اقتراح لتمويل المجلس الوطنيّ للسلامة المروريّة: أسئلة واجبة حول مبدأ الشيوع
22/08/2025
تقدم النائب ابراهيم منيمنة بتاريخ 29 تموز 2025 باقتراح قانون يرمي إلى أمرين: أولا، "تأمين واردات مستدامة لتمويل أنشطة المجلس الوطني للسلامة المروريّة" وذلك من خلال إنشاء رسم خاص "لصالح المجلس الوطني للسلامة المروريّة" تكون قيمته خمسين ألف ليرة "تضاف إلى رسم السير السنوي لجميع مركبات النقل البري الآليّة على اختلاف أنواعها ومن جميع الفئات خصوصيّة وعموميّة"؛ وثانيا إلى تعديل المادة 401 من قانون السير الجديد الصادر سنة 2012 تحت الرقم 243 فيضيف على فقرتها الثانية التي تنص على تخصيص ستة عشر بالماية من حاصل كامل غرامات السير المستوفاة لصالح البلديات موجبًا جديدًا مفاده تخصيص "البلديّة المستفيدة ما لا يقلّ عن ثلاثين بالماية من المبالغ العائدة لها من هذا المصدر لأغراض تحسين السلامة المروريّة، بالتنسيق مع الأمانة العامة للمجلس الوطني للسلامة المروريّة".
تذكّر الأسباب الموجبة أن قانون السير الجديد أنشأ مجلسًا وطنيًّا للسلامة المروريّة ولجنة وطنيّة للسلامة المروريّة وأمانة سرّ للمجلس واللجنة على أنّ يتولّى أمانة سرّ المجلس واللجنة أمين سرّ متفرّغ يعاونه جهاز إداري وتقني متخصص بالسلامة المروريّة. وقد عددت الأسباب الموجبة مهامّ هذه الهيئات الثلاث المتنوعة والمتعلّقة بتعزيز السلامة المروريّة وتخفيض عدد الضحايا جرّاء الصدمات المروريّة، معتبرة أنّ الموارد الماليّة المقدّمة لهذه الهيئات لا يجب أن تقتصر فقط على دفع الرواتب والأجور والنفقات التشغيليّة بل أن تكون ذات قدر لتمكّن الهيئات من القيام بالأنشطة "التي تعزز السلامة المروريّة مثل إنتاج موادّ للتوعية على السلامة المروريّة والقيام بحملات لهذا الشأن، وتنفيذ شراكات مع مختلف الأطراف المعنيّة لتعزيز السلامة المروريّة في مختلف المناطق، وبناء القدرات الوطنيّة في هذا المجال، وما إلى ذلك."
بالإضافة إلى ذلك، ذكرت الأسباب الموجبة أنّ موازنة رئاسة مجلس الوزراء خصّصت منذ 2016 مساهمة ماليّة إلى المجلس الوطني للسلامة المروريّة لتغطية الرواتب والأجور وسائر النفقات الجارية. وتضيف أنّه نظرًا لقرار منع التوظيف لم يتمّ صرف أيّ مبلغ من هذه المساهمات وتقلّصت قيمتها من مليون وثلاثمائة دولار أمريكي إلى ما يقلّ عن خمسة آلاف دولار أمريكي. بالتالي، تبين أن أفضل مصدر تمويل للمجلس هو "فرض رسم إضافي بسيط على رسم السير السنوي للمركبات" قدره خمسون ألف ليرة لبنانيّة ما يجنّب إثقال كاهل أصحاب المركبات بأعباء كثيرة أو تحميل الموازنة العامة أعباء إضافيّة وفي الوقت عينه يؤمّن مساهمة مستدامة للمجلس في مقابل المساهمات الأخرى المتغيّرة مثل مساهمة الخزينة العامة أو تخصيص نسبة من عائدات غرامات مخالفات قانون السير أو إضافة رسم على رسم تسجيل المركبات وغيره.
أخيرًا، تطرّقت الأسباب الموجبة إلى مبررات التعديل الثاني الذي قام به الاقتراح وهو الطلب من البلديات تخصيص جزء من عائدات غرامات السير التي تؤول إليها لأغراض تعزيز السلامة المروريّة إذ إنّ ذلك يشكّل "نوعًا من اللامركزيّة" ومثالًا عن "التعاون بين السلطات اللامركزيّة الممثلة بالمجلس الوطني للسلامة المروريّة والسلطات المحليّة".
جراء ما تقدّم، لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية :
هل من مبرر لمخالفة مبدأ شيوع الواردات في الموازنة ؟
إنّ أحد المبادئ الأساسيّة الذي يرعى تنظيم الموازنات العامة هو مبدأ الشيوع في الواردات، أي عدم تخصيص واردات معيّنة لتغطية نفقات معيّنة حتّى لو كان هذا في إطار الموازنة. وبالرغم من اعتماد هذا المبدأ لأسباب سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة أهمّها منع الحكومة من التحيّز في صرفها النفقات وتخصيصها لجهة دون غيرها، وضمان التلاحم والتضامن الاجتماعيين من خلال منع فئة من المكلفين من المطالبة باستعادة قيمة الضريبة التي يدفعونها على شكل نفقات تخصص لهم، فإنّ مبدأ الشيوع عرف تدريجيا عددًا من الاستثناءات. فمع تطور علم الماليّة العامّة وتزايد حاجة الدولة لتوجيه الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، كان لا بدّ من مخالفة مبدأ الشيوع في أمور أبرزها تخصيص إيرادات لسدّ الدين العام، أو تخصيص واردات للإنفاق على حاجات اجتماعيّة واقتصاديّة وذلك من أجل الحدّ من الغضب الشعبيّ الناتج عن ضرورة رفع الضرائب من أجل تمويل هذه النفقات، وإعطاء المؤسسات العامة الاستثماريّة استقلاليّة ماليّة تمكّنها من إعداد موازناتها بشكل مستقلّ وتخصيص وارداتها لتلبية نفقات خاصة فيها، وتخصيص الهبات والمساهمات المشروطة.
بالتالي، فإنّ فرض رسم خاص يستوفى لصالح المجلس الوطني للسلامة المروريّة يدخل ضمن المخالفات لمبدأ الشيوع إذ إنّه يعمد إلى خلق رسم معيّن يضاف إلى رسوم السير من أجل تمويل نفقات المجلس الوطني للسلامة المروريّة دون غيره. وبالرغم من ضرورة تفعيل هذا المجلس الذي توقّف عن الالتئام منذ ستة سنوات بحسب ما أعلنت جمعيات السلامة المروريّة في بيان لها مطلع سنة 2025[1]، فإنّه لا بدّ من إعادة النظر في تخصيصه بواردات معيّنة على ضوء ما تقدّم، سيّما وأنّ الاستثناءات على مبدأ الشيوع التي يمكن أن تبرر هذا التخصيص تنسحب أيضًا على كافة المجالس والهيئات في الدولة التي تعاني كلّها من شحّ الموارد الماليّة جرّاء ما تعانيه الموازنة العامة من تقشّف مقصود يؤدي إلى تعطيل وظائف الدولة الحيوية. وبالتالي، فإنّ ما يصيب المجلس الوطني للسلامة المروريّة لا يشكّل حالة فرديّة تستوجب معالجة خارجة عن إطار المبادئ العامة للموازنة، بل تأتي ضمن إطار الأزمة الكبرى اللاحق بجميع قطاعات الدولة، وبالتالي فإنّ تخصيص هذا المجلس بمعالجة خاصة استثنائيّة قد يعتبر تمييزًا بالنسبة إلى القطاعات العامة الأخرى التي تعاني من المشكل نفسه، كما أنّ تعميم هذه المعالجة الاستثنائيّة على كافة القطاعات يؤدّى بطبيعة الحال إلى تفتيت الموازنة العامّة وضرب أصول إدارة الأموال العامة.
ولا بدّ من التذكير أن المجلس الدستوري في لبنان أقرّ بالاستثناءات التي طرأت على مبدأ الشيوع لكنه وضع ضوابط لها إذ اعتبر أن "الخروج عن مبدأي الشمول والشيوع هو من الممارسات الدارجة (...) إلا أن ما لا يجوز هو تخصيص بعض الواردات أو قسم منها لنفقات معينة دائمة" (قرار رقم 3 تاريخ 15/7/2002).
وقد كرر المجلس الدستوري موقفه هذا في قرار حديث له فأعلن " أن مبدأ الشيوع، أي عدم التخصيص واردات معينة لتغطية نفقات معينة، يرتبط بمفهوم الدولة كونها كياناً سياسياً وقانونياً موحداً وجامعاً، وما يتوافر من موارد يجب أن تكون موارد مشتركة لتحقيق المنفعة العامة"، مضيفا أن "مبدأ الشيوع هو القاعدة، والاستثناءات عليه محدودة جداً، فيجري في بعض الحالات تخصيص ضرائب ورسوم لتغطية نفقات ذات صلة بالأمور التي فرضت عليها هذه الضرائب والرسوم تحديداً، أو نفقات تتعلق بالتنمية المحلية، كالضرائب والرسوم المجباة لصالح البلديات، على سبيل المثال، أو تخصيص بعض الرسوم لتسديد دين عام"، علما أن ما حتّم هذا الأمر هو "تطور مفهوم الدولة ووظائفها المتزايدة الذي قضى بالخروج على هذا المبادئ التقليدية تلبية لحاجات هذا التطور، ما يفسر لجوء الدولة، وتحديداً السلطة المشترعة الى اقرار قوانين تتجاوز هذه المبادئ" (قرار رقم 1 تاريخ 5 كانون الثاني 2023).
ويستشف من هذا القرار أن الخروج عن مبدأ الشيوع في بعض الحالات هو تدبير جائز في حال وجود صلة بين الضرائب والرسوم المستحدثة وبين موضوع الضريبة أو الرسم. وهكذا يتبيّن أنّ الاقتراح الحالي، صحيح أنه يخصص بشكل دائم موارد معيّنة لتمويل المجلس الوطني للسلامة المروريّة، لكنه يربط بين الرسم الجديد ووجهة إنفاقه، أي أنه يوجد صلة بين الرسم الإضافي على رسم السير السنوي وتمويل المجلس الوطني للسلامة المرورية بحيث يمكن القول أن مخالفة مبدأ الشيوع قد تكون مبرّرة لهذه الناحية.
في الخلاصة، لا شك أن تفعيل الأجهزة المختلفة التي استحدثها قانون السير الجديد هو ضرورة ملحة لا سيما مع ارتفاع عدد ضحايا حوادث السير في لبنان. لكن ذلك لا يتم فقط من خلال تخصيص موارد إضافية بل أيضا عبر تفعيل عمل المجلس الوطني للسلامة المرورية وتمكين الدولة من الانفاق مباشرة بغية حماية المجتمع عبر تنمية البنية التحتية المتعلقة ليس فقط بالطرقات العامة ولكن أيضا ،وسائل النقل المشترك.
[1] الاجتماع الاول لجمعيات السلامة المرورية: لتكن على سلّم أولويات العهد الجديد، الوكالة الوطنية للإعلام