ماذا بعد اعتبار قانون الهيئة التعليمية غير نافذ؟ البرلمان يعدّل قانونًا ليس كذلك

فادي إبراهيم

22/05/2025

انشر المقال

أصدر المجلس الدستوري في تاريخ 20/5/2025 قراره رقم 4 المتعلق بالطعن بالقانون النافذ حكما رقم 2 الصادر في 3 نيسان 2025 المتعلق بتنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وتنظيم الموازنة العامة. وقد خلص المجلس الدستوري في قراره إلى اعتبار القانون المطعون فيه غير نافذ لأن إجراءات إصداره لم تراعَ أصولا، ولم تنقضِ مهلة الشهر الممنوحة لرئيس الجمهورية من أجل إصداره.

بالمقابل، يتبيّن أنّ القانون رقم 5/2025، والذي نُشر في الجريدة الرسمية في 16/5/2025 والمتعلّق بالموضوع نفسه، والذي جاء بنتيجة اتّفاق وتسوية بين المدارس الخاصة والمعلّمين، جاء ليعدّل أحكام القانون الذي أعلن المجلس الدستوري لاحقا عدم نفاذه، فضلا عن أنه يلغي بعضا من مواده. وعليه، بتنا أمام حالة استثنائية، قد تكون غير مسبوقة، بحيث تمّ تعديل بعض مواد قانون وإلغاء بعضها الآخر، قبل أن يُعلن عدم نفاذ القانون المذكور. يطرح هذا الأمر تساؤلات عدّة حول مصير نفاذ القانون الجديد الذي يعدّل مواد قانونية لم تعد موجودة.

إشكاليات متعدّدة في القانون

بالاطّلاع على نصّ القانون 5/2025، نجد حالات مختلفة في مواده قد تؤثر على مدى نفاذ كلّ منها بطريقة مغايرة. فيوجد العديد من النصوص في القانون الجديد تعدّل موادا أقرّت في القانون المعلن عدم نفاذه، وإن احتوتْ موادّ أخرى عدلّت نصوصًا قديمة (قانون العام 1956).

وبالفعل، تلغي المادّة الأولى من القانون الجديد المادة الأولى من القانون المعلن عدم نفاذه المتعلّقة باقتطاع المحسومات من الرواتب شهريا، والأمر نفسه يتعلّق بالمادة الثالثة المتعلّقة بالنسبة المقتطعة. وعليه، يُمكن أن يتصوّر المرء أنّ هذه المواد باتت من دون قيمة فعلية كون النصوص التي تلغيها اعتبرت غير نافذة. ولكن ماذا لو أعيد نشر القانون المعلن عدم نفاذه؟

وإذ يُمكن التفريق بين مادة وأخرى بالنظر إلى نفاذها من عدمه، فإنّ هذه التفرقة لا تجسّد سوى حالة الفوضى التي سيخلقها قرار المجلس الدستوري في هذا الصدد، مع ما يستتبعه من تهديد لحقوق الأساتذة والطلّاب وفق التفسيرات المختلفة التي ستخرج عن هذه الحالة الاستثنائية غير المسبوقة.

فأّي تقاعس تشريعي عن معالجة هذا الخلل، سيؤدّي إلى عدم تطبيق أيّ من هذه النصوص خصوصا في ما يتعلّق بالحقوق الممنوحة للأساتذة وحرمانهم منها، مقابل زيادة فُرضت أصلا على الطلّاب والأهالي على الأقساط.

فرصة لمعالجة الخلل

بالاطّلاع على القانون 5/2025، نجد أنّه نصّ على أنّ أحكامه لا تكون نافذة قبل 1/10/2025. وعلى الرغم من أنّ آثار هذا القانون بدأت فعليا بالانعكاس زيادة على الأقساط المدرسية، فإنّ هذه المهلة تمنح المجلس النيابي فرصة لإيجاد حلّ تشريعي سريع للمعضلة، لا بل توجب على المجلس فعل ذلك.

وبالاطّلاع على التجارب التاريخية الشبيهة، وعلى الرغم من أنّه لم يمرّ حالة بهذا التعقيد في تاريخ التشريع اللبناني، يتبيّن وجود حالة قريبة عندما أقرّ المجلس النيابي في 14 حزيران 1983 قانونا يجيز للحكومة إبرام اتفاق 17 أيار لكن رئيس الجمهورية أمين الجميل ولأسباب شتّى قرر عدم إصداره. إذ لم يكن ينص الدستور حينها على اعتبار القانون نافذا حكما في حال لم يوقعه رئيس الجمهورية خلال المهلة الدستورية. وهكذا ظل هذا النص عبارة عن قانون معلق جرى إقراره من دون إصداره إلى حين إقرار قانون جديد صدر في 15 حزيران 1987 نص في مادته الأولى على إلغاء "القانون الصادر عن مجلس النواب بتاريخ 13/6/1983 والذي أجاز للحكومة إبرام الاتفاق المعقود بين الجمهورية اللبنانية وحكومة إسرائيل بتاريخ 17 أيار 1983". 

وهكذا يتبين أنّ المجلس النيابي ألغى حينها نصّا غير نافذ لم يكن تم إصداره. وهذا ما يظهر بشكل جلي في الصيغة التي اعتمدها قانون الإلغاء إذ أشار إلى إلغاء "القانون الصادر عن مجلس النواب" مع تحديد تاريخ الجلسة التي أقر فيها القانون وهو أمر غير مألوف كون مجلس النواب لا يصدر القوانين دستوريا وأن تاريخ القانون هو تاريخ توقيعه من رئيس الجمهورية وليس تاريخ إقراره في مجلس النواب ما يؤشّر بشكل واضحٍ إلى أنّ المجلس كان يعلم أنه في صدد إلغاء قانون لم يصدر، أي أنه يلغي إقرار القانون. 

انعكاس للفوضى التي سبّبها ميقاتي

هذه الحالة الاستثنائية، ليست سوى انعكاس للفوضى التي رافقت إصدار القانون عندما رفض رئيس مجلس الوزراء السابق نجيب ميقاتي نشره. وكان مجلس الوزراء قد اتّخذ في 19 كانون الأول قرارا بإصدارها وكالة عن رئيس الجمهورية ومن ثم عاد واتخذه قرارا ثانيا بتاريخ 12 كانون الثاني 2024 بإعادة القوانين إلى مجلس النواب من أجل إعادة النظر بها. وتبعا للطعن المقدم على هذا القرار الأخير، اتّخذ مجلس شورى الدولة قرارا بوقف تنفيذ مراسيم الردّ، الأمر الذي دفع رئاسة الحكومة للطلب من مجلس النواب بتاريخ 3 حزيران 2024 استرجاع تلك القوانين من أجل نشرها. إلا أنّ الأمانة العامّة للمجلس النيابيّ لم تستجبْ لهذا الطلب إلا في 28 آذار وذلك مع الحكومة الجديدة، وقد سارعت الحكومة بعد ذلك إلى نشرها بعد اعتبارها نافذة حكمًا ما يعني أنها صدرت من دون توقيع رئيس الجمهورية.