقتراح "صاحب مكان إطلاق النار - منظّم المناسبة - مالك السّلاح المستعمل - بائع أو مزوّد الفاعل بالطلقات النارية…"


 

الحالة

عقوبة قانون 2016

التعديل المقترح من عبد المسيح

التعديل المقترح من ترزيان

إطلاق النار في الهواء (من دون أي يؤدي إلى أذى محدد)

-   الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات،

-   الغرامة من 8 إلى 10 أضعاف الحد الأدنى للأجور،

-   مصادرة السلاح ومنع الجاني من الاستحصال على رخصة أسلحة مدى الحياة.

-   الحبس من سنة إلى 3 سنوات،

-   الغرامة من 10 إلى 15 ضعف.

-   الحبس من 3 إلى 7 سنوات،

-   الغرامة من 10 إلى 15 ضعف.

إذا أدى إلى مرض أو تعطيل شخص عن العمل لمدة تقل عن 10 أيام

-   الحبس من 9 أشهر إلى 3 سنوات،

-   الغرامة من 10 إلى 15 ضعف.

-   الحبس من سنتين إلى 3 سنوات،

-   الغرامة من 15 إلى 25 ضعف.

مرض أو تعطيل "لأي مدة مؤقتة":

-  الحبس من 7 إلى 10 سنوات،

- الغرامة من 15 إلى 20 ضعف.

إذا تجاوز المرض أو التعطيل عن العمل 10 أيام

-   الحبس من سنة الى 3 سنوات

-   الغرامة من 10 إلى 15 ضعف.

-   الحبس من 3 إلى 7 سنوات،

-   الغرامة 25 ضعف.

إذا أدى الى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الاطراف أو الى تعطيل أحدهما أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث تشويه جسيم أو أية عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة،

-   الأشغال الشاقة المؤقتة 10 سنوات على الأكثر،

-   الغرامة من 15 إلى 20 ضعف.

-   الأشغال الشاقة المؤقتة 10 سنوات على الأقل،

-   الغرامة من 25 إلى 35 ضعف.

-   الأشغال الشاقة المؤقتة 10 سنوات على الأقل،

-   الغرامة من 20 إلى 25 ضعف.

إذا أدى إلى الموت

-   الأشغال الشاقة المؤقتة لا تقل عن 10 سنوات ولا تتجاوز 15 سنة،

-   الغرامة من 20 الى 25 ضعف.

-   الأشغال الشاقة المؤقتة لا تقل عن 15 سنة،

-   الغرامة من  35 إلى 50 ضعف.

-   الأشغال الشاقة المؤبدة،

-   الغرامة لا تقل عن 25 ضعف.

 

وبالرجوع إلى الأسباب الموجبة لكلا الاقتراحين، يتّضح أنّهما ينطلقان من المأساة الواقعة في المجتمع اللبناني نتيجة إطلاق العيارات الناريّة. وينص اقتراح عبد المسيح على أنّ غاية المشرّع من وراء العقوبات التي يسنّها هي "استقرار المجتمع وحفظ أرواح المواطنين وحماية ممتلكاتهم وتأمين راحتهم وطمأنينتهم، وبالتالي يجب أن تكون هذه العقوبة مغلّظة ومؤثّرة ورادعة" ويبدي رغبته في "إضافة مزيد من الضوابط على النصّ القانوني المجرّم وذلك حرصًا على عدم تكرار هذه الجرائم مستقبلًا". 

 

أمّا النائب ترزيان فيشير إلى أنّ عدم التشدّد في مكافحة مرتكبي إطلاق النار العشوائي “قد شجّع الفاعلين ومطلقي النار على الاستمرار بممارسة فعلتهم الهمجية عند كلّ مناسبة فرح أو حزن، دون حسيب ولا رقيب ودون أيّ رادع قانوني جدّي ودون أيّ مانع أخلاقي”. ويعتبر ترزيان أنّه يجب اعتبار “كلّ اطلاق نار في الهواء لأي سبب كان هو جريمة من نوع الجناية، وحرمان الفاعل من أيّة أسباب تخفيفيّة” مضيفًا أنّ إطلاق النار في الهواء دون مراعاة سلامة الآخرين هو “من قبيل الجرائم المقصودة المنطبقة على أحكام المادة /189/ من قانون العقوبات التي تتناول “القصد الاحتمالي”، أي حالة الفاعل الذي يقدم على فعله غير آبه بالنتائج وبخطورتها”. ويضيف ترزيان أنّه من الواجب “اعتبار فعل إطلاق النار من قبيل الوصف الجنائي”.

يستدعي هذان الاقتراحان الملاحظات التالية:

1- غياب المنهجية العلمية: أي ضرورة لتدخّل المشرّع؟

يذهب الاقتراحان في اتجاه تشديد المقاربة العقابيّة بهدف الحدّ من ممارسة إطلاق النار في الهواء لما تشكّله من تهديد لحياة الناس وسلامتهم الجسدية. وقد برر عبد المسيح موقفه بأن العقوبات المنصوص عليها في قانون عام 2016 “لم تحقق الغاية المرجوة من ورائها لجهة الحدّ من هذه الجرائم والتقليل من ضحاياها وإصاباتها وأضرارها”، مشيرًا إلى عدم “نجاعة العقوبات والتدابير المتخذة في ظلّ القوانين السارية المفعول”، فيما أشار ترزيان إلى أن تزايد حوادث إطلاق النار العشوائي التي تسببت بخسائر كبيرة، يبرّر اعتبار كلّ إطلاق نار في الهواء من نوع الجناية.

إلا أنّ أيّا من الاقتراحين لم يعتمد منهجية علمية لتبرير ضرورة تدخّل المشرّع لتشديد العقوبات. فلم يقدّم أي منهما أيّ أدلة أو معطيات أو إحصائيات موثقة قد تدعم ما ورد في أسبابه الموجبة وتُسهم في تقييم مدى فعالية قانون العام 2016 في الحد من ممارسات إطلاق النار في الهواء. على سبيل المثال، ما هو عدد حوادث إطلاق النار التي تم تسجيلها من قبل القوى الأمنية بعد العام 2016 مقارنة مع قبله؟ وما هي الأضرار التي نتجت عنها وعدد ضحايا هذه الجرائم؟ وما هو عدد الحالات التي تمكنت فيها القوى الأمنية من تحديد هوية مطلقي النار وما هي العقبات التي تواجهها لحسن تطبيق القانون؟ ما هو عدد الأشخاص الذين تمت ملاحقتهم بموجب قانون العام 2016 وكيف تعامل القضاء العسكري مع هذه القضايا كونها تخضع لصلاحيته بناء لقانون الأسلحة والذخائر؟ وما هي العقبات التي يواجهها القضاء العسكري في إطار ملاحقة المرتكبين ومحاكمتهم؟

من شأن هذه المعطيات أن تدعم الاقتراحين بالأدلة وأن تقدّم للمشرّع صورة كاملة عن واقع هذه الممارسات وكيفية التعامل معها بهدف تحديد ما إذا كان هناك ضرورة للتدخل التشريعي في اتجاه تشديد العقوبة أم أنّ المسألة تتعلّق بآليات تطبيق القانون. وفي غياب هذا الأمر، يظهر هذان الاقتراحان وكأنهما ردّة فعل عاطفية على حادثة مقتل الطفل نايا ذهبت في اتجاه المطالبة بالتشدد في النصوص من دون أي تفكير في مدى ضرورتها وفعاليتها أو في الوسائل الأكثر نجاعة في تحقيق الغاية المرجوة.

2- أيّ مفاعيل لتشديد العقوبات على نظام العدالة الجزائية؟

لم يقدّم الاقتراحان أي تصوّر جديد لكيفية مواجهة جريمة إطلاق النار في الهواء، بل حصرا الأمر في تشديد عقوباتها استنادًا لمبدأ العقوبة الرادعة. ولم يتوّقف أي منهما أمام مدى فعالية العقوبات التي تم تشديدها في العام 2016 في تحقيق الردع المطلوب. وقد وصول التشدد إلى حد توصيف هذه الجريمة في اقتراح ترزيان من نوع الجناية مهما نتج عنها من أضرار، ما قد يشكّل توصيفًا غير متناسب مع روحية قانون العقوبات والتي تفرض أن تكون العقوبة متناسبة مع خطورة الجرم. ويسجّل أنّ الاقتراحين قد استخدما عبارة “الحبس” للدلالة على العقوبات المانعة للحرية في قضايا الجنايات خلافًا للقانون الذي يحصرها في قضايا الجنح وينصّ على عقوبة “الاعتقال” في قضايا الجنايات (المواد 37 إلى 40 من قانون العقوبات). 

ووفقًا للمرصد القضائي في “المفكّرة القانونية”، تنظر المحكمة العسكرية في العديد من قضايا إطلاق النار في الهواء في جميع الجلسات التي تعقدها، مما يؤشّر إلى تعدد حالات الملاحقة في هذه الممارسات. وفي الحالات التي لا ينتج عنها أي أذى، غالبًا ما تصدر الأحكام بفرض عقوبة الحبس لمدة شهر على مطلقي النار (وهي عمليًا 20 يومًا) والغرامة، وذلك بعد تخفيف الحدّ الأدنى الذي ينص عليه القانون وهو الحبس لمدة 6 أشهر. كما غالبًا ما تفرض المحكمة مصادرة السلاح أو الإلزام بتسليمه أو دفع بدل عنه، بالإضافة إلى منع المحكوم عليه من الاستحصال على رخصة سلاح لمدى الحياة.

وفي حال تبنّي اقتراح ترزيان بمنع استفادة المحكوم عليه من الأسباب التخفيفية، قد يؤدّي ذلك إلى إلزام المحكمة بفرض العقوبة المانعة للحرية الأدنى في جميع الحالات التي لا ينتج عنها إصابات أو أضرار خطيرة (6 أشهر وفقًا للقانون الحالي، و3 سنوات وفقًا لاقتراح ترزيان)، من دون أن يكون للمحكمة مجال لتقدير ظروف القضية. وعليه، قد يساهم هذا الأمر في تفاقم نسبة الاكتظاظ في السجون وأماكن التوقيف، ما قد ينتج عنه مفاعيل أكثر ضررًا مقارنة مع الهدف الرادع المرجو من هذه العقوبة المشددة.

ولا ينحصر هذا التشدد في رفع نسبة النزلاء في السجون، بل سيؤدّي أيضًا إلى إطالة أمد إجراءات التحقيق والمحاكمة معهم وإثقال عمل القضاء العسكري وكلفة ملاحقة هذه الجرائم، إذ سوف يتوّجب على النيابة العامة العسكرية إحالة قضايا إطلاق النار التي سيتم توصيفها من نوع الجناية إلى قاضي التحقيق العسكري لإجراء المزيد من التحقيقات وإصدار القرار الاتهامي، وذلك بدلًا من الإدعاء مباشرة على المشتبه فيهم أمام المحكمة العسكرية كما هي الحال في قضايا الجنح.

أمّا لجهة اقتراح عبد المسيح بمعاقبة الفاعل والشريك والمحرّض في جريمة إطلاق النار في الهواء، فعدا أنّ القانون يجيز معاقبتهم في جميع الجرائم من دون الحاجة إلى نصّ خاص، يظهر من الأمثلة التي وردت في الاقتراح (صاحب مكان إطلاق النار، منظّم المناسبة، مالك السّلاح المستعمل، بائع أو مزوّد الفاعل بالطلقات النارية…) توّسعًا غير مبرّر في تحميل مسؤولية أفعال مطلق النار لعدد واسع من الأشخاص من دون أن يكون لديهم بالضرورة القدرة لمنعها ومن دون ثبوت الصلة السببية المباشرة بين أفعالهم وارتكاب الجرم. فعلى سبيل المثال، كيف لبائع الطلقات النارية أن يتحمّل مسؤولية ما نتج عن استخدامها من قبل الشاري طالما أنّه تثبت من حمل هذا الأخير لترخيصٍ صالحٍ؟

لذلك، قد تستوجب مواجهة انتشار هذه الممارسات الخطيرة البحث عن حلول أخرى أبعد من المقاربة العقابية تكون أقلّ جزرية وأكثر فعالية، مثل العمل جديًا على مصادرة الأسلحة الفردية غير المرخصة وعلى تكثيف العمل التثقيفي والتوعوي في الإعلام العامّ والخاصّ وفي نطاق البلديات التي تنتشر فيها هذه الممارسات.

خلاصة

يظهر الاقتراحان وكأنهما ردّة فعل انفعالية وعاطفية على حادثة مقتل الطفلة نايا من جرّاء إطلاق النار في الهواء في العام 2023 من دون أن يَستندا إلى أي منهجية علمية ومن دون أي تفكير فيما إذا كان ردع هذه الممارسات الخطيرة يستوجب تعديلاً للقانون أمّ أنّه يرتبط بآليات تنفيذه أو بوجوب اتخاذ إجراءات موازية أو مواكبة للمقاربة العقابية.

كما أنّ الاقتراحين ذهبا في اتجاه تشديد العقوبات من دون البحث في مفاعيل هذا التشدد على نظام العدالة الجزائية وفي مدى توّفر وسائل أخرى قد تكون أكثر فعالية لوضع حدّ لهذه الممارسات، كالعمل التثقيفي والتوعوي.

لذلك، توصي “المفكّرة” بإسقاط صفة العجلة عن هذين الاقتراحين لكي يتم دراستهما في اللجان النيابية بعد إجراء تقييم لمدى فعالية قانون العام 2016 وآليات تطبيقه واستشارة الجهات المعنية بتنفيذه.