تقرير المجلس النيابي 2018-2022: مجلس الأزمات الكبرى

نسعى في هذا التقرير إلى تقييم نتاج المجلس النيابي من جوانبه المختلفة خلال ولايته 2018-2022. ويأتي هذا التقرير كتتمّة لتقاريرنا السابقة بشأن نتاجه في سنوات 2019 و2020 و2021.

المفكرة القانونية

27/09/2022

نسعى في هذا التقرير إلى تقييم نتاج المجلس النيابي من جوانبه المختلفة خلال ولايته 2018-2022. ويأتي هذا التقرير كتتمّة لتقاريرنا السابقة بشأن نتاجه في سنوات 2019 و2020 و2021. وقد حاولنا في هذا التقرير الذي يجسّد مرحلة متقدّمة من عملنا الرصدي الإضاءة على عمل الهيئة العامة واللجان والكتل والنواب، كمّاً ونوعاً، مع الاكتفاء غالباً بالإحالة إلى تحليل أكثر شمولية لمضمون بعض الاقتراحات والقوانين تفادياً لإغراق التقرير بمسائل تقنية. 

وفي حين بقيتْ هذه الولاية بمثابة تكرار لولايات المجلس السابقة بقيادة الرئيس نفسه (نبيه بري) ووفق النهج نفسه (اللا علانية لجلسات اللجان والغموض في التصويت ومحدودية أعمال الرقابة أو المُساءلة وشركة المجلس المتفلّتة من أي نظام)، فإنّ ما يميّزها هو أنّها شهدتْ ظروفاً متغيّرة تماماً، تمثلت في الأزمات السياسية والمالية والاقتصادية والصحية. وعليه، يحاول التقرير أنْ يبيّن تواصل النهج التقليدي داخل المجلس ليحدّد من ثمّ تأثيرات هذه الأزمات عليه. وما يزيد هذا التساؤل أهمية هو أنّ المجلس تحوّل خلال فترة حكومة حسّان دياب (وهي الحكومة المكوّنة عموماً من أصحاب الاختصاص) المنبر الأساسي للقوى السياسية المهيمنة لتجاوز النقمة الشعبية ضدّها تبعاً للانهيار المالي وإعادة تكريس شرعيتها. فكيف تعاملت أجهزة البرلمان مع هذه الأزمات؟ وكيف تعاملت القوى الكبرى فيه معها؟ وهل تباينت فيما بينها في هذا الخصوص؟ وما هو نتاجها كمّاً ونوعاً؟

أسئلة كثيرة سنطرحها تفصيلياً في أقسام أربعة نخصّصها تباعاً للهيئة العامة واللجان النيابية والكتل والنواب، لنستخرج في كل قسم الخلاصات ذات الدلالة، قبلما نبدي الخلاصات العامة حول أداء هؤلاء خلال هذه الولاية.    

 وقبل المضيّ في عرض نتائج الرصد التي توصّلنا إليها، يقتضي التذكير بثلاثة أمور: 

أولاً، الصعوبات التي تواجه أيّ عمل رصدي أو بحثي في هذا المجال، في ظلّ سواد ثقافة غير صديقة للشفافية. ولعلّ أكبر هذه التحديات تمثل في سرّية المداولات في جلسات اللجان التي لا يعرف عنها إلّا ما ينشر في محاضرها وغياب محاضر الهيئة العامة والغموض الذي يكتنف تصويت النواب في الهيئة العامة وأخيراً، وهذا هو الأهمّ، الإخلال المُنتظم لقواعد النظام الداخلي للمجلس. وتبعاً لهذا الإخلال، ظهرت خلال رصدنا شتّى أنواع الاستثناءات، ممّا جعل من غير الممكن أحياناً افتراض واقعة غير معروفة من واقعة معروفة (Syllogism). يضاف إلى ذلك تراجع وتيرة النقاشات ومستواها في الهيئة العامة في ظلّ إدارة تميل إلى تسفيه النقاشات الجدية أو إلى القفز فوقها من خلال تعجيل التصويت والحسم. وقد حاولنا تجاوز هذه الصعوبات مع توضيح الأماكن التي نجحنا أو لم ننجح فيها. 

ثانياً، أنّ المجلس النيابي قد اضطر تحت وقع انتفاضة 17 تشرين ومن بعده تحت وقع ضحايا المرفأ إلى إرجاء 3 جلسات هامّة دعت قوى اجتماعية واسعة إلى مقاطعتها. وقد أبرز هذا الأمر أنّ المجلس وجد نفسه مرّات عدّة تحت ضغط حراكات شعبية وازنة (وهي حراكات غالباً ما دفعت كتلاً عدة لمقاطعة جلسات المجلس). ولم يبق تأثير الشارع على المجلس من دون تململ واسع داخله. وخير شاهد على ذلك هو خطاب نائب رئيس المجلس (سابقاً) إيلي الفرزلي الذي دعا في أكثر من مداخلة إلى رفض مقولة فقدان شرعيّة السلطة وقوّتها. وإذْ اعتبر الفرزلي في سياق مناقشة اقتراح قانون بمنع صور الزعماء والمسؤولين أنّ القوانين المستمدّة من خطاب الشعب هي “استرضاء على حساب كرامة المجلس”، رفض ما أسماه “تزاحماً في تبرئة النفس من دمّ هذا الصدّيق” معتبراً أنّ الإسراف في تبرئة الذات هو إسقاط لها، وأنّه “يؤكل الثور الأبيض يوم يؤكل الثور الأسود”.

ثالثاً، أنّ المجلس رشَح عن ازدواجية طوال ولايته. ففي حين أعلن أنّ من أولى أولوياته وضع تشريعات مكافحة الفساد، بدا في أكثر من نصف ولايته مسكوناً بهاجسيْن معاكسين تماماً: الأول، هو هاجس العفو العام الذي ورد كبند أوّل في جدول أعمال الجلسة التشريعية الأولى بعد انتفاضة 17 تشرين وعاد ليرِد كبند أساسي في ست جلسات تشريعية أخرى طوال سنة 2020، والثاني، حصانات النواب والوزراء تبعاً لقرارات المحقق العدلي في قضية المرفأ طارق بيطار باستدعاء 5 وزراء سابقين في قضية المرفأ، من بينهم 3 نواب. فقد تسبّب الهاجس الثاني في تحوير الخطاب الرسمي من خطاب حول المحاسبة إلى خطاب حول ضرورة احترام الحصانات الدستورية. ولم يتردّد البعض في وصفها بالحصانات المقدسة تماماً كما هو الدستور. كما لم تجد إدارة المجلس حرَجاً من استخدام أجهزته لدعم الحصانات وإنْ خلافاً لإرادة كتل وازنة فيه. وقد انتهى هذا الخطاب إلى مشهدية مخزية تمثلت في الحضور المنتظم للنائب علي حسن خليل في جلسات الهيئة العامة واللجان المشتركة رغم صدور مذكرة توقيف بحقه، وهو حضور جعل ممثلي الأمة كلّهم بمثابة شهود غصباً عنهم أو بإرادتهم على تمرّد السلطة التشريعية على القضاء. ولا ننسى اشتراك حرس المجلس في قمع المتظاهرين حول المجلس أو عين التينة، من دون أن يستتبع ذلك أيّ محاسبة لأيّ من عناصره أو حتى أي مسعى لإخضاعِهم لنظام واضح. 

 

لقراءة وتحميل التقرير، إضغط/ي هنا