ملاحظات حول مشروع قانون لمعالجة النفايات الصّلبة: إعمال مبدأ "الملوّث يُدفع"
26/09/2025
ورد على جدول أعمال الجلسة التشريعيّة المرتقبة لمجلس النواب في 29/9/2025، مشروع قانون يرمي إلى تعديل المادة 28 من القانون رقم 80 تاريخ 10/10/2018 (مصادر تمويل الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة)، بعد أنّ أقرّته لجنة المال والموازنة النيابية مع تعديلات بسيطة في 24/9/2025. ويُشار إلى أنّ المشروع قد تمّ إحالته إلى لجنتيّ البيئة والدفاع الوطني والداخلية والبلديات، ولم تحصل مناقشته بصورة رسمية فيهما حسب معطيات المرصد البرلماني.
ويهدف المشروع إذًا إلى تعديل المادة 28 من قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة التي تنص على مصادر تمويل الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، بهدف إضافة بنديْن جديديْن إليها: أولهما، استحداث رسم خدمة جمع النفايات الصّلبة تستوفيه الإدارات المحليّة، ليكون موردًا لتأمين موارد مالية لإدارة النفايات، والثاني هو استحداث ضريبة بيئية على قيمة المنتج يعود إلى الخزينة العامة. وقد انطلق المشروع في أسبابه الموجبة من مبدأين:
- مبدأ "الملوّث يدفع" المنصوص عليه في المادة الرابعة من قانون حماية البيئة، ما يقضي بأن يتحمّل الملوث "تكاليف التدابير الوقائية ومكافحة التلوّث وتقليصه"، على اعتبار أن النفايات الصلبة هي أحد أوجه التلوث. وقد تترجم هذا المبدأ من خلال تحديد الرسم المحلي وفق مدى إسهام المنشأة في إنتاج نفايات، وأيضا من خلال تحديد الضريبة البيئية على المنتجات بالتناسب مع كميّة ونوعية النفايات المنتجة خلال تصنيعها أو من جرّاء استخدامها.
- مبدأ اللامركزية الإدارية في إدارة النفايات، مما يفرض تمكين البلديات من زيادة مواردها من خلال استحداث الرسم المحلي مع تكليف المؤسسات بمبالغ تزداد بقدر ما تزداد مساهمتها في التسبب بالنفايات.
وتجدر الإشارة بداية إلى أنّ هذا المشروع ليس الأوّل من نوعه. فقد سبقه مشروع قانون أحيل بموجب المرسوم رقم 12526 في تشرين الثاني 2023 بالإضافة إلى اقتراح قانون سابق قدمته كتلة القوات اللبنانية في كانون الأول 2022. وقد خصصت "المفكرة القانونية" مقالا مفصّلا حول هذين المقترحين، تناولت فيه مضمونهما، إضافة إلى النقاشات النيابية الجارية في لجنة البيئة حول المشروع.
ومن المفيد الإشارة في هذا السياق إلى مضمون هذه النقاشات، التي اعتبرتها المفكرة القانونية ذرائع "لإعاقة مشروع القانون أو في مركزة معالجة النفايات مجدّدا (كما حصل في العقود الماضية) انطلاقا من ذرائع قانونية وواقعية، لا تصمد أمام أي جدل جدي". ونتبيّن عند التدقيق في مضمون المشروع الجديد الذي أقرّته الحكومة في 9/9/2025، أنه يهدف إلى تخطّي هذه الحجج/ الذرائع لإعاقته ومعالجة الثغرات الواردة فيه.
فلئن لقي المشروع القديم انتقادات لجهة حصر استيفاء الرسم المحلي بالبلديات على خلفية أن نسبة 40% من القرى اللبنانية لا يوجد فيها بلديات، عمد المشروع الجديد إلى التأكيد على صلاحية المحافظ والقائمقام في هذا المجال عند قيام كلّ منهما بدور الإدارة المحليّة. وعليه، سيكون على القائمقام أن يستوفي الرسوم عن القرى التي لا بلديات فيها وسيكون على المحافظ أن يفعل ذلك في البلديات التي تكون مجالسها مستقيلة أو منحلّة.
ولئن لقي المشروع القديم انتقادا آخر على خلفية تخصيص الرسوم لحاجات معالجة النفايات بما يخالف مبدأ شيوع الموازنة العامة، فإن المشروع الجديد اكتفى بالتأكيد على دور البلديات في معالجة النفايات وعلى استحداث الرسم المحلي، من دون الربط بين المهمة والمورد. أما فيما يتصل بالضريبة البيئية على قيمة المنتج، فقد اكتفى المشروع بأن فوّض للحكومة تحديد أصول استعمال هذه الأموال وتخصيصها للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة. بمعنى أنه سمح بالتخصيص من دون أن يكرّسه. وهنا من المهم التوضيح أن المجلس الدستوري كان أجاز في قرار حديث العهد 1/2023 تخصيص مورد لنفقة معينة، في حال وجود ارتباط بينهما، وهو الارتباط الثابت بين فرض رسم انطلاقا من مبدأ “الملوث يدفع” ومعالجة النفايات الصلبة وما قد يتولد عنها من تلوث. وقد رأى المجلس الدستوري في قراره المذكور "أن مبدأ الشيوع هو القاعدة، والاستثناءات عليه محدودة جدا، فيجري في بعض الحالات تخصيص ضرائب ورسوم لتغطية نفقات ذات صلة بالأمور التي فرضت عليها هذه الضرائب والرسوم تحديدا، أو نفقات تتعلق بالتنمية المحلية، كالضرائب والرسوم المجباة لصالح البلديات، على سبيل المثال، أو تخصيص بعض الرسوم لتسديد دين عام، وحيث أن تطور مفهوم الدولة ووظائفها المتزايدة قضى بالخروج على هذه المبادئ التقليدية تلبية لحاجات هذا التطور، ما يفسّر لجوء الدولة، وتحديدا السلطة المشترعة إلى إقرار قوانين تتجاوز هذه المبادئ”. وقد شدد المجلس الدستوري على جواز الخروج عن هذه القاعدة في مجمل الحالات التي يكون فيها الرسم ذات صلة بالإنفاق الذي يخصص له، كتخصيص إيرادات بعض المؤسسات العامة ذات الطابع الاستثماري كالهاتف والكهرباء والمياه لنفقاتها الخاصّة، أو استعمال إيرادات مطعم المدرسة الفندقية لشراء المواد اللازمة للمطعم، أو استعمال إيرادات اليانصيب الوطني لمشاريع اجتماعية، أو استعمال رسم الخروج على المسافرين بطريق الجو وكذلك جميع الرسوم والواردات الأخرى لمطار بيروت الدولي على أنواعها لتوسيع وتطوير المطار والطرق المؤدّية إليه”.
توصيات:
من المهم جدا إقرار المشروع نظرا لما يوفره من موارد للدولة والبلديات لمعالجة النفايات، وخصوصا أنه ينبني على عدالة ضريبية تتمثل في إعمال مبدأ الملوث يدفع. لكن يجدر تعديل أمرين: أولا، إلغاء صلاحية مجلس الوزراء في تعديل الرسوم لكونه يشكل إخلالا غير مبرر بمبدأ قانونية الضريبة (م.83) إذ يكون للمشرع أن يعدل قيمة الرسوم في حال طرأت أي حاجة إلى ذلك، وثانيا، استبدال كلمة "بدلات" الواردة في المشروع برسوم عملا بالدقة القانونية.