لجنة الإدارة والعدل تستجيب لرئيس الجمهورية: إلغاء الصلاحية الخارقة للنائب العام التمييزي
17/12/2025
دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى جلسة تشريعية يوم الخميس في 18/12/2025، وذلك لمتابعة درس مشاريع واقتراحات القوانين التي كانت مدرجة على جدول أعمال جلسة 29 أيلول 2025.
وفي حين لم يكن المرسوم المتعلّق بإعادة قانون بتنظيم القضاء العدلي مدرجًا على جدول أعمال الجلسة عند الدعوة إليها يوم الإثنين، وضِع جدول أعمال معدّل مساء يوم الأربعاء ضمّ ثلاث بنود جديدة منها المرسوم المذكور.
وكانت لجنة الإدارة والعدل قد أقرّت في تاريخ 9/12/2025 المرسوم المتعلّق بإعادة قانون بتنظيم القضاء العدلي رقم 1105 تاريخ 5/9/2025. ويُلحظ أن مرسوم الإعادة كان أحيل إلى اللجنة في تاريخ 10/9/2025، إلا أن رئيس لجنة الإدارة والعدل انتظر قرابة شهرين قبل وضعه على جدول أعمالها لأوّل مرّة.
وفي التفاصيل، أعادت رئاسة الجمهورية قانون القضاء العدلي إلى مجلس النواب بعد إطلاع الحكومة على مضمونه عملا بالمادة 57 من الدستور. وإذ يستشفّ من الرئاسة أنّها غير راضية بصورة كبيرة عن مضمون القانون، فإنّ التدقيق في الأسباب الواردة لاحقًا في مرسوم الردّ يظهر أن ملاحظاتها الجوهرية اقتصرت على 3 نقاط: (1) منح النائب العام التمييزي صلاحية إعطاء تعليمات بكفّ التعقبات في ملفات قيد النظر و(2) حق الطعن أمام القضاء الإداري (والذي وصفته الرئاسة بصورة لافتة بالقضاء الطبيعي) في القرارات القضائية ومداه و(3) مسألة جعل التشكيلات نافذة في حال تأخر إصدار مرسوم التشكيلات القضائية؛ في حين أن سائر ملاحظاتها هي ذات طابع شكليّ.
والواقع أنّ أيّ مراقب معقول لمسار القانون وكيفية إقراره في الهيئة العامة يسجّل وجود مخالفات كبرى مسّت ما يفترض أن تكون عليه العملية التشريعية، وخصوصًا في قضية اجتماعية حيوية مثل استقلالية القضاء. إلا أن هذه المخالفات الكبرى لم تذكر إطلاقًا في متن الردّ. كما أن رئيس الجمهورية لم يتناول قط مسألة تكوين مجلس القضاء الأعلى علما أن الصيغة التي انتهت إليها لجنة الإدارة والعدل وأقرت في القانون الذي تم ردّه قد أفقدت هذا المجلس ضمانات استقلاليته من خلال زيادة عدد القضاة الحكميين الذين يعينون من قبل مجلس الوزراء من 3 إلى 4 وتخفيض عدد المنتخبين وفق مشروع قانون الحكومة من 5 إلى 4.
ويذكر أن تقرير لجنة الإدارة والعدل جاء مقتضبًا حيث لم يحدد ماهية التعديلات التي تمّ إجراؤها على ضوء الملاحظات الرئاسية.
وفي حين نشرت "المفكرة القانونية" ملاحظاتها المفصّلة حول قانون تنظيم القضاء العدلي كما أقرّته الهيئة العامّة في 31 تموز، سنتناول هنا التعديلات الأساسية التي أجرتها لجنة الإدارة والعدل على ضوء ملاحظات الرئاسة. وقبل المضي في ذلك، تجدر الإشارة إلى أن استجابة اللجنة لملاحظات الرئيس انتهت إلى تحقيق خطوتين إلى الأمام في مجال صلاحيات النيابة العامة التمييزية وإعلان أحقية القاضي في الطعن في القرارات الفردية المتصلة بمساره المهني وفي نتائج تقييمه أمام القاضي الطبيعي (مجلس شورى الدولة). هاتان الخطوتان الإيجابيتان لا تنسينا التراجع الحاصل على صعيد تركيبة مجلس القضاء الأعلى ولا اشتراط توفر غالبية معززة (7 من أصل 10 أعضاء) لدى مجلس القضاء الأعلى لحسم التشكيلات القضائية في أي تنازع مع السلطة السياسية.
التعديلات الأساسية
- التراجع عن تضخيم صلاحيات النائب العام التمييزي:
لعلّ أبرز النقاط التي عالجتها اللجنة، هي مسألة منح النائب العام التمييزي إمكانية توجيه تعليمات إلى أعضاء النيابة العامة بإسقاط التعقبات، وهو الصلاحية التي اعتبرتها المفكرة القانونية تضخيمًا غير مسبوق لصلاحيات النائب العام التمييزي ومدخلًا لتعميم الإفلات من العقاب.
وإذ رأى رئيس الجمهورية في ردّه أنه يقتضي حذف هذه الصلاحية من خلال شطب العبارة الواردة في المادة 42 "بما فيها طلب كفّ التعقبات في ملفّ قيد النظر"، من دون أيّ تعليل، استجابتْ اللجنة بإجماع أعضائها لملاحظة الرئاسة، معلنةً موافقتها على إلغاء هذه الصلاحية. ويُذكر أنّ هذه العبارة كانت أُضيفت إلى الاقتراح في ربع الساعة الأخير، ولم يردْ أيّ ذكر لها في أيّ من صيغ الاقتراحات الثلاثة السابقة التي كانت وضعتها لجنة الإدارة والعدل في 2021 و2023 ولا في مشروع القانون. وقد أتت لتمنح النائب العام التمييزي صلاحية خارقة قوامها إعطاء الأوامر لأيّ من أعضاء النيابة العامّة بكفّ التعقّبات في أيّ جريمة، في تناقض كامل مع فلسفة القانون والمادة 42 منه التي وُضعت لتقليص نفوذ النائب العام التمييزي وتعزيز استقلالية أعضاء النيابة العامة عبر اشتراط أن تكون التعليمات الموجّهة منه إلى هؤلاء خطيّة ومعلّلة.
- ضمان حقّ القضاة في الطعن في القرارات الفردية والتنظيمية للهيئات القضائية… جزئيًّا
المسألة الثانية التي عالجتها اللجنة تتّصل بوجوب ضمان الطّعن أمام القاضي الإداريّ في القرارات الصّادرة في سياق تنظيم القضاء. فقد ورد حرفيا في كتاب الردّ الرئاسي "وبما أن القانون المطعون فيه تضمن أحكاما يقتضي فيها إعطاء الصلاحيات للقاضي الإداري، القاضي الطبيعي للنظر في القرارات الإدارية، كما يقتضي عدم تضييق هذه الصلاحية وحصرها في مراقبة صحة الوقائع بل يقتضي الإبقاء هنا على المبادئ والقواعد والأصول المعمول بها لدى القضاء الإداري". ويلحظ هنا أنها إحدى المرّات القليلة التي يتمّ فيها ذكر مفهوم القاضي الطبيعيّ، أي القاضي المختصّ وفق النظام اللبنانيّ للنظر في قضايا كهذه.
وإذّ تقتضي هذه الملاحظة إجراء عدد من التعديلات في النص، أهمها تعديل المادة 21 بشأن حقّ الطعن في القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى (2)؛ وتعديل المادة 143 بشأن فتح باب الطعن في نتائج التقييم (2)؛ وتعديل المادة 97 بشأن منح القاضي إمكانية الطعن أمام مجلس شورى الدولة في القرارات التأديبية الصادرة بحقه (3)- وهذا ما أكده المجلس الدستوري رقم 5/2000 تاريخ 27/06/2000؛ وتعديل المادة 102 بشأن الطعن في قرار عدم الأهلية (4)؛ اكتفت لجنة الإدارة والعدل بتعديل المادة 21 من النصّ والمادة 143 مع إبقاء الطعون على القرارات التأديبية على حالها.
وفي التفاصيل، عمدت اللجنة في اتّجاه إيجابي إلى حذف العبارة من المادة 21 التي تنصّ على حصر الطعن في القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء الطعن أمام مجلس شورى الدولة فقط في "النظر بشرعية الأعمال دون ملاءمتها في أي حال من الأحوال ومهما كانت الأسباب". كما عدّلت المادة 143 في اتجاه السماح للقاضي الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار رفض هيئة التقييم طلب المراجعة المقدّم منه على بطاقة الأداء. هذا ويمكن للقاضي مراجعة مجلس شورى الدولة في حال حصوله على أدنى درجة تقييم. ويشكل هذان التعديلان من دون ريب تطوّرًا إيجابيّا لتمكين القاضي من مواجهة تعسف الهيئات القضائية بحقه.
التشكيلات القضائية
أحد أهم الإصلاحات في مشروع القانون تمثلت في جعل التشكيلات القضائية التي يضعها مجلس القضاء الأعلى نافذة في حال عدم صدور مرسوم التشكيلات من السلطة السياسية خلال 45 يوما من إيداعها لدى وزير العدل، وإن كان من الأفضل إلغاء شرط إصدارها بمرسوم.
وبصورة مفاجئة، طلب رئيس الجمهورية في رده القانون، توضيح ما إذا كان هذا الحكم الوارد في هذه المادة يقتصر على الحالة التي يتخذ فيها المجلس الأعلى للقضاء قراره بأكثرية سبعة من أعضائه أم أنه يشمل أيضا الحالة التي يكون اتخذ القرار فيها بأغلبية خمسة أو ستة من أعضائه لعدم حصول اختلاف بينه وبين وزير العدل، إذ أن عبارة "في جميع الأحوال" تدلّ على هذا الشمول.
والواقع أن اعتراض الرئيس لم يكن هنا في محله، للسببيْن الآتيين:
- إن المشرع كرّس منذ العام 2001 مبدأ السلطة المقيدة في شأن توقيع مرسوم التشكيلات القضائية. بمعنى أنه في مطلق الأحوال يتعين على الوزراء المختصين ورئيسي الجمهورية والحكومة توقيع مرسوم التشكيلات الذي يصبح نهائيا وملزمًا فور موافقة مجلس القضاء عليه. وسادت منذ ذلك الحين ممارسة شاذّة أدّت إلى إجهاض الأغلبية الكبرى لمشاريع التشكيلات القضائية المتعاقبة بفعل رفض أحد الوزراء المختصّين أو رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية توقيع المرسوم. وعليه، كان من المهم جدا إلغاء شكلية المرسوم تمكينًا لمجلس القضاء الأعلى من أداء دوره ومنعًا لتعطيل القضاء لغايات وحسابات سياسية.
- ومن المهم بمكان أن تنطبق القاعدة على مجمل مشاريع التشكيلات القضائية، سواء حصل وضعها بوفاق مع وزير العدل أم بخلاف معه بعدما حسمها مجلس القضاء الأعلى بأكثرية سبعة من أعضائه. ففيما يكون لمشروع التشكيلات مشروعية هامة في حال حسمها بغالبية 7 أعضاء في مواجهة وزير العدل، فإنه يكون له أيضا مشروعية متساوية في حال التقاء إرادة أغلبية أعضاء مجلس القضاء الأعلى مع إرادة وزير العدل والتوافق بينهما.
ورغم ذلك، استجابت لجنة الإدارة والعدل لملاحظة رئيس الجمهورية، بأن اشترطت بأن يعود مجلس القضاء الأعلى ويتخذ قرارا ثانيا بأكثرية سبعة من أعضائه، ليس فقط في حال الخلاف مع وزير العدل ولكن أيضا في حال الاتفاق بين وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى في حال لم يصدر المرسوم خلال مهلة 15 يوما من حصول الاتفاق. وهذا الأمر ينقلنا إلى مسألة أخرى أثارها عدد من النواب من دون أن يتم قبولها، وهي تتصل بوجوب تخفيض الغالبية المطلوبة لتجاوز أي اعتراض قد يرد من وزير العدل على المشروع، من غالبية 7 أعضاء إلى غالبية 6 فقط عملا برأي لجنة البندقية، منعا للتّعطيل. وقد أيّد وزير العدل هذا الطرح. إلا أن اللجنة تجاهلت هذه الملاحظة وأبقت على غالبية ال 7 أعضاء، وهي غالبية قد يبدو من الصعب تحقيقها في أغلب الظروف، وخصوصًا في ظلّ تشكيلة مجلس القضاء الأعلى كما رست عليها الصيغة الأخيرة لمقترح القانون كما سبق بيانه.