كامل نتائج جلسة 15/5/2025: المطالبة باعتماد أصول التشريع تُقابَل بالتخوين

نيقولا غصن , فادي إبراهيم

15/05/2025

انشر المقال

عقدت الهيئة العامة للمجلس النيابيّ جلسة تشريعية في تاريخ 15/5/2025، وذلك لمناقشة 83 بندًا على جدول الأعمال، جميعها من الاقتراحات المعجّلة المكرّرة. وقد خصّص الجلسة حصرا لدراسة اقتراحات القوانين المعجّلة المكرّرة المتراكمة والتي لم يتم دراستها بعد بفعل تقليص العمل التشريعي في فترة الفراغ الرئاسي. 

وإذ كان جدول أعمال الجلسة مثقلا بحجم البنود أكثر من أي جلسة خلال الولاية الحالية، فإنّ النقاش فيها كان من الأكثر محدودية حيث لم يتجاوز النقاش 3 بنودًا من أصل 83. وقد أتت النقاشات ضئيلة خلال الجلسة بفعل طبيعة البنود المعجلة المكررة، ورفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري إفساح المجال للنواب تفسير اقتراحاتهم قبل التصويت على صفة العجلة. لا بل أكثر من ذلك، رفض رئيس المجلس النيابي في بداية الجلسة تلاوة الأوراق الواردة رغم مطالبة النائبة بولا يعقوبيان بذلك وفق مقتضيات النظام الداخلي، مشيرا إلى أنّ هذه الجلسة استثنائية. وبذلك، يستمر الرئيس برّي في مخالفة النظام الداخلي للمجلس النيابي منذ العام 2019 ورفض تلاوة الأوراق الواردة مع بداية الجلسة.

وإذ خفت صوت النقاش التشريعي، فقد ارتفع صوت النقاش التخوينيّ والعصبيّ عند مناقشة اقتراح لإعفاء المتضرّرين من العدوان الإسرائيلي من بعض الضرائب والرسوم، بحسب ما نبينه أدناه.

وبالمحصّلة، أقرّ المجلس النيابي اقتراحا وحيدا من أصل 83 على جدول الأعمال، وهو الاقتراح المتعلّق بتشديد العقوبات على مطلقي النار في الهواء. بالمقابل، تمّ إحالة الاقتراحات ال82 المتبقيّة إلى اللجان النيابية بعد إسقاط صفة العجلة عنها. ما يعني أنّ العديد من هذه الاقتراحات التي بقيت عالقة أمام الهيئة العامّة لما يقارب 3 سنوات، ستعود بعد هذه الجلسة لتبدأ مسارا جديدا أمام اللجان النيابية.

وسنقوم هنا بدراسة مجريات الجلسة وبنودها. لكن قبل المضي بذلك، سنخصّص فقرة للحديث عن أجواء الجلسة وطريقة إدارتها.

الفوضى ومحاولة القفز عن اقتراحات التحقيق في جريمة المرفأ

ساد الجلسة أجواء من الفوضى التي أصبحت من مميّزات جلسات الهيئة العامّة في هذه الولاية. في الشقّ العامّ، كان صوت ميكروفونات الهيئة العامة منخفضًا، ما صعّب التواصل بين النواب الذين لم يتمكنوا في كثير من الأحيان من سماع مداخلات بعضهم البعض، فيما طغت الأحاديث الجانبية بصوتها المرتفع على صوت المتحدثين في أغلب الأوقات.

بالمقابل، فإنّ التصويت على صفة عجلة الاقتراحات تمّ بطريقة عشوائية وسريعة، من دون أن يتمكّن النواب من معرفة على أيّ من البنود يتمّ التصويت في الكثير من المناسبات، ومن دون حصول تصويت فعليّ.

وفي ظلّ هذه الفوضى، وأثناء التصويت على صفة الاستعجال للاقتراحات واحدًا تلو الآخر، قرر الرئيس نبيه برّي، ومن دون أنّ يعلن ذلك للهيئة العامة، الانتقال مباشرة إلى البند 26 مستثنيًا بذلك كلّ البنود المتعلّقة بمنع عرقلة التحقيقات بإنفجار مرفأ بيروت (البنود 16 إلى 22). وفيما ظنّ النواب أنهم صوّتوا فقط على البند رقم 14 ليسقطوا عنه صفة العجلة، فوجئوا بانتقال الرئيس برّي مباشرة إلى التصويت على البند 26، ما أثار اعتراض بعض النواب على هذه الممارسة. وقد فسّر نائب رئيس مجلس النوّاب أنّه تمّ التصويت دفعة واحدة على صفة عجلة البنود 14 إلى 25 من جدول الأعمال. وأمام استمرار اعتراض النوّاب على هذا التصرّف غير المفهوم، اضطرّ رئيس المجلس إلى التراجع والعودة للتصويت على البند رقم 15 وما يليه بندًا تلو الآخر.

أمّا فيما يخصّ النقاشات، فلم يحصل أي نقاش فعليّ في أيّ من البنود باستثناء حوالي 3 منها. ففي حين طلب النائب جبران باسيل منح كلّ مقدّم اقتراح مدّة دقيقة للحديث حوله، رفض رئيس المجلس ذلك، ما ضيّق مساحة النقاش بشكل كبير في الجلسة. وإذ حاول النواب التحدّث لشرح أهمّية اقتراحاتهم في العديد من البنود، كان رئيس المجلس يعاجلهم بالرفض أو التجاهل.

وعليه، سارت الهيئة العامة على بنود جدول الأعمال بسرعة فائقة لا تتعدّى ثواني لأغلب الاقتراحات.

كيف قاربت الهيئة العامة اقتصار الجلسة على الاقتراحات المعجلة المكررة؟

مع بدء الجلسة، طلب النائب جميل السيد الحديث بالنظام، معتبرا أنّه ولأول مرّة في تاريخ المجلس يوجد جدول أعمال محصور بالاقتراحات المعجّلة المكرّرة، مشيرا إلى أنّ مفهوم الاقتراح المعجّل هو حالة تستوجب العجلة مع ما يستتبعه من اعتماد لآلية استثنائية للنقاش من دون المرور باللجان النيابية، معتبرا أنّ غالبية الاقتراحات الواردة هي في محاولة لتجاوز اللجان لتمريرها. وقد تساءل السيّد كيف يكون الاقتراح معجّلا مكرّرا (أي محصورا بمادة وحيدة)، فيما تتكون هذه المادة من 3 صفحات وتعدّل 6 قوانين. وفي ختام مداخلته، طلب السيّد، إحالة جميع الاقتراحات على جدول الأعمال دفعة واحدة إلى اللجان النيابية، وتحويل الجلسة إلى جلسة أسئلة وأجوبة ونقاش عامّ مع الحكومة.

وقد وافق النائب جورج عدوان على اقتراح النائب جميل السيد، مقترحا إرسال جميع الاقتراحات إلى اللجان مع منحها مهلة شهريْن لإرسالها إلى الهيئة العامة، وهو اقتراح وافق عليه النائب سامي الجميل مؤكّدا على أنّ جميع الاقتراحات بحاجة لدراسة أعمق. أمّا نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب فقد أكّد أنّ الجميع يعلم استحالة إنهاء اللجان لهذه الاقتراحات خلال فترة قصيرة.

بالمقابل، اعتبر النائب حسن فضل الله أنّ جدول الأعمال قد وُضع وفق الأصول، وأنّ إحالة الاقتراحات دفعة واحدة إلى اللجان لا يتناسب مع أصول التشريع. وقد انتهى إلى المطالبة بالتصويت على صفة العجلة لكلّ بند من البنود، حيث يوجد اقتراحات من الممكن أن تحلّ مشاكل آنيّة وهامّة. وقد أكّد فضل الله أنّ الاقتراحات إذا أحيلت كلّها إلى اللجان لن تنتهي قبل مرور سنة. وقد تشارك في هذا الطرح النائب أشرف ريفي الذي اعتبر أنّ موضوع السجون يشكّل قنبلةً موقوتةً ويجب معالجته في الاقتراحات الموضوعة على جدول الأعمال. كذلك النائب أديب عبد المسيح الذي اعتبر أنّ هناك بعض الأمور التي تتعلّق بحياة المواطنين وسلامتهم لا تحتمل الانتظار، مشيرا إلى الاقتراح المقدّم من قبله لتشديد العقوبة على مطلقي النار في الهواء. وقد طالب النائب علي حسن خليل باحترام الأصول البرلمانية والتصويت على الاقتراحات واحدًا تلو الآخر.

وقد ردّ النائب جورج عدوان على هذا الطرح معتبرا أنّ المجلس سيد نفسه ويمكنه أن يقرّر إحالة جميع الاقتراحات دفعة واحدة إلى اللجان. وهذا موقف صحيح كون مجلس النواب سيّد أعماله بما لا يتعارض مع الدستور، على الرغم من أنّ منطق النظام الداخلي يفرض تمكين كلّ نائب تقدّم باقتراح معجل مكرر من تبرير صفة الاستعجال وشرحها للهيئة العامة.

أمّا النائب ياسين ياسين، فقد اعتبر أنّ بعض الاقتراحات يُفترض أن تأتي من الحكومة، بحيث أنّ العديد منها لا معطيات واضحة فيها لتبريرها أو تحديد السياسة الأنسب تجاهها. كما ذكّر ياسين بالمادة 136 من النظام الداخلي للمجلس النيابي التي تفرض عقد جلسة أسئلة وأجوبة ومناقشة عامة بعد كل 3 جلسات، وهو الأمر الذي لا يحصل في المجلس النيابي. كما أشار ياسين إلى الكتاب الذي وجهه مع النواب حليمة القعقور ونجاة عون صليبا وبولا يعقوبيان إلى رئيس مجلس النواب يعترضون بموجبه على الممارسة الأخيرة للنائب ابراهيم كنعان حيث يجمع أعضاء لجنة فرعية لمناقشة مشروع إصلاح أوضاع المصارف الوارد من الحكومة، من دون نشر الدعوة أو إعلام النواب بذلك.

أمّا النائب وضّاح الصّادق، فاعتبر أنّ المشكلة هي في المهل القصيرة الممنوحة للنواب لدراسة القوانين بعد وضع جدول الأعمال، وقد اعترض برّي على ذلك معتبرا أنّه منح النواب مهلة 5 أيّام وهي كافية لدراسة الاقتراحات.

وعليه، سنشير تاليا حصرا إلى البنود التي تمّت مناقشتها.

إقرار تشديد العقوبات على مطلقي النار في الهواء وسط معارضة شرسة من جهاد الصمد

أول الاقتراحات التي تمّت مناقشتها في الجلسة كانا الاقتراحين المتعلّقين بمعاقبة مطلقي إطلاق النار في الهواء، أي البنديْن رقميْ 51 و52 على جدول الأعمال. تقدّم النائبان أديب عبد المسيح (البند 52) وهاغوب ترزيان (البند 51)، باقتراحيْ قانون معجّلين مكررين يرميان إلى تشديد العقوبات المنصوص عليها في القانون رقم 71 الصادر سنة 2016 المتعلّق ب "تجريم إطلاق العيارات الناريّة في الهواء". 

وقد انتهت الهيئة العامة إلى إقرار صيغة مختلفة عن الاقتراحيْن، بحيث اعتمدت صيغة اقترحها النائب أشرف بيضون بناء على النقاشات الحاصلة. فقد اقترح هذا الأخير صيغةً قوامها مضاعفة العقوبات الحالية المفروضة على مُطلقي النار في الهواء، ومنع منحهم الأسباب التخفيفية. كما تجدر الملاحظة إلى أنّه لم يكن واضحا خلال التصويت الصيغة التي يتم إدخال التعديل عليها، وفيما إذا ما كانت صيغة النائب عبد المسيح أو ترزيان.

وقد شهدت النقاشات عددا من الاعتراضات، بالأخص من النائب جهاد الصمد كما نبيّن أدناه.

النقاشات النيابية:

بدأ النقاش النيابي عندما تمكّن النائب أديب عبد المسيح وبصوت مرتفع من الحديث وفرض استماع النواب إليه، بعد 50 بندا مرّت من دون أن يتمكّن أيّ من النواب من الحديث عن اقتراحه. وقد تحدّث عبد المسيح عن أهمّية الاقتراح خصوصًا من الجهة الإنسانية وضرورة أن يخرج المجلس النيابي بشيء للّبنانيين في هذه الجلسة. كما وتحدّث النائب هاغوب ترزيان معتبرا أنّ هذا الرصاص هو للأذى فقط، وأنّه على الجاني أن يعلم أنّ فعله هو جناية وليس جنحة وألّا يُمنح أسبابًا تخفيفية. وعليه، أقرّت صفة العجلة للاقتراح وبدأ النقاش في مضمونه.

ومع بدء النقاش، اعتبرت النائبة بولا يعقوبيان أنّ الصيغة المقدّمة من النائب عبد المسيح أفضل، بينما خالفها بذلك النائب علي حسن خليل، مع تسليمه بمبدأ التشديد.

تأييدًا للاقتراح، أكّد النائب وضّاح الصادق على وجوب تشديد العقوبة لتفادي المزيد من الضحايا. كما اعتبر النائب فراس حمدان أنّ إطلاق النار ظاهرة اجتماعية وسياسية، وأنّ القانون الحالي غير كافٍ، مؤكّدًا على وجوب توجيه رسالة للقضاء والضابطة العدلية والمجتمع عن وجود نية في التصدّي لهذه الظاهرة.

أوّل المعترضين وأبرزهم كان النائب جهاد الصمد، الذي أكّد معارضته لتشديد العقوبة من جنحة لجناية خصوصا بصيغة المعجّل المكرّر، مطالبا بإحالة الاقتراح إلى اللجان. أمّا نائب رئيس المجلس الياس بو صعب، فقد اعتبر أنّه وعلى أهمّية الاقتراح فهو من الممكن أن يحتاج لتعديل قوانين أخرى ما يقتضي إحالته إلى اللجان النيابية.

ردّا على ذلك، اعتبر عبد المسيح أنّه بموجب الاقتراح لا يتم تعديل أي شيء، بل حصرا تشديد العقوبة وشمول العقوبة للمحرّض والشريك، أي أنّه يمنح القاضي الأدوات لتغليظ العقوبة لتصبح رادعة. وقد ردّ أيضا النائب جورج عقيص على النائب جهاد الصمد مؤكدا على حق المجلس النيابي بتحويل الجنحة إلى جناية.

أمّا النائبان أشرف ريفي وجميل السيد، فتحدّثا عن أنّ المشكلة في تطبيق النصّ الموجود أصلا، وليس في العقوبة الموجودة فيه حتّى يتم تشديدها، وقد اقترح السيد بمعزل عن ذلك تشديد العقوبة بحيث يصبح الحدّ الأدنى فيها سنة بدل 6 أشهر. كما طالب النائب نديم الجميل وزيريْ العدل والداخلية بتنفيذ القوانين الموجودة أصلا كقانون تجريم إطلاق النار في الهواء وقانون السير وقانون البيئة، بعد أن اعتبر أنّه على المجلس النيابي الموازنة بين الحقوق الفردية والعقوبات وأنّ المشكلة في التطبيق وليس في النص، مطالبا بإحالة الاقتراح على اللجان النيابية. وفي السياق نفسه، طالب النائب فريد الخازن بإصدار توصية فقط لتطبيق القانون الحالي، من دون تشديد العقوبات.

النائب أشرف بيضون اعتبر أنّ القانون في العام 2016 قام بوضع عقوباتٍ متدرّجة حسب الضرر الذي يؤدّيه إطلاق النار، مقترحًا مضاعفة العقوبات وإلغاء الأسباب التخفيفية، وهو ما تمّ إقراره بعد أن أكّد وزير العدل عادل نصّار موافقته على هذه الصّيغة. وعند إقرار القانون، علا صُراخ النائب جهاد الصمد، طالبا تدوين اعتراضه، متسائلا على أيّ أساس تمّ ذلك ومطالبا إذ ذاك بمضاعفة العقوبات على جميع الجرائم.

وكان المرصد البرلماني قد أعدّ تعليقا مفصّلا على الاقتراحيْن، يمكنكم الاطّلاع عليه على الرابط التالي:

اقتراحان لتشديد عقوبة إطلاق النار في الهواء: هل الحل هو في التشريع؟ 

الإعفاءات الضريبية للمتضررين من العدوان: المطالبة باحترام أصول التشريع تُواجه بالتخوين

لم يقرّ المجلس النيابي اقتراح القانون المعجّل المكرّر المتعلّق ب "منح الأشخاص الطبيعيين والمعنويين والأماكن السكنية المتضررين بشكل مادي مباشر نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان اعتبارا من 8/10/2023 إعفاءات من بعض الضرائب والرسوم وإعفاء ورثة الشهداء اللبنانيين الذين استشهدوا أو يستشهدون نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية"، وذلك على الرغم من إقرار صفة العجلة.

وإذ بدأ النقاش بشكل طبيعي حول الاقتراح، فإنّه تحوّل إلى مناسبة لتبادل الاتّهامات وعبارات التخوين، كلّ ذلك بسبب اعتراض عدد من النواب على آليّة التصويت التي اعتمدها رئيس المجلس النيابي.

النقاشات النيابية: اعتباطية برّي في الإدارة تؤدّي إلى إشكال كبير

بدأ النقاش بمداخلة أحد مقدّمي الاقتراح النائب حسن فضل الله، والذي اعتبر الاقتراح أكثر من مستعجل، وأنّه قد تمّ التنسيق بخصوصه مع وزارة المالية السابقة ودُرس بدقّة. وقد أشار فضل الله إلى أنّه يتم مطالبة المواطنين في الجنوب بفواتير كهرباء علما أنّ بيوتهم مدمّرة.

من ثمّ تحدّث النائب جورج عدوان الذي ذكّر بما حصل في الجلسة الماضية، حيث سُحبت الاقتراحات المشابهة بطلب من رئيس الحكومة لإرسال مشروع متكامل حول إعادة الإعمار والإعفاءات من قبل الحكومة. وقد أكّد رئيس الحكومة نواف سلام ووزير المالية ياسين جابر على أنّ الحكومة أقرّت المشروع وأرسلته إلى المجلس النيابي. بالمقابل، أكّد النائب علي حسن خليل أنّه لم يصل أي مشروع بعد على المجلس، وأنّ المجلس النيابي أجّل البحث في الجلسة الماضية ولم يصل شيء من الحكومة.

وإذ قال برّي أنّه يكفيه إبن الجنوب ما عاناه، طرح صفة العجلة على التصويت، وأقرّها بسرعة عاجلة من دون التدقيق بأعداد الذين رفعوا أياديهم. وإذ اعترض عدد من النواب، قام برّي بإعادة التصويت، وصدّق صفة العجلة مجدّدا ومن دون تدقيق بعدد المصوتين.

ومن ثمّ، قام برّي بطلب المناداة على الاقتراح من دون تمكين النواب من مناقشته. ويؤشّر ذلك إلى أنّ برّي اعتبر أنّ إقرار صفة العجلة يؤدي ليس فقط إلى فتح باب النقاش بل إلى إقرار الاقتراح من دون أي مناقشة. 

ووسط اعتراض النواب وحالة من الفوضى والهرج والمرج، تابع برّي طرح البنود اللاحقة الواردة على جدول الأعمال. 

ومع كل بند جديد يُطرح، يسأل النواب عن مصير البند المتعلّق بالإعفاءات للمتضررين، ويتهرّب بري من الجواب، إلى أن تمكّن النائب سامي الجميل من مواجهة برّي وسؤاله عن مصير البند، حيث أكّد برّي أنّه اعتبر أن الاقتراح تمّ إقراره. إذّاك، اعترض الجميّل سائلا برّي: هل تريد أن نذهب للطعن بالقانون؟ فقال برّي أنّه لا يُمانع في ذلك، ليردّ الجميل بأنّه لن يطعن فيه.

واعترض أيضا النائب بلال الحشيمي، الذي اعتبر أنّ برّي لم يحترم آلية التصويت، وأنّ المناداة الحاصلة ليست بمناداة بل يجب عند مناداة اسم نائب أن يُسمع إذا ما كان موافقا أو معارضا للاقتراح، لا أن يُتلى اسمه فقط.

وقد دار عندها نقاش محتدم بين برّي والنائبة بولا يعقوبيان، التي اعتبرت أنّ ما حصل هو تزوير، ليردّ عليها برّي بعبارة "احترمي حالك" ويطلب شطب ما قالته من المحضر.

 

عندها، بدأ النائب قبلان قبلان بالصراخ وبعصبية كبيرة ولأكثر من دقيقة تجاه النائبة بولا يعقوبيان ومن دون أن يستعمل الميكروفون، وقد فُهم من قوله بأنّ هناك شهداء سقطوا ولا يزال يسقط الكثير منهم وهناك بالمقابل قوى حريصة على مصالح ومشاعر إسرائيل أكتر من الإسرائيلي نفسه، وأنّ هناك قوى تمثّل مصالح إسرائيل. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ يعقوبيان قد صوّتت مع صفة العجلة للاقتراح، وجلّ ما كانت تطلبه هو أن يحصل تصويت أصوليّ عليه كما كانت تفعل بانتظام في مناسبات عدة وليس بالطريقة الاعتباطية التي حصلت.

وقد سادت بعدها حالة من الفوضى وسط اتّهامات متبادلة خصوصا بين النائب قبلان قبلان والنائبة سينتيا زرازير، حيث انجرّت الأخيرة إلى نفس المنطق بالحديث السياسي الحاد الذي بدأه قبلان، متحدّثةً عن استجلاب الحرب إلى لبنان وتهريب المخدّرات. لتنسحب من بعدها زرازير ويعقوبيان وعدد آخر قليل من النواب من الجلسة اعتراضا.

هدأت الأمور مع مداخلة هادئة للنائب جورج عدوان، الذي أكّد أنّ النقاش محصور حول التصويت وآليته ولم يكن نقاشا سياسيا حول مواضيع خلافية كما صوّره البعض. وقد لاقى هذا الكلام النائب ملحم خلف الذي أكّد على أنّ أحدا لا يشكّك بالتضامن الوطني تجاه أهل الجنوب، وأنّ ما حصل هو إقرار لصفة العجلة حتّى نتمكّن من مناقشة الاقتراح لكن لم يتسنّ مناقشته، مشيرا إلى ضرورة عدم حصر الاقتراح بالقرى الحدودية. وفي السياق نفسه، اعتبر النائب بيار أبو عاصي أنّه بموجب الاقتراح تُعفى مناطق دون أخرى تضرّرت أيضا، متسائلا عن كلفة هذا الاقتراح ومطالبا العودة إلى مشروع القانون. كما اعتبر نائب رئيس المجلس الياس بوصعب أنّ النص المقترح بحاجة إلى تعديلات وتوضيحات.

وفي الإطار نفسه، تحدّث النائب فراس حمدان بصفته إبن الجنوب مستذكرا التضحيات التي بُذلت هناك، ومؤكدا على أحقية إيجاد حلّ واضح ومتكامل للإشكاليات المتعلقة بالضرائب والرسوم عبر مشروع متكامل، أي عبر المشروع المرسل من الحكومة، ومن دون مزايدات.

وعليه، يتبيّن بوضوح من موقف خلف وحمدان، وتصويت نواب التغيير بتأييد صفة العجلة، أنّ محاولة إلباسهم التهم المؤامراتية ما كانت إلّا لغاية افتعال إشكال شعبوي معهم لم يكونوا بوارده، لا بل في محاولة لإلقاء اللوم على طرف معيّن وكأنّه يريد أن يفاقم من مأساة الجنوبيين.

وقد اعتبر النائب حسن فضل الله ردّا على ذلك أنّ الاقتراح لا يُعنى حصرا بجنوب لبنان بل بكل من تضرر في كل لبنان، مع إعفاء كامل في القرى الحدودية. أمّا وزير المالية فتساءل كيف يُمكن طلب رسوم كهرباء ممّن هُدم بيته.

مجدّدا، حاول برّي تمرير الاقتراح، مشيرا إلى أنّ رئيس الحكومة موافق. لكن رئيس الحكومة نواف سلام ردّ عليه نافيا ذلك ومؤكّدا أنّه لم يقلْ أنّه موافق بل قال أنّه أرسل مشروع قانون، ليعود برّي ويقول أنّه موافق على التأجيل لمدّة شهر لحين ورود مشروع الحكومة ودراسته. وفي هذا الصدد، اقترح النائب جميل السيد تجميد تحصيل الفواتير لمدّة شهر إلى حين صدور القانون، وهو ما تمّ الموافقة عليه.

وعليه، تمّ الاتّفاق على تعليق النظر بالاقتراح بانتظار مشروع الحكومة، مع تعليق تحصيل الضرائب والرسوم في المناطق المتضررة لمدّة شهر، وذلك من دون تصويت.

وقد ختم برّي اعتباطية التشريع بتحذيره من اعتبار الاقتراح القانون نافذا خلال فترة شهر في حال لم يصل مشروع الحكومة.

اقتراح لإنشاء حيّ جبل محسن

في ما يخص البند 60 المتعلّق باقتراح إنشاء حيّ جبل محسن في طرابلس وتخصيصه بمختارين، تسنّى لمقدّم الاقتراح النائب حيدر ناصر أن يأخذ الكلام قبل الشروع في التصويت على صفة العجلة ليوضح ماهية اقتراحه (علمًا أنّها من المرّات النادرة التي حصل فيها هذا الأمر في الجلسة). وهكذا أوضح ناصر أنّ المشكلة تكمن في كبر القلم الانتخابي في جبل محسن ما يؤخّر عمليّة الفرز مشيرًا إلى استمرار الفرز في طرابلس لثلاثة أيّام في الانتخابات البلديّة والاختياريّة التي حصلت نهار الأحد الذي سبق الجلسة. وأردف حيدر معتبرًا أنّ فئة معينة من المواطنين في طرابلس أحجمت عن الاقتراع بينما شريحة كبيرة من فئة أخرى مارست حقّها بالانتخاب الأمر الذي أدى إلى حصول خلل في النتائج. ولا شك أن موقف ناصر هذا هي إشارة ضمنية إلى فوز سبعة مخاتير ينتمون إلى الطائفة العلوية من أصل 14 مختارا في حي باب التبانة من مدينة طرابلس الأمر الذي أثار حزازيات طائفية عقب إعلان النتائج. وشدّد النائب حيدر ناصر على أنّ هذا الاقتراح يجنّب مشاكل في البلد مشيرًا بهذا إلى الاحتقان الطائفي في طرابلس ومسألة تخصيص الطائفة العلويّة بمخاتير. بعد ذلك أعطي الكلام لوزير الداخليّة الذي أبدى رأيا إيجابيا بخصوص الاقتراح لكن مع ضرورة التوسّع في دراسته. فما كان عندها إلّا أن قاطع رئيس المجلس النقاش وقرر بمفرده إحالة الاقتراح إلى اللجان من دون أن يتمّ التصويت على صفة العجلة.