نحو تكريس هيمنة برّي على هيئة إصلاح المصارف؟

المرصد البرلماني

30/07/2025

انشر المقال

إلى جانب قانون استقلالية القضاء، تنظر غدا الهيئة العامة لمجلس النواب في مشروع قانون الحكومة المتعلّق بإصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها. ومنذ بدء مناقشته في مجلس النواب، برزتْ مؤشّرات مُقلقة على أن طريق إقراره لن تكون معبّدة، وأنّه سيواجه كما العديد من الخطوات الإصلاحية، ممانعةً من قبل قوى وازنة، يخشى أن تنجح في الإطاحة به أو تفريغه من جوهره أو فعاليته، وبخاصة لجهة فعالية أو استقلالية الهيئة المصرفية العليا التي ينتظر أن تنظر في أوضاع المصارف المتعثرة. ومن أوّل هذه المؤشرات المقلقة، إعلان حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، المُعيّن من الحكومة نفسها، عن دراسةٍ غير موقّعة حول مشروع القانون تحت عنوان: "دراسة قانونيّة حول استقلالية مصرف لبنان وضرورة المحافظة على تجانس التشريع المصرفي"، ومؤدّاها وجوب التسليم أن الحاكم هو الشخص المحوري الذي يختزل بشخصه استقلالية مصرف لبنان والذي يجدر أن تدور مجمل الهيئات العاملة داخله في فلكه وأن لا تعدو كونها أذرعا له، بمنأى عن أي ضوابط أو توازنات. 

وعليه، نجح الحاكم في استبعاد رئيس لجنة الرقابة على المصارف، بحجة أن عضويته تؤدّي إلى خلق منافس للحاكم داخل مصرف لبنان. كما نجح في استبعاد ثلاثة خبراء كان يفترض أن يعينوا من الحكومة بناء على اقتراحات ثلاثة من وزرائها، بحجة أن من شأن تعيين هؤلاء أن يمس استقلالية الهيئة وتاليا مصرف لبنان. 

وعليه، أدخلت لجنة المال والموازنة تعديلات عدة على مشروع القانون، سنناقشُها أدناه في سياق عرضها. وأهمها الآتية:

1- إنشاء غرفتين داخل الهيئة المصرفية العليا بدلا عن الغرفة الحالية. وقد تمّ تبرير ذلك أن ثمة حاجة في التمييز في كيفية تكوين الغرفة الناظرة في مخالفات المصارف في الظروف العادية وكيفية تكوين الغرفة التي ستتولى النظر في أوضاع المصارف المتعثرة. 

2- أجرت لجنة المال والموازنة تعديلات واسعة على كيفية تشكيل هذه الهيئة، بالنسبة إلى ما كان تضمنه مشروع القانون. فقد تم استبعاد رئيسة لجنة الرقابة على المصارف بناء على إصرار الحاكم ومنعا لخلق منافسة له داخل هيئات مصرف لبنان. كما استبعدت ثلاثة خبراء كان يفترض أن يتم تعيينهم من قبل الحكومة في الهيئة. وبعد نقاشات مطوّلة، رست اللجنة على تعيين أعضاء الهيئة على النحو الآتي: الحاكم ونائبه الأول، عضوان يتم تعيينهما بناء على اقتراح وزير المالية من ضمن قائمتين ترفعان إليه أولهما تشمل أسماء قضاة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى وثانيهما تشمل أسماء خبراء ترشحهم "الهيئات الاقتصادية"، يضاف إلى ذلك المدير العام لوزارة المالية وممثل عن المؤسسة الوطنية للودائع على أن يكون من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة الذين لا يمثلون المصارف التجارية. 

وعليه، نلحظ أن وزارة المالية تحوز حصة الأسد في هذه التركيبة أي أربعة من أصل ستة. فبالإضافة إلى كون مديرها العام عضوا حكميا في الهيئة، فهي التي تحسم اسم القاضي والخبير من ضمن القوائم المقدمة إليها. أما العضو الرابع الذي تتحكم في تعيينه فهو أحد أعضاء مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للودائع: فبالتدقيق في قانون تصديق النظام الأساسي للمؤسسة الوطنية لضمان الودائع (1968)، يتبين بوضوح كلي أن مجمل الأعضاء الذين لا يمثلون المصارف إنما هم أعضاء يعينون بناء على اقتراح وزير الماليّة. وما يزيد من قابلية للانتقاد هو أن الخبير يعين من ضمن أسماء ترفعها الهيئات الاقتصادية. فعدا عن أن هذه الهيئات لا تتمتع بالصفة الرسمية العامة ولا يصح تاليا الإحالة إليها، فإنه من البين أنها تضمّ جمعية المصارف مما يولد تناقضا جسيما للمصالح داخل الهيئة. 

وإذا نظرنا إلى العضوية من المنظار السياسي، فإنه يتبين أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيكون له هامش واسع في التحكم في تعيين خمسة من أعضاء الهيئة الستة، بالنظر إلى تمتعه بولاء وزير المالية والنائب الأول للحاكم. وبالنتيجة، يرجّح أن تتقيد الهيئة في عملها بالسقف السياسي الذي سيفرضه الرئيس بري.

أمام فداحة التلاعب الحاصل في تشكيل الهيئة، يؤمل أن تركز النقاشات على تغيير تشكيل الهيئة على نحو يعزز الثقة العامة في قدرتها على ممارسة عملها بحياديّة واستقلاليّة.