مغتربون يدافعون عن أصواتهم: مبادرة تشريعية بتأييد 50 نائبًا

نيقولا غصن

17/05/2025

انشر المقال

تقدّم في تاريخ 9 أيّار 2025 تسعة نواب هم  ميشال دويهي وإبراهيم منيمنة وجورج عقيص وأسامة سعد وأديب عبد المسيح وفيصل الصايغ ونعمة فرام وهاكوب ترزيان وأحمد الخير باقتراح قانون يرمي إلى تعديل المواد المتعلّقة بانتخاب اللبنانيين المغتربين في الانتخابات النيابيّة والمنصوص عليها في القانون رقم 44 الصادر سنة 2017 والذي ينظّم عمليّة انتخاب أعضاء مجلس النواب. ويأتي هذا الاقتراح بمبادرة من ائتلافٍ يضمّ جمعيّات غير حكوميّة ومجموعات اغترابيّة يهدف إلى تثبيت حقّ المغتربين بالاقتراع في الدوائر الانتخابيّة المسجّلين فيها في لبنان. ومن أبرز هذه المجموعات الاغترابية المبادرة وعددها 16، الآتية: شبكة الاغتراب اللبناني وجمعية الانتشار اللبناني ما وراء البحار والجامعة اللبنانية الثقافية في العالم والمنتدى اللبناني في أوروبا ومغتربين مجتمعين ومجلس التنفيذيين اللبنانيين ومواطنون لبنانيون حول العالم، صوتي، الحراك الاغترابي اللبناني بالإضافة إلى كلّنا إرادة. كما وقّع 50 نائبا عريضة تعلن تأييدهم للاقتراح وإن انحصر عدد الموقعين رسميا عليه ب 9. ورغم وضع 4 اقتراحات قوانين على جدول أعمال اللجان المشتركة يوم الثلاثاء المقبل، لم يتم إدراج هذا الاقتراح رغم حجم القوى البرلمانية الداعمة له. 

 

يهدف الاقتراح إلى إلغاء تخصيص المغتربين بستّة مقاعد موزّعة بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين على القارّات الستّ المنصوص عليها في المادة 112 من القانون، وبالتالي اعتماد تجربة الانتخابات التي جرت سنة 2018 و2022 لجهة انتخاب المغتربين في الدوائر المسجّلين فيها في لبنان كي تصبح القاعدة العادية  بينما هي وفقا للقانون النافذ اليوم حالة مؤقتة يتوجّب التخلّي عنها في الانتخابات المقبلة، على أنّ "تطبَّق على عملية اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية الأحكام العامة التي ترعى اقتراع اللبنانيين المقيمين في لبنان والتي لا تتعارض مع أحكام هذا القانون".

 

وفيما يخصّ موضوع تسجيل المغتربين للانتخابات النيابيّة، يكتفي القانون في المادة 113 بتحديد تاريخ لانتهاء مهلة التسجيل في "العشرين من شهر تشرين الثاني من السنة التي تسبق موعد الانتخابات النيابية" من دون أن ينصّ صراحة على تاريخ بداية فترة التسجيل، تاركًا الأمر لوزارة الداخلية والبلديّات بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمغتربين. وبالتالي، يأتي الاقتراح فيضيف على المادة 113 تاريخًا إلزاميًّا لفتح باب التّسجيل هو "من شهر أيار من السنة التي تسبق الانتخابات النيابية"، جاعلًا هذه المهلة تمتدّ لستة أشهر بموجب القانون.

 

بالإضافة إلى ذلك، يعدّل الاقتراح المادة 114 من القانون فيخفّض الحدّ الأدنى المطلوب من الناخبين المغتربين المسجّلين في كلّ سفارة أو قنصليّة والذي يسمح لهم بالاقتراع في الخارج بحيث يصبح 100 مسجلّا بينما هو في القانون الحالي 200. كما يضيف الاقتراح فقرةً على المادّة تنصّ على أنّه "تشكّل البعثة اللبنانيّة المقيمة المعتمدة مركزًا انتخابيًا واحدًا، على أن يشمل النطاق الإقليمي لهذا المركز الدول الأخرى التي تغطيها البعثة بصفة غير مقيمة عند احتساب عدد المسجّلين في المركز الانتخابيّ".

 

تستفيض الأسباب الموجبة في شرح أهميّة مشاركة المغتربين اللبنانيين في الانتخابات النيّابيّة لا سيما بالنظر إلى عددهم الكبير مقارنة بعدد المقيمين، فتعتبر أنّ الاقتراح يرمي إلى "تحقيق المساواة بين الناخبين المقيمين وغير المقيمين عبر الإلغاء التامّ للمقاعد الستّة المخصّصة لغير المقيمين". وفي هذا الإطار، تشير الأسباب  الموجبة إلى أنّ توزيع المقاعد الستّة كما ينصّ عليه القانون حاليًّا يُصعّب من "حملات المرشّحين، ويحدّ من تأثير قوة الصوت الاغترابي"، بالإضافة إلى "استحداث نظام قانوني خاصّ بالناخبين غير المقيمين، يحصر تمثيلهم بالمقاعد الستة وفي دائرة انتخابية واحدة، فيما يتمتع الناخبون المقيمون بتمثيل على نطاق أوسع، وفي دوائر انتخابية متعددة بحسب مكان قيدهم". وتستند الأسباب الموجبة من أجل تبرير الاقتراح على اجتهاد المجلس الدستوري في القرار 4/96 الصادر في 7/8/1996 الذي يعلن أنّ ديمقراطيّة الانتخاب وصحّتها لا تتثبّت إلّا "إذا تأمنت من خلاله المبادئ العامة الدستورية التي ترعى الانتخاب، لا سيما مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون"، ما يوجب وفق الاقتراح "عدم التمييز بين اللبنانيين المقيمين وغير المقيمين".

 

وتتطرّق الأسباب الموجبة أيضًا إلى صعوبة تنفيذ أحكام الفصل المتعلق بالمقاعد الستة المخصصة لغير المقيمين "لجهة دمجها أو إدراجها في عدد المقاعد الـ128 للمجلس النيابي". ونظرًا إلى أنّ القانون ينيط بلجنة مشتركة بين وزارة الخارجيّة ووزارة الداخليّة "تطبيق دقائق أحكام الفصل المتعلق بانتخاب غير المقيمين، تصبح السلطة التنفيذية، وتحديداً الحكومة عبر الوزارتين المذكورتين، قادرة على التحكّم بالمسار الانتخابي، من خلال اعتماد قراءة خاصة لنص القانون الضبابي".

 

أمّا لجهة تحديد مهلة فتح باب التّسجيل، أشارت الأسباب الموجبة إلى أنّ القانون الحاليّ يترك هذه المسألة لوزارة الخارجيّة بالتنسيق ومع وزارة الداخليّة، مع النصّ فقط على مهلة لتسكير باب التسجيل. وبالتالي، في انتخابات 2018 و2022، اقتصرت المدّة المتاحة للتسجيل "على شهر و20 يوماً فقط، وهي مهلة قصيرة نسبيّاً". لذلك، يهدف التعديل إلى إعطاء ستّة أشهر للمُغتربين للتسجيل، "ما من شأنه إلزام الإدارة بإجراء كافة التحضيرات اللازمة وفق مهل محددة سلفًا، وكذلك إعطاء الناخبين والمرشحين والماكينات الانتخابية فرصة زمنية معروفة سلفاً لبدء التسجيل".

 

بالإضافة إلى ذلك، تناولت الأسباب الموجبة التعديل الذي قام به الاقتراح على العدد الأدنى المطلوب من المغتربين المسجلين لكي تقوم دوائر الأحوال الشخصيّة بتنظيم قوائم بأسمائهم بهدف تمكينهم من الاقتراع، معتبرةً أنّ تخفيض الحدّ الأدنى من 200 إلى 100 ناخب مطلوب لفتح مركز انتخاب في بلد أجنبي من شأنه تمكين عدد أكبر من الناخبين من المشاركة في العمليّة الانتخابيّة. كما تناولت الأسباب الموجبة مسألة توسيع مفهوم المركز الانتخابي في الاغتراب لجهة ضمّه بعثات ديبلوماسيّة مقيمة وغير مقيمة عدة، ما من شأنه أيضًا تأمين مشاركة أوسع من الناخبين المغتربين.

 

جرّاء ما تقدّم، لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية حول الاقتراح:

 

اقتراع الناخبين المغتربين في دوائرهم: تعديل يزيل غموض النص ويساهم في تعزيز المشاركة

 

يعمد الاقتراح المقدّم إلى إلغاء المادة المادة 112 من قانون الانتخابات الصادر سنة 2017 التي تنص على أن "المقاعد المخصصة في مجلس النواب لغير المقيمين هي ستة، تحدّد بالتساوي ما بين المسيحيين والمسلمين، موزعين كالتالي: ماروني - ارثوذكسي -  كاثوليكي -  سني -  شيعي - درزي، وبالتساوي بين القارات الست." بالتالي، تنص المادة الجديدة المقترحة أن "تطبَّق على عملية اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية الأحكام العامة التي ترعى اقتراع اللبنانيين المقيمين في لبنان والتي لا تتعارض مع أحكام هذا القانون"، ما يؤدّي حكمًا إلى إلغاء المقاعد الستّة وإخضاع المغتربين اللبنانيين إلى القواعد العامّة التي ترعى الانتخابات في لبنان، أي اقتراعهم بحسب سجلّات قيدهم في مختلف الدوائر.

 

ولا شكّ أن الاقتراح الحالي يحتوي على إيجابيّات عديدة من بينها إلغاء التسوية السياسية المعقدة المكرسة في قانون 2017. فالمادة 122 المعمول بها اليوم تنظّم عمليّة إضافة ودمج النوّاب الممثلين للاغتراب اللبناني إذ تقوم بإضافة ستة نواب على ال128 الموجودين أصلًا ليصبح العدد الكامل 134 نائبًا، لكن على ألا يتم تطبيق ذلك إلا في الدورة التي تلي الدورة الأولى التي يتم الانتخاب فيها على أساس القانون الجديد، (أي الانتخابات التي جرت سنة 2018)، وبالتالي تكون زيادة النواب في دورة 2022. ومن ثمّ، وفقا للمادة المذكورة، يصار بعد دورة 2022 إلى تخفيض "ستة مقاعد من عدد أعضاء مجلس النواب الـ 128 من نفس الطوائف التي خصصت لغير المقيمين في المادة 112 من هذا القانون، وذلك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير"، أي عودة عدد النواب إلى 128 نائبًا.

 

وإذا كان من المستغرب أن يتضمن القانون هكذا نصوص مستقبلية هي أشبه بالوعد، إلّا أنّه في الواقع إثر صدور القانون النافذ حكمًا رقم 8 سنة 2021 تمّ تعليق مفاعيل المادة 122 لدورة 2022 الانتخابيّة، وبالتالي لم تتم إضافة النواب الستة على عدد النواب الـ 128. لذلك لا بدّ من التساؤل حول كيفيّة تطبيق هذه المادة في دورة 2026 إذا لم يتم تعديلها. فهل يجب تخفيض عدد النواب في المجلس بغية استبدالهم بالمقاعد الستة الاغترابية تماشيًا مع الرزنامة التي وضعتها المادة متجاهلين تأجيل تطبيقها في عام 2022؟ أم أنّ إضافة النواب الستّة التي كان من المفترض أن تحصل سنة 2022 باتت واجبة التطبيق في دورة 2026 ما يؤدّي إلى رفع عدد النوّاب إلى 134 سنة 2026 ومن ثمّ تخفيضه في الدورة اللاحقة؟

وهكذا يتبين أنّ الاقتراح الحالي يعالج هذه الإشكالية عبر إلغاء كل هذه الأحكام المستقبلية والتي باتت مبهمة بعد تعليقها سنة 2021 ما يساهم في الاستقرار التشريعي ويعزّز من مصداقية الانتخابات التي ستجري وفقا لنصوص واضحة.

 

فضلًا عن ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه بالإضافة إلى هذه الصعوبة الناتجة عن تأجيل تطبيق القانون، يحمل هذا الأخير في طيّاته مشكلة لجهة تكليفه في المادة 123 لجنة مشتركة بين وزارة الداخليّة والبلديّات ووزارة الخارجيّة والمغتربين بمهمّة تطبيق دقائقه في ما يتعلّق بمقاعد المغتربين. ويؤدّي ذلك الأمر إلى إعطاء اللجنة سلطة استنسابيّة تهدّد شفافيّة العمليّة الانتخابيّة. وقد أشارت الأسباب الموجبة إلى الأمر فاعتبرت أنّ الحكومة تصبح عبر الوزارتين "قادرةً على التحكّم بالمسار الانتخابي، من خلال اعتماد قراءة خاصة لنص القانون الضبابي"، نظرًا إلى أنّ النصّ "لم يحدِّد سوى قواعد عامة في احتساب المقاعد المستحدثة لغير المقيمين، قابلة للتحكم الاعتباطي".

 

وفي جميع الأحوال، فإنّ حصر انتخاب المغتربين بستة نوّاب يؤدّي إلى تقليص تأثيرهم على تركيبة المجلس بشكل غير مبرر نظرًا لحصر أصوات المغتربين بستة مقاعد فقط بدلًا من إعطائهم إمكانيّة التأثير على انتخاب كامل النواب من خلال تصويتهم في مناطقهم. وقد أشارت الأسباب الموجبة بالإضافة إلى ذلك إلى أنّ اعتماد النواب الستة "يصعّب من حملات المرشحين"، حيث في الواقع سيتعيّن عليهم زيارة ناخبيهم الموزّعين على قارّة كاملة وهو أمر صعب جدًا ومكلف جدًا ويؤدّي إلى خرقٍ للمساواة حتّى بين المرشحين في الداخل اللبناني والمرشحين في الاغتراب في قيادة حملاتهم الانتخابيّة.

 

وبالعودة إلى الانتخابات الأخيرة التي حصلت سنة 2022، فقد ثار جدل سياسيّ قبل إجراء الانتخابات حول هذا الموضوع نظرًا إلى رفض جزء من الأحزاب السياسيّة تطبيق المادة 122، أي إضافة المقاعد الستة للمغتربين ومطالبتهم بإلغاء هذه المقاعد أو أقلّه تأجيل تطبيق المادّة مرّة أخرى بعد أن كان القانون قد أجّل تطبيقها في المرّة الأولى كما هو مذكور آنفًا. وفيما كانت القوّات اللبنانيّة والحزب الاشتراكي من أشدّ المطالبين بانتخاب المغتربين لنوّابهم عبر اقتراعهم في الأقضية المسجّلين فيها في لبنان، أخذ التيّار الوطني الحرّ موقفًا جازمًا طالب فيه بتطبيق المقاعد الستة كما ينصّ القانون وقد شاطره الرأي حزب الله. وقد بدا هذا الاصطفاف السياسي جليًّا في مداخلات النوّاب داخل المجلس النيابي عند التصويت في جلسة 19 تشرين الأول 2021 على اقتراح قانون يشمل من ضمن تعديلاته تعليق العمل بالنواب الستة للاغتراب.

 

ولا شكّ أن للسماح للمغتربين بالاقتراع ضمن الدوائر الانتخابية كسائر اللبنانيين تداعياتٌ سياسيّة كبيرة، إذ تشير الأرقام إلى أنّ عدد المسجّلين سنة 2022 بلغ قبيل الانتخابات [1]225114 ناخبا بينما عدد الذين اقترعوا فعليا بلغ [2]142041. فهذه الأرقام مرشحة للارتفاع نتيجة تزايد الهجرة بسبب الأزمة الاقتصادية والوضع السياسي الذي كان قائما في لبنان منذ 2019 وحتى اليوم. وتبيّن الأرقام أنّ عدد المهاجرين سنة 2022 بلغ 59269 مهاجرًا وفي سنة 2023 بلغ 175500 مهاجر أمّا سنة 2024 فقد بلغ 178000 مهاجر. لذلك كان لا بد من تمكين جميع المغتربين اللبنانيين من التأثير فعليا على مجمل العملية الانتخابية وعدم حصر أصواتهم بستة مقاعد لن يكون لها أي أثر على موازين القوى داخل مجلس النواب.

 

وعلى الرغم من أن الاقتراح لا يعلن ذلك صراحة، لكنه ينطلق من فرضيّة مفادها أنّ صوت المغتربين سيذهب إلى القوى السياسية الجديدة وهو ما حصل في انتخابات 2022 حيث لعب اقتراع المغتربين دورًا مهمّا في فوز عدد من النواب "التغييريين" الذين يتخذون مواقف معارضة للأحزاب التقليدية المهيمنة على السلطة في لبنان منذ عقود، علمًا أنّ الأرقام تشير إلى أنّ أصوات الاغتراب ساهمت في إنجاح ستة نواب "تغييريين"[3]. فبغض النظر عن هذه النظرة ومدى صحتها، يعتبر الاقتراح الحالي أكثر عدالة وانسجاما مع المبادئ الدستورية كونه يضع جميع الناخبين في الوضعية القانونية ذاتها ويعطي ذات القيمة الاقتراعية للصوت سواء كان المنتخب مقيما في لبنان أو مغتربا.

 

توسيع فترة التسجيل للمغتربين يعزز من حقّهم في المشاركة في الانتخابات

 

إن مسألة تسجيل اللبنانيين المغتربين بدأت في عامّيْ 2018 و2022 أنشأت وزارة الخارجيّة والمغتربين منصّة الكترونيّة لهذا الغرض وذلك بهدف تكوين القوائم الانتخابيّة للاغتراب. وقد اتّسمت هذه العمليّة بحسب الأسباب الموجبة للقانون بالسرعة والسهولة نسبيًّا. إلّا أنّ اغفال القانون تحديد مهلة واضحة لهذا التسجيل واكتفائه بتحديد تاريخ أقصى لإغلاق باب التسجيل في المادة 113 من القانون وهي "عشرين من شهر تشرين الثاني من السنة التي تسبق موعد الانتخابات النيابية" يسقط من بعده حقّ المشاركة في الانتخابات، أعطى الحكومة الحقّ في تحديد تاريخ فتح باب التسجيل بشكل استنسابي ودون أيّة ضوابط.

 

وتنصّ الأسباب الموجبة على أنّه في عامي 2018 و2022، تمّ فتح باب التسجيل في "الأول من تشرين الأول من السنة التي سبقت الانتخابات النيابية العامة"، أي أنّ المدّة المتاحة للمغتربين لتسجيل أنفسهم "قد اقتصرت على شهر و20 يوماً فقط". ولا شكّ أنّ هذه المهلة تطرح مشكلتين: أوّلًا قصرها الذي "يلزم جميع المعنيين بالعملية الانتخابية من مرشحين وناخبين وإدارة بهامش زمني ضيّق" بحسب الأسباب الموجبة، يضاف إليه أنّه قد يحرم عددًا من اللبنانيين من إمكانيّة التسجيل بسبب ضرورة تأمين بعض الأوراق الثبوتيّة أو المعلومات لكي يسجّل المغترب نفسه، ما يتطلّب مهلةً من الزمن كافية نظرًا إلى المسافات التي قد تكون موجودة بينه وبين القنصليات اللبنانيّة حيث يتم إجراء المعاملات، فضلًا عن الوقت التي تستغرقه هذه المعاملات جرّاء المراسلات بين لبنان والقنصليات وتنقّل الحقيبة الديبلوماسيّة بين لبنان وبلدان الانتشار.

 

أمّا ثانيًا، تشير الأسباب الموجبة إلى أنّ "ترك مسألة فتح باب التسجيل للسلطة التقديرية للإدارة، يتعارض مع كل روحية قوانين الانتخابات في لبنان والتي كانت على الدوام حريصةً كلّ الحرص على التحديد الدقيق للمهل القانونيّة بالنسبة للناخبين، والمرشحين، وكذلك بالنسبة للإدارة." ومن المؤكّد في هذا الإطار أنّ إعطاء مهلة ستة أشهر محدّدة في القانون لتمكين المغتربين من تسجيل أنفسهم يمنحهم ضمانة قانونيّة أوسع لمشاركتهم في الانتخابات ويعطي فرصة لوزارة الخارجيّة لتنظيم عمليّة التسجيل بشكل هادئ كما يعطي المرشحين وقتا إضافيًّا لتحضير حملاتهم الانتخابيّة إنطلاقًا من أرقام المسجلين التي تظهر تباعًا خلال فترة الستة أشهر.

 

التعديلات على القوائم والمراكز الانتخابيّة بهدف توسيع مشاركة المغتربين

 

نصّ الاقتراح على تعديليْن من شأنهما توسيع حقّ المغتربين في المشاركة في الانتخابات النيابيّة وهما يتعلّقان بالمادّة 114 من القانون. وتنص هذه المادّة حاليا على واجب "الدوائر المختصة في المديرية العامة للأحوال الشخصية بالتثبت من ورود الاسم (أي اسم المغترب) في السجل وتنظم، بعد انتهاء المهلة المعطاة للتسجيل، قوائم انتخابية مستقلة لكل سفارة أو قنصلية بأسماء الذين ستتوافر فيهم الشروط القانونية، على أن لا يقل عدد المسجلين في المركز الانتخابي الواحد عن 200 ناخبًا".

 

بالتالي، أتى الاقتراح ليخفّض العدد الأدنى المطلوب من المسجّلين لاتمام هذه العمليّة من 200 إلى 100 ناخب، علمًا أنّه في حال لم يصل عدد المسجلين في المركز الانتخابي للرقم المطلوب يسقط حقّهم في الانتخاب في الخارج مع الاحتفاظ بحقّهم في الانتخاب داخل لبنان.

 

وقد عرضت الأسباب الموجبة أرقاما من أجل تبرير هذا التعديل إذ اشارت إلى أنّ 2740[4] ناخبًا لم يتمكّنوا من الانتخاب في الخارج سنة 2022، من بينهم 1436 ناخبًا تسجّلوا في مراكز اقتراع كان عدد المسجلين فيها أقلّ من 200 لكن أكثر من 100 ناخب، مثل أرمينيا 192 ناخبًا، غينيا الاستوائيّة 178 ناخبًا، وصولًا إلى الأرجنتين 118 ناخبًا. وبالتالي، فإنّ تخفيض الحدّ الأدنى كان سيمكّن 1436 ناخبًا من الاحتفاظ بحقّهم في الاقتراع في البلدان التي استقرّوا فيها. 

 

أمّا في الشقّ الثاني من التعديل المتعلّق بالمادة 114، فهو يطال الجمع بين البعثات الديبلوماسيّة المقيمة وغير المقيمة في تكوين المركز الانتخابي. فالبعثات الديبلوماسيّة مما هو معلوم تتكوّن من نوعين: البعثة الديبلوماسيّة المقيمة، أي الموجودة في الدولة المضيفة "بصفة دائمة ومستمرة"، والبعثة الديبلوماسيّة غير المقيمة، أي التي لا وجود دائم لها في البلد المضيف، "الأمر الذي يجعل من المواطنين اللبنانيين المقيمين في هذه الدول مرتبطين بالبعثة الدبلوماسية غير المقيمة التي تقع خارج مكان إقامتهم".

 

وبما أنّ وزارة الخارجيّة تعاملت وفقا للأسباب الموجبة للاقتراح مع المركز الانتخابيّ في الاغتراب "بصفته البعثة الدبلوماسية في بلد معيّن"، فإنّ احتساب عدد المغتربين المسجّلين لتكوين القوائم الانتخابيّة قد تمّ استنادًا إلى كلّ بعثةٍ ديبلوماسيّة مقيمة أو غير مقيمة على انفراد، أيّ أنّه لم يتمّ إضافة المسجّلين في البعثة غير المقيمة على عداد المسجلين في البعثة المقيمة المرتبطة بها عند احتساب الحدّ الأدنى المطلوب لتكوين القوائم الانتخابيّة. وقد أدّى ذلك إلى فقدان عدد من الناخبين حقهم في التصويت إمّا بسبب عدم فتح مركز انتخابي في البلد الذي لا توجد فيه بعثة ديبلوماسيّة مقيمة وعدم ربطهم بالبعثة المقيمة في الدولة الأقرب حيث يوجد مركز، أو نظرًا إلى أنّ عدم ضمّ أعداد المسجلين بين الدول التي تتشارك البعثة المقيمة وتفرّعاتها الغير المقيمة، ما أدّى إلى عدم الوصول للحدّ الأدنى المطلوب لفتح مركز انتخابيّ.

 

انطلاقًا ممّا تقدّم، وبهدف إشراك عدد أكبر من الناخبين في الاغتراب، يحمل الاقتراح بندًا إضافيًّا على المادة 114 ينصّ على أن "تُشكّل البعثة اللبنانيّة المقيمة المعتمدة مركزاً انتخابياً واحداً، على أن يشمل النطاق الإقليمي لهذا المركز الدول الأخرى التي تغطيها البعثة بصفة غير مقيمة عند احتساب عدد المسجلين في المركز الانتخابي".

 

وتوضح الأسباب الموجبة أنّ هذا التعديل سيؤدّي إلى نتيجتين :

الأولى تتمثّل في انضمام عدد من الناخبين المسجلين في الدول التي لا توجد فيها بعثة دبلوماسيّة مقيمة  وعددهم أقل من 200 ناخبًا إلى مراكز الانتخاب في الدولة المرتبطين بها وتمكينهم بالتالي من الانتخاب خارج لبنان. وقد أرفقت الأسباب الموجبة جدولًا يوضح هذا الأمر يمكن الأخذ منه مثل الناخبين في ليتوانيا (36) وإستونيا (9) الذين سيصبح بإمكانهم الاقتراع في بولندا (215) حيث يوجد مركز انتخابي، والناخبين في بليز (21) وكوستاريكا (10) وغواتيمالا (9) الذين سيصبح بإمكانهم الاقتراع في المكسيك (1242) حيث يوجد مركز انتخابي.

 

أمّا النتيجة الثانية فهي أنّ الجمع بين الناخبين في البعثتين المقيمة وغير المقيمة سيمكّن من افتتاح مراكز انتخابيّة جديدة نظرًا بأنّ عدد المسجلين في كلّ بعثة على انفراد لا يتخطّى عتبة المئة ناخب (مع الأخذ بعين الاعتبار التعديل على عدد الناخبين المطلوب المقترح) بينما مجموعهم سيمكّن من تخطّي العدد المطلوب وبالتالي افتتاح مركز. أمثلة على ذلك مرفقة في الجداول التي تتضمنها الأسباب الموجبة، يمكن الأخذ منها مثل الصين التي تسجّل فيها 91 ناخبًا فقط في انتخابات 2022، لكن إذا ما تمّ الإضافة إليها المسجلين في هونغ كونغ والبالغ عددهم 35 ناخبًا وفي فيتنام والبالغ عددهم 5 يصبح المجموع 131 ناخبًا ما يتيح فتح مركز انتخابي. كما أنّ الجمع بين ناخبي ماليزيا (31) وسنغافورة (85) سيتيح فتح المركز ل116 ناخبًا.

 

ولا شك أن الأرقام التي يعرض لها الاقتراح قد تكون مرشحة إلى التزايد ما يؤكد على أهمية تمكين المغتربين من ممارسة حقهم عبر جمع أصواتهم في مراكز تشمل البعثات المقيمة والدول الأخرى التي تتبع لهذه الأخيرة. لكن الاقتراح يبتعد عن الواقعية كون الناخب في الخارج وإن كان بات يحق له الاقتراع، لكنه قد لا يتمكن إطلاقا من مغادرة مكان إقامته من أجل السفر إلى دولة أخرى حيث يوجد مركز الاقتراع. وعلى الرغم من أن القانون النافذ يسمح لوزير الداخلية بالتنسيق مع وزارة الخارجية بتحديد أقلام اقتراع الناخبين في الخارج لكن من المستبعد أن يتم تخصيص كل مكان يوجد فيه لبنانيين بمركز خاص بهم نظرا للصعوبات المادية واللوجستية التي تعترض هكذا إمكانية. وبالتالي كان على الاقتراح في حال أراد فعليًا ضمان مشاركة جميع المسجلين في الخارج إلزام وزير الداخلية بتحديد مركز للاقتراع عند توفر شروط معينة، وهو أمر يصعب تحقيقه واقعيًا. 

 

في الخلاصة، يهدف هذا الاقتراح إلى تكريس مبدأ اقتراع المغتربين بحسب الأقضية المسجّلين فيها وهو ما سارت عليه الانتخابات في الدورتين الماضيتين وحاز قبولًا كبيرًا لدى المغتربين الذين تمكّنوا من التأثير على نتائج الانتخابات في عدد مهمّ من الدّوائر، وعدم حصر صوتهم بنائب واحد عن قارّة بكاملها ما يؤدي إلى الحد من قدرتهم على التأثير على مجمل العملية الانتخابية وتهميش وزنهم السياسي في مجلس النواب. إذ أن هجرة اللبنانيين، لا سيّما الأجيال الشابة منهم، هي نتيجة الظروف السياسية التي مرّ بها لبنان خلال العقود الطويلة لذلك كان لا بدّ من السماح للمغتربين من المساهمة بشكل فعال في الحياة السياسية كي يتمكنوا من محاسبة أولئك الذين تسببوا، وفقا لرأيهم، بهجرتهم، وإلا نكون أمام حالة من الإفلات من العقاب السياسي بحيث يستفيد المسؤول عن نكبة المجتمع من هجرة اللبنانيين لأن أصواتهم لن تتمكن من محاسبته.

 


[1]https://www.dgcs.gov.lb/Library/Assets/Gallery/Files/decision-2.pdf

[2] أعداد ونسب اقتراع المغتربين في العالم حسب الدوائر، موقع المدن، 12-5-2022. 

[3] https://www.youtube.com/watch?v=5b7fFPD4qqo

[4] موقع المديريّة العامّة للأحوال الشخصيّة