اقتراح لتفعيل دور المرأة في البلديات: إيجابيات محدودة وتأثير هامشي
30/07/2025
تقدّم النائب مارك ضو بتاريخ 19 حزيران 2025 باقتراح قانون يرمي إلى تعديل المادة 28 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 الصادر سنة 1977 المعروف بقانون البلديات. تنص هذه المادة بصيغتها الحاليّة أنّه "لا يجوز في البلديّة الواحدة أن يكون الأب وأحد الأولاد، والأم وأحد الأولاد، والزوج والزوجة، والحمو وزوج الابنة، أو زوجة الابن، والحماة وزوجة الابن، أو زوج الابنة، والإخوة والأخوات، والعم وابن الأخ، والخال وابن الأخت، وزوج الأخت، وزوج الأخ، على اختلافهم، أعضاء المجلس البلدي الواحد." وتنص المادة أيضًا أنّه "إذا انتخب إثنان من الأقارب والأنسباء المار ذكرهم ولم يستقل أحدهما، فعلى القائمقام أن يقيل أحدثهما سنًا، وإذا تعادلا في السنّ فيقال أحدهما بالقرعة في أول اجتماع يعقده المجلس البلدي."
يهدف الاقتراح إلى استبدال الإجراءات التي ينص عليها القانون والتي تنظم إقالة أحد الأعضاء المار ذكرهم بإجراءات جديدة من شأنها تعزيز المساواة بين الجنسين في المجلس البلدي بحيث ينص التعديل على أنّه "إذا انتخب اثنان من الأقارب والأنسباء السابق ذكرهم ولم يستقل أحدهما، وفي حال اختلاف جنس الفائزين، وكان عدد الذكور أكثر عددًا من النساء، عندها يعلن فوز المرأة. أما في الحالة المعاكسة، أي في الحالة التي يكون عدد الإناث أكثر من عدد الذكور، فعندها يعلن فوز الرجل. وفي حال كان الفائزان من نفس الجنس، فيقال أحدهما بالقرعة في أول اجتماع يعقده المجلس البلدي."
تشير الأسباب الموجبة إلى أنّ نسبة النساء في المجالس البلديّة في لبنان هي 5.46٪ من مجمل عدد أعضاء المجالس البلديّة مجتمعين، دون أن تحدد مصدر هذا الرقم، كما تشير إلى أنّه من الأدنى إقليميًّا وعالميًّا. كما تذكّر الأسباب الموجبة أنّ لبنان ملتزم بموجب الدستور بمواثيق الأمم المتحدة وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأنّه قد أبرم الاتفاقية الدوليّة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة وهي اتفاقيّة "دعت الدول لاتخاذ تدابير خاصة ومؤقتة تستهدف التعجيل في المساواة الفعليّة بين الرجل والمرأة"، كما أنّ اللجنة الدوليّة للقضاء على التمييز ضد المرأة واظبت على حثّ لبنان على "اتخاذ التدابير الكفيلة المعجلة لزيادة تمثيل النساء في المجالس الانتخابيّة". ولفتت الأسباب الموجبة إلى قرار مجلس الأمن رقم 1324 الصادر سنة 2000 والقرارات التالية ذات الصلة "التي شددت على أهميّة مساهمة المرأة والشباب المتكافئة ومشاركتهم الكاملة في جميع الجهود الرامية إلى حفظ الأمن والسلام وتعزيزهما، وعلى ضرورة زيادة دورهم في صنع القرار المتعلق بمنع الصراعات وحلها، وبإحلال الوفاق والسلام الوطنيين" وأنّ لبنان شارك في وضع خطة التنمية المستدامة 2030 وذلك سنة 2015، والتي أعادت التأكيد على المشاركة السياسيّة للمرأة والشباب.
بالإضافة إلى ذلك، تناولت الأسباب الموجبة توصيات مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي التي تحمل الرقم 122 الصادرة في سنة 2010 لا سيما البند السابع منها والتي حثت "البرلمانات ومنظمات الشباب وغيرها من أصحاب المصلحة المعنيين إلي تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق التمثيل والمشاركة المناسبين للشباب في هيئات صنع القرار"، والبندين 15 و17 اللذين يحثّ فيهما الاتحاد الدولي "الدول والبرلمانات والبرلمانيين والأحزاب السياسيّة ومنظمات الشباب على تشجيع زيادة مشاركة الفتيات والشباب"، كما ذكّرت الأسباب الموجبة بخطة العمل سياسة الشباب الوطنيّة 2022-2024 التي وضعتها وزارة الشباب والرياضة وأقرتها الحكومة اللبنانية والتي وضعت الاندماج والمشاركة السياسيّة ضمن أولوياتها الخمس لا سيما "إشراك الشباب وخاصة النساء في اتخاذ القرارات وصنع السياسات على مستوى السلطات والوزارات المحلية"، واعتبرت الأسباب الموجبة أنّ "المشاركة الفاعلة للنساء والشباب لن تتحقق ما لم تتدخل إرادة المشرّع لإحقاق الحق وتأمين العدالة بين المواطنين والمواطنات، ولضمان الشروط التي تسمح بالمشاركة الفاعلة للمرأة والشباب في المنافسة الانتخابيّة بعيدًا عن تكريس الأبويّة والتمييز".
جراء ما تقدّم، لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية حول الاقتراح :
إنجاز محدود بأسباب موجبة فضفاضة
يهدف الاقتراح إلى تعزيز مشاركة المرأة في المجالس البلدية لكنه يتسم بالحقيقة بمحدوديته نظرا لنتائجه المتواضعة بالنسبة إلى حجم الجهود التي يجب أن تبذل من أجل تفعيل مشاركة المرأة في المجالس البلديّة لا سيّما تمكينها من تولي رئاسة البلدية. وفيما هذه الجهود يجب أن تبذل من أجل تغيير بنيويّ في طريقة الترشح على المناصب في البلديّة وكيفية توزيع مقاعد المجالس بين الرجال والنساء وإمكانيّة إحداث كوتا نسائيّة، يأتي هذا الاقتراح ليشكّل تعديلًا هامشيًا لا يؤثّر بشكل كبير على كيفيّة الفوز بالمقاعد البلديّة.
كذلك لا بدّ من التساؤل عن سبب عدم تضمين هذا الاقتراح دراسة بالأرقام حول عدد البلديّات التي فاز فيها أعضاء من العائلة نفسها الذين يشملهم التمانع الذي نصّ عليه القانون، وبالتالي في حال إعمال الآليّة التي يطرحها الاقتراح، كم كان ليكون عدد النساء اللواتي سيفزْن في عضويّة المجلس بفضل هذه الآليّة. إذ أنّ غياب الأرقام الدقيقة في هذا الموضوع يمنع قياس مدى فعاليّة هذا الاقتراح، وبالتالي يحدّ جدّا من جدواه وغايته المعلنة حول المشاركة الفاعلة للنساء.
وهكذا يتبين أن الاقتراح يريد تعزيز مشاركة المرأة لكنه يربط ذلك بظروف لا يمكن توقعها ويستحدث آلية لا يمكن تطبيقها إلا بعد معرفة من فاز بالانتخابات، ما يعني أن الحق الجديد الذي يريد القانون تكريسه هو هش ومرتبط بالكامل بأحداث خارجة عن إرادة المرأة ويفترض أن لا تحصل إلا في حالات محدودة. فتعزيز مشاركة المرأة يكون أساسا في الترشح وضمان حصولها على عدد معين من المقاعد البلدية وليس في مثل هذه الأحكام الجزئية التي ستفقد كل جدواها بمجرد إقرار قوانين تكرس الكوتا النسائية.
جراء ما تقدّم، إنّ استدعاء هذا الكمّ الكبير من القرارات الدوليّة والمعاهدات والتوصيات التي تتحدث عن تفعيل دور المرأة إلى جانب دور الشباب يبدو متناقضًا مع محدودية هذا الاقتراح وهامشية الحق الذي يريد تكريسه.
طغيان المنطق العائلي على حقوق المرأة
إنّ الآليّة التي ينصّ عليها الاقتراح تسمح للجهات المتنافسة من توقع هوية المرشح الفائز الذي سيتمّ حرمانه من مقعده البلدي، حيث أنّه بالنظر إلى أنّ أكثريّة المجالس البلديّة مكوّنة من الذكور، سيؤدّي ذلك في أغلبية الأحيان إلى إعمال الآليّة لصالح النساء، وبالتالي إبعاد المرشح الذكر وإعطاء المقعد البلدي إلى المرأة الفائزة. لذلك، قد تقوم بعض اللوائح بترشيح إمرأة مقابل قريبها الرجل في اللائحة المضادة لتأمين وصولها إلى عضويّة البلديّة من خلال الآليّة المقترحة، الأمر الذي قد يدفع الجهة المنافسة إلى ترشيح إمرأة أيضا بهدف تعطيل قدرة الخصم على ضمان فوزه بالمقعد البلدي.
وهكذا يتبين أن الاقتراح قد يشجع اللوائح المتنافسة على ترشيح النساء لكن ذلك يظل محصورا من ضمن المنطق العائلي لا سيما وأن المسألة قد تأخذ منحًى سلبيًّا عبر تحويل ترشيح النساء إلى سلاح تتصارع من خلاله العائلات في الانتخابات البلدية. فالاقتراح يريد نظريا تعزيز مشاركة المرأة لكن الاعتبارات العائلية هي التي تتحكم به بشكل كبير، ما يقصي هذه الأخيرة من المشهد، إذ بدل أن تكون حقوقها هي مركز الاهتمام تصبح مجرد تفصيل يدخل في التكتيكات الانتخابية الصغيرة داخل العائلة الواحدة.
في الخلاصة، يصبح جليا أن هذا الاقتراح محدود في مفاعيله ويفتقر إلى دراسة تظهر مدى تأثيره على نتائج الانتخابات البلديّة. وبالإضافة إلى تقديمه متأخرًا وتأجيل مفاعيله المحتملة إلى الانتخابات البلدية المقبلة في 2031، فإنّ ما يطرحه يبقى هامشيًا ولا يؤسّس إلى تحويل بنيويّ يدفع بالمرأة إلى المشاركة بشكل مضمون وفعّال في المجالس البلدية.