ماذا في جلسة 17/8/2023 التشريعية؟ سيادة الوهم على عائدات النفط، ولا سيادة على المصارف

المفكرة القانونية

16/08/2023

انشر المقال

دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة تشريعية يوم الخميس 17/8/2023، وذلك لمناقشة 4 مقترحات على جدول الأعمال يتعلّق أبرزها باقتراح قانون الصندوق السيادي ومشروع قانون الكابيتال كونترول.

ستكون هذه الجلسة التشريعيّة الثالثة لمجلس النواب منذ الشغور الرئاسي. في ظل استمرار عدد من الكتل والنواب مقاطعتهم لأيّ جلسة لا يكون موضوعها انتخاب رئيس للجمهورية، وسط رفض هؤلاء للتشريع في ظل الفراغ الرئاسي. ويلحظ هنا أنّ هؤلاء النواب يستمرّون في موقفهم هذا رغم قراريْ المجلس الدستوري الحاسمين في هذا الشأن، مما يرشح عن تخلّ غير مفهوم عن المسؤولية في المشاركة في النقاشات التشريعيّة.

وإذ تشترط عدد من الكتل لحضورها حصر التشريع بالضرورة ككتلة لبنان القوي وكتلة اللقاء الديمقراطي، فإنّ عددا من الاقتراحات الطارئة وفائقة الضرورة غابتْ عن جدول الأعمال، كالاقتراح المعجّل المكرّر المتعلّق بتعديل المادة 751 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي أصبحت تخوّل أي مدّعى عليه تعطيل أي ملاحقة قضائية أو اقتراح إصدار عملات نقدية بعد انهيار قيمة العملات المتداول بها حاليا، هذا من دون الحديث عن الاستحقاقات التشريعية الكبرى التي ما تزال متأخرة سواء بما يتصل بالإصلاحات الهيكلية المالية أو استقلالية القضاء.

واللافت في هذا الصدد، الاستنسابية والتناقض اللذان وقعت بهما رئاسة المجلس وهيئة مكتبه لجهة تحديد ما هو ضروري وما هو ليس كذلك. فمشروع الكابيتال كونترول غاب عن الجلستيْن الماضيتيْن اللتيْن عنونتا بتشريع الضرورة، ليظهر الآن تحت العنوان نفسه علما أنّ مناقشته في اللجان المشتركة انتهت في شباط 2023، أي قبل انعقاد جلستي تشريع الضرورة.

وبحسب المعلومات التي أوردتها عدد من الصحف والمواقع الإخبارية، فإنّه من المتوقّع أن تُناقش من خارج جدول الأعمال عريضة نيابية متعلّقة بقضية النزوح السوري في لبنان، وذلك ردّا على التوصيات التي صدرت عن البرلمان الأوروبي في هذا الصدد. كما لا يُستبعد أن يُنظر من خارج جدول الأعمال أيضا بمشروع قد تقرّه الحكومة قبل يوم من الجلسة التشريعية، أو باقتراح معجّل مكرّر يتعلّقان بالسماح للدولة الاقتراض من مصرف لبنان بالعملات الأجنبية.

وفي إطار رصده لأعمال البرلمان، يقدّم المرصد البرلماني في “المفكرة القانونية” تعليقاته حول الاقتراحات المُفترض مناقشتها خلال الجلسة، مرفقة بنسخة عنها لتمكين الرأي العام من الاطّلاع والتّعليق عليها. كما سيحيل القرّاء إلى تغطيات منفصلة نشرها حول أبرز المقترحات المتعلّقة بهذه الجلسة.

فهرس البنود (بإمكانك التوجّه إلى أيّ بند منها من خلال الضغط عليه):

اقتراح قانون الصندوق السيادي اللبنانيبند 1
اتّفاقية بين لبنان والاتّحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بشأن الوضع القانون للاتّحاد في لبنانبند 2
إنتاج الطاقة المتجدّدة المتوزعةبند 3
الكابيتال كونترولبند 4

البند 1: اقتراح قانون الصندوق السيادي

يُعدّ الصندوق السيادي الاقتراح الأهم لهذه الجلسة وعلّة انعقادها. فبعد أشهر من الدراسة، أنهت اللجان المشتركة الصيغة النهائية للاقتراح الذي يُفترض أن "يُزفّ" للّبنانيين بعد انتهاء الجلسة وسط إجماع مبدئي على إقراره وصل إلى حدّ حثّ الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بداية خطابه في 14/8/2023 النواب على إقرار الاقتراح على اعتبار أنّه "حاجة ملحّة للبنان"، وهو تطرّق غير معهود لنصر الله للأمور التشريعية.

ونظرا لأهمّية الاقتراح، أفرد المرصد البرلماني تعليقا مفصلا على مضمونه. ومن أبرز الانتقادات هو توقيت إنشائه قبل سنوات من احتمال بدء تحصيل مداخيل النفط فضلا عن إنشاء صندوق مستقلّ في بلد مفلس مما قد يعرض مداخيل الدولة للحجز قبل دخولها إلى الصندوق. هذا فضلا عن أنه يفترض أن يخصص الصندوق 75% على الأقل من المداخيل البترولية في استثمارات في الخارج، مما سيعرضها لمزيد من مخاطر الحجز من قبل الدائنين، ويمنع إقامة مشاريع تنموية في لبنان، حيث الاقتصاد في الحضيض. هذا دون أن إنشاء صندوق في ظروف كهذه مع ادعاء أنه سيحفظ الثروة يبقى غريبا في حين سلّمت اللجنة المالية النيابية في تقريرها أن مؤسسات الدولة باتت مشرعة للهدر والمحاصصة. فما الذي يضمن أن تختلف إدارة الصندوق عن إدارة كل هذه المؤسسات، طالما أنه منشأ في إطار النظام نفسه؟

يُمكنكم الاطّلاع على تعليق المرصد البرلماني على الاقتراح عبر الرابط التالي:

الصندوق السيادي للنفط: بيع الوهم وتبديدالثروة

البند 2: اتّفاقية بين لبنان والاتّحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بشأن الوضع القانون للاتّحاد في لبنان

على جدول أعمال الجلسة التشريعية، مشروع قانون تطلب فيه الحكومة الموافقة على الاتّفاقية التي وقّعها وزير الخارجية عبدالله بو حبيب مع الاتّحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، حول الوضع القانوني للاتّحاد في لبنان. ومردّ توقيع هذه الاتّفاقية هو تقرير الاتّحاد لاتّخاذ لبنان مقرّا لمكتبه الإقليمي بهدف تنسيق مساعداته الإنسانية في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.

يتضمّن الاتّفاق تسهيلات وضمانات للاتّحاد تتعلّق بحرّية التنقّل والاتّصال والقيام بالنشاطات وحرّية المعاملات المالية، وصولا إلى إعفاء الاتّحاد ضريبيا وجمركيا. كما ويتمتّع رئيس البعثة وكبار الموظفين بحصانات، إلّا أنّه يُمكن رفعها بقرار من أمين عام الاتّحاد في أي حالة يرى فيها أنّ هذه الحصانة تُعيق سير العدالة.

يُلحظ أنّ خلال مناقشة المشروع في اللجان المشتركة، أكد ممثلو وزارة الخارجية وممثلو الاتّحاد على مراعاته لقانون مقاطعة إسرائيل، علما أنّ مواد الاتّفاق لم تلحظ ذلك. يبقى أنّ من شأن إقرار هذه الاتفاقية أن يحسّن موقع لبنان الإقليمي. 

البند 3: مشروع قانون إنتاج الطاقة المتجدّدة المتوزعة

يهدف المشروع إلى تنظيم عملية إنتاج الطاقة المتجددة ويشرّع للمرة الأولى عملية بيعها بين الأفراد أو عبر تبادل الطاقة مع مؤسسة كهرباء لبنان. ويشمل جميع أشكال إنتاج الكهرباء من مصادر بديلة عن الطاقة الأحفورية أو القابلة للنفاذ، بشرط أن لا تزيد القدرة القصوى لإنتاج الطاقة عن 10 ميغاواط عند نقطة الربط (يشمل القانون الإنتاج الموزع عبر شبكتي التوزيع والنقل). ويميز القانون بين إنتاج الطاقة وفق نظام التعداد الصافي (Net Metering)، أي إجراء مقاصة بين كمية الطاقة المورّدة إلى الشبكة العامة وبين الكمية المستهلكة من الشبكة العامة وتدوير إنتاجه لفترة 12 شهراً، وبين إنتاج الطاقة الموزّعة عبر اتفاقيات شراء طاقة (Peer to Peer). ونظرا لأهمّية الاقتراح، أفرد المرصد البرلماني تعليقا مفصلا على مضمونه تجدونه مرفق أدناه

دخول القانون في تفاصيل تقنية إنما هدف، بحسب أعضاء لجنة الأشغال إلى تجنّب قدر الإمكان، الحاجة إلى مراسيم تطبيقية يمكن أن تعيق تطبيقه لاحقاً أو تؤخره. لكن هذا لا يعني في الوقت نفسه أن التطبيق سيكون قريباً. يتوقع رئيس اللجنة سجيع عطية في حديثه للمفكرة أن لا يطبق القانون قبل سنتين، بسبب الحاجة عدد من المراسيم وإلى تحضيرات تقنية وإدارية وتنظيمية.

للاطّلاع على تعليق المرصد البرلماني على اقتراح القانون

البند 4: الكابيتال كونترول

ورد على جدول الأعمال، مشروع قانون الكابيتال كونترول الوارد من حكومة نجيب ميقاتي كما عدّلته اللجان المشتركة. وفيما يشكّل هذا المشروع مسعًى لتشريع الكابيتال كونترول غير النظامي السائد، فإنه يعتمد في عمقه نفس التوجّهات والروحية التي انبنت عليها مذّاك ممارسات المصارف بالتنسيق مع الحاكم السابق لمصرف لبنان. وأبرز هذه التوجهات حصر حقوق المودعين في سحوبات محدودة (800 د.أ شهريا) بمعزل عن أيّ خطة ترمي إلى إعادة هيكلة رساميل المصارف والتخفيف من هذه القيود (خلافا لما كانت وعدت به اللجان المشتركة في تقريرها بالذات)، في موازاة التمييز بين الودائع الفريش (الأموال الطازجة) والتي يبقى استعمالها حرا تماما والودائع الخاضعة للقيود التي يفرضها هذا القانون. وفيما يهدف الكابيتال كونترول مبدئيا إلى الحدّ من تحويل الأموال الصعبة إلى الخارج، إلا أن هذا المشروع خلا من أي ضوابط في هذا المجال بالنسبة إلى الودائع أو الأموال الفريش. 

وإذ أوجد الاقتراح لجنةً يعيّنها مجلس الوزراء للنظر في تقرير رفع قيمة السحوبات الشهرية أو استثناءات على استخدام الودائع القديمة مثل السّماح بالتّحاويل للطّبابة والتّعليم في الخارج، من المرتقب في حال إقرار مشروع القانون أن لا تنشأ هذه اللجنة أبدا أو على الأقل أن يتأخّر إنشاؤها بفعل التعطيل المؤسساتي، مما سيؤدّي إلى تقسيم أحكامه إلى قسمين: أحكامٌ تطبّق فور نفاذِه وأحكامٌ غير نافذة إلى حين إنشاء اللجنة وتحديد آليات عملها وهي أمور يرجّح أن لا تحصل قطّ. 

يتبدّى إذ ذاك أنّ المشروع المعدّل سيكون له في أحسن الأحوال مفعول محدود جدا على حقوق المودعين بالنسبة إلى ما أقرته لهم ممارسات المصارف بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. لا بل أكثر من ذلك، فهو لن يكون له أيّ مفعول لتخفيف العجز في ميزان المدفوعات والميزان التجاري الذي تمتدّ أضراره إلى المجتمع برمّته وليس فقط إلى المودعين، حيث لم يأتِ المشروع على ذكر الأموال التي تخرج بشكل مُطّرد من البلاد جرّاء عمليات الاستيراد وغيرها. إذ أن جلّ ما سيُغيّره هذا المشروع في حال إقراره هو تحرير المصارف العاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها من أي مسؤولية تجاه المودعين لديها، بما يتعدّى دفع المبالغ الزهيدة المشار إليها أعلاه، من دون أن يقترن بأيّ حماية لمنعها من تهريب أموالها وموجوداتها، أو لاسترجاع ما هرّبته أصل. وبذلك، وإذ ينحاز مشروع القانون إلى المصارف مسهّلا عليها تهريب أموالها بغياب أي قانون لإعادة هيكلتها، فإنّ من شأن أيّ تساهل مماثل أن يعزّز مواقف المطالبين بتحميل الدولة مسؤولية تسديد الودائع في ظلّ غياب أي مسؤول آخر.

للاطّلاع على تعليق المرصد البرلماني المفصّل حول هذا المشروع:

الكابيتال كونترول إلى الواجهة مجدّدًا: تشريع ممارسات المصارف في موازاة تحريرها من القضاء؟