تسليع لبنان في اقتراحات 3 كتل نيابية كبرى

لين أيوب , نزار صاغية

12/04/2024

انشر المقال

تمّ تسويق فكرة تخصيص أصول الدولة من أجل سدّ فجوة الخسائر المالية منذ بدء الأزمة. وقد تجسّدت هذه الفكرة بشكل خاصّ في الخطّة البديلة التي أعدّتها جمعيّة المصارف في 2020 ردًّا على الخطة الحكومية للإصلاح المالي والاقتصادي في إطار المفاوضات التي جرت آنذاك مع صندوق النقد الدوليّ. وقد عادت هذه الفكرة لتبرز مؤخرًا إلى حدّ الطّغيان في مواجهة محاولة رسمية جديدة لمعالجة الودائع بالتّنسيق مع الصندوق الدوليّ، قوامها ضمان إيفاء جزء من الودائع مقابل شطب الأجزاء الأخرى بفعل استحالة إيفائها. وعليه، في اليوم نفسه الذي تمّ فيه تسريبُ مسوّدة مشروع القانون الذي يُجسّد هذه المحاولة (أي في تاريخ 6 شباط 2024)، أصدر مجلس شورى الدولة قراره الشهير في القضيّة التي رفعتها جمعيّة المصارف ضدّ الدّولة اللبنانيّة، بإعلان عدم دستورية شطب أيّ من الودائع (ودائع المصارف لدى مصرف لبنان) انطلاقًا من قدسيّة “الحقّ في الملكية” ومن مسؤولية الدولة في تغطية خسائر مصرف لبنان كاملة. وقد سارعتْ جمعيّة المصارف إلى استغلال هذا القرار في حملةٍ ترويجيّة غير مسبوقة أدّت إلى قتل مسوّدة القانون في مهدها، بعد انقضاض العديد من الوزراء واحدًا تلو الآخر عليها قبلما يتسنّى حتى مناقشتها داخل الحكومة.

وفي موازاة الحملات الإعلامية والسياسيّة في هذا الخصوص، باشرتْ لجنة الإدارة والعدل في جلستها المنعقدة في 5/3/2024 مسارًا تشريعيًا في الاتجاه نفسه. وقد تمثّل هذا المسار في إنشاء لجنة فرعيّة لدرس اقتراحيْ قانون: الأوّل قدّمه نوّاب كتلة “الجمهوريّة القويّة” يرمي إلى إنشاء مؤسّسة مستقلة لإدارة أصول الدولة والثاني قدّمه نوّاب من كتلة “التنمية والتحرير” يرمي إلى حماية الودائع المصرفيّة المشروعة وإعادتها إلى أصحابها وهو اقتراح قانون أعدّه رئيس مجلس شورى الدولة فادي إلياس وبُنيَ على الأسباب نفسها التي بُنيَ عليها قرار شورى الدولة الصادر عن غرفته. وقد سارع نوّاب كتلة “لبنان القوي” في تاريخ 21/3/2024 إلى الالتحاق بهذا المسار من خلال تقديم اقتراح ثالث تحت عنوان “الصندوق الائتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها”.

ورغم الاختلافات العديدة بين الاقتراحات الثلاثة، فإنّ مقدّميها يتّفقون بشكل عامّ على فكرة تحميل الدولة جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن ضياع الودائع وتخصيص أصولها من أجل تسديدها. وهي فكرة تتعارض مع الاتجاهات العالمية في أزمات مشابهة ومنها اتّجاه صندوق النقد الدولي، اتجاهات تشدّد على مسؤوليّة المصارف بالدرجة الأولى عن الخسائر وعلى أنّ مسؤولية الدولة مجرّد مسؤولية استلحاقيّة. وتقوم هذه الاتجاهات عمومًا على أنّ تحميل الأجيال الحاضرة كما المستقبليّة مسؤوليّة تسديد الودائع المهدورة إنّما هو توجّه خطير يجافي مبادئ العدالة عدا عن أنّه يقوّض إمكانية النهوض الاقتصادي والمرافق العامّة. وعليه، فإنّ النّقاش الدّائر لا يقتصرُ على مسألة المسؤولية في تحمّل الودائع أو بصورة أدقّ مسألة التوزيع العادل للخسائر وحسب، إنّما يشمل أيضًا مدى ملاءمة تغليب مسؤولية الدولة في تحمّل الودائع على مجمل مسؤوليّاتها ووظائفها الأخرى التي قد لا تقلّ عنها أهمية وسموًّا ومنها وظائفها في ضمان حسن سير المرافق العامّة وضمان تمتّع مواطنيها بالحقوق الأساسية. يضاف إلى ذلك كثير من التشكيك حول مدى واقعيّة التعويل على أصول الدولة وعائداتها في سبيل ردّ الودائع الضّائعة وبخاصّة في ظلّ الفجوة الكبيرة فيها.  

وقبل المضيّ في مناقشة هذه المسائل، نسارع إلى القول بأنّ هذه الاقتراحات إنّما بدتْ مسكونةً إلى حدّ كبير بمصالح المصارف وهواجسها، ليس فقط في مقاربتها للمسؤولية عن ضياع الودائع في الماضي، ولكن أيضًا في مقاربتها للمصالح الملحّة التي يجدر منحها الأولوية في سياسات الدولة مستقبلًا. وهذا ما سنبيّنه على طول هذا المقال، بعد لمحة سريعة على مضمون الاقتراحات الثلاثة.  

لمحة سريعة عن مضمون الاقتراحات

هنا، سنَستعرض أبرز ما ورد في مضمون الاقتراحات الثلاثة وفق أسبقية تقديمها. 

اقتراح الجمهورية القوية: أصول الدولة بإدارة القطاع الخاص؟

ينصّ الاقتراح المُقدّم من كتلة الجمهورية القويّة على إنشاء مؤسّسة مستقلّة تتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلالية، تناط بها مسؤوليّة إدارة أصول الدولة وشركاتها ومؤسّساتها وإداراتها التي تتّسم بالطابع التجاري. وبحسب النّص تنقل مسؤولية الوصاية والإشراف على مجمل المؤسّسات العامّة ذات الطابع التجاري من الوزارات المختلفة إلى المؤسّسة المستقلّة، بحيث تكون مخوّلة إبرام عقود تشغيلها وتشركتها (Corporatization) وتعيين مجالس إدارتها.

كما تشرف هذه المؤسّسة المستقلّة على مؤسّسة أخرى هي “المؤسّسة العقارية المستقلّة” التي تُنشأ على شكل شركة قابضة، وتضع الحكومة بتصرّفها العقارات العامّة المبنيّة وغير المبنيّة التي تحدّدها بمرسوم. وتهدف المؤسّستانْ إلى “زيادة إيرادات” هذه الأصول، على أن يوزّع فائض العائدات المحقّقة بالتساوي بين خزينة الدولة وصندوق إعادة تكوين الودائع.

ومن أجل ذلك، ينصّ الاقتراح على طريقة غير مسبوقة في تعيين مجلسيْ إدارة “المؤسّسة المستقلة” العامّة و”المؤسّسة العقارية المستقلة”، من قبل 9 أشخاص منهم حاكم مصرف لبنان ورؤساء هيئات مستقلّة ثلاث وخمسة نقباء مهن حرّة. كما يتمّ تعيين أعضاء مجلس إدارة الشركات المنشأة عبر استخدام “بيت خبرة عالمي للتوظيف القيادي” لإدارة إجراء التوظيف وتحديد الرواتب، ويتمّ اختيار المرشحين من قبل لجنة توظيف تتألف من ممثلين عن “المالكين والقطاع الخاص والجامعات الكبرى” (وضعنا العبارات كما وردت في الاقتراح) وتحت إشراف جهات دولية مالية، من دون أن يكون لمجلس الخدمة المدنيّة أي دور. وقد كلّل مقدّمو الاقتراح آليات التعيين المعقّدة تلك باعتبار المؤسّسة المستقلة غير ملزمة بترشيحات اللجنة إذا اعتبرت أنّ اللجنة لم تراع “بشكل لا لبس فيه… المعايير والآليات” المنصوص عليها في الاقتراح. 

وإذ يحرّر الاقتراح مجمل المؤسّسات المنشأة بموجبه من الرقابة المسبقة واللاحقة لديوان المحاسبة، فإنّه في المقابل يخضعها للجنة رقابة هجينة هي الأخرى تُعيّن وفق أصول غير مسبوقة، من دون أن يتمّ تخصيص أيّ ملاك لها مع الإشارة إلى أنّ تمويلها يتمّ ليس من قبل الدولة بل من قبل المؤسّسة المستقلّة التي يُفترض بها أن تراقب أعمالها.

وقد بدا الاقتراح من هذه الزاوية وكأنّه يهدف إلى بناء تنظيم إداري موازٍ لتنظيمات الدولة في مجال الإدارة والرقابة، على نحو يجعل الجهود التي قد تبذل لتحسين إدارة أصول الدولة في حال حصولها من دون أي أثر على مؤسّسات الدولة، وتاليًا من دون غد.   

وفيما أكّد مقدّمو الاقتراح في مؤتمر صحافي على أنّه لا يؤدّي إلى التفرّغ عن أصول الدولة أو خصخصتها، فإن التّدقيق فيه يُظهر أنه يفتح أبوابًا واسعة للتخلّي عن هذه الأصول نهائيًّا أو لآمادٍ طويلة. إذ أنّ العقارات التي تحدّدها الحكومة ستكون قابلة للاستثمار حتّى 50 سنة بقرار من المؤسّسة العقارية وعلى أن يكون لها  إمكانية بيعها أو إبرام عقود استثمار عليها لمدّة أطول بموجب قانون. كما يكون للمؤسّسة العقارية أن تصدر سندات دين، ستكون على الأرجح مضمونة بعائدات الأصول الموضوعة تحت إدارتها إن لم يكن بالأصول نفسها.

فضلًا عن ذلك، يكون للمؤسّسة المستقلّة أن تبرم عقود تشغيل للشركات والمؤسّسات التي تشملها وصايتها أو أن تقترح امتيازات استثمار عليها تصل مدتها إلى 20 سنة وتنفّذ بقانون. في المقابل لا يكون لها بيع أسهمها كلّيًا أو جزئيًا إلّا بموجب قانون.

والأخطر من كلّ ذلك هو أنّه يكون للمؤسّسة المستقلة (التي تتولّى إدارة أصول الدولة وممارسة الوصاية على مجمل المرافق والمؤسّسات العامة التي يشملها هذا القانون) أن تطرح أسهمها للتداول بعد 5 سنوات أو أن تبيع الأسهم أو الأصول الموضوعة تحت تصرفها كليًّا أو جزئيًا بموجب قانون. ومؤدّى ذلك نتيجة هجينة قوامها وضع مجمل المرافق والمؤسّسات العامة تحت وصاية مؤسّسة يملكها القطاع الخاصّ والأرجح محيط جمعية المصارف وما يسمى الهيئات الاقتصادية.

بقي أن نلحظ أنّ هذا الاقتراح خلا من أيّ إجراءات بشأن مسؤولية المصارف أو مدى جدارة الودائع بالحماية، مكتفيًا بالإحالة إلى اقتراح التوازن المالي في أسبابه الموجبة.

اقتراح التنمية والتحرير: تسخير أصول الدولة كاملة لإيفاء ودائع المصارف

أمّا الاقتراح الثاني المقدّم من كتلة التنمية والتحرير، فينصّ على إنشاء هيئتيْن: هيئة مستقلّة للمراقبة والإشراف والعمل على تفعيل كلّ المرافق العامّة والشركات، باستثناء المرافق العامّة ذات الصفة الإدارية، وكيفية إدارتها واستثمارها؛ وهيئة ثانية تُعنى بالأملاك العامّة والخاصّة للدولة، وضمنًا الأملاك البحرية والنهرية والمحميّات والغابات، على نحو يشرّع الباب لتسليعها كلّها. وقد أناط الاقتراح بمجلس الوزراء صلاحيّة تعيين أعضاء هاتيْن الهيئتيْن. كما يسمح باتّباع أسلوب الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ، وإجراء مزايدات لإدارة كلّ مرفق أو قطاع عامّ.

وبحسب الاقتراح، تودع الأموال المحصّلة كليًا (الأموال المحصّلة نتيجة إصدار سندات) أو جزئيًا بنسب لم يحددها الاقتراح عن المزايدات واستثمار أصول الدولة فضلًا عن نسبة من قطاع أموال النفط والغاز في حساب خاصّ لدى مصرف لبنان مخصّص فقط “لتسديد ديون الدولة لدى المصارف التي هي أصلًا من أموال المودعين”. ويؤكّد الاقتراح على إنهاء عمل الهيئتيْن بانتهاء مفاعيل القانون كون الھدف منهما هو “تمكين الدولة من إيفاء التزاماتھا لجھة إعادة المبالغ التي استدانتھا من مصرف لبنان ومن المصارف التجارية العاملة في لبنان وكذلك تلك التي استدانھا مصرف لبنان”.

وفيما خلا الاقتراح من إمكانية بيع الأصول صراحة، فإنّه فتح الباب أمام تشريك القطاع الخاص وفق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما فتح الباب أمام إصدار سندات مالية بقيمة خمسة مليارات دولار مضمونة بجزء من إيرادات أصول الدولة، الأمر الذي من شأنه أن يجرّد الدولة من إمكانية الاستفادة من إيرادات أصولها لآماد طويلة. فضلًا عن كون استثمار العقارات أو تلزيم الشركات جاء مفتوحًا من دون تحديد مدّة قصوى أو وضع شروط بشأن هوية المستفيدين منها. وقد اكتفى الاقتراح بوضع بعض الضوابط المحدودة كأن يكون للدولة، في حالة الشراكة، حقّ النقض لدى التصويت في الجمعيات العمومية لشركة المشروع مھما تكن الحصة العائدة لھا، وإجراء مزايدة عمومية وفق إجراءات الشراء العام لإدارة المرافق.

وقد خلا الاقتراح من أيّ نصوص تضمن الحوكمة في إدارة هذه الأصول أو إعمال الرقابة على هذه الإدارة. 

وبخلاف اقتراح الجمهورية القوية، لم يقتصرْ هذا الاقتراح على إدارة أصول الدولة إنما تضمّن أيضًا أحكامًا تتّصل بموجبات المصارف (أهمها إعادة الأموال التي تم تحويلها إلى الخارج وإعادة المبالغ التي تلقّاها نتیجة الھندسات المالية والتدقيق بعمليات تجارة الشیكات التي قام بھا رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف والمدراء) والودائع (أهمها شطب الفوائد التي تفوق أسعار الفائدة التي كانت محددة عالمیًا ومصادرة الودائع التي تكون ناتجة عن تبييض أموال واعتبار بعض الودائع غير مؤهّلة). وإذ نصّ الاقتراح على وجوب تجريد هذه الودائع من أي حماية قانونية، لم يتضمّن صراحة ما يفيد حسم قيمتها من ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، مما قد يؤدّي إلى نتيجة عبثية قوامها تخفيض دين المصارف تجاه المودعين بنتيجة شطب “الودائع غير المحمية” من دون تخفيض دين مصرف لبنان تجاهها بالقيمة نفسها. 

على أي حال، وفيما عدا ذلك، يفهم من الاقتراح أنّه على الدولة أن تفي سائر ديون مصرف لبنان تجاه المصارف فلا تبرأ ذمّتها إلّا بعد إيفاء جميع هذه الديون، على أن تلتزم المصارف باستخدام المبالغ المقبوضة على هذا الوجه لإيفاء حقوق المودعين لديها حصرًا.  

اقتراح لبنان القوي

من جهته، ينص الاقتراح المقدّم من كتلة لبنان القوي على إنشاء صندوق ائتماني، تعهد إليه مهمّة إدارة بعض أصول الدولة تشمل عددًا من مؤسّسات الدولة فضلًا عن شركات مملوكة من مصرف لبنان. وإذ وضع الاقتراح قائمة بالمؤسّسات والشركات التي أخضعها لأحكامه، فإنّه استبعد في المقابل سائر المرافق  والعقارات الخاصة كما العامّة.

ويدير الصندوق 7 مدراء عامّون بحكم مناصبهم خلال مرحلة انتقالية، وعند انتهائها يمكن لمجلس الوزراء الاستعانة بشركات توظيف عالمية إضافة إلى مجلس الخدمة المدنية ومكتب وزير الدولة للتنمية لاختيار لائحة من المؤهّلين لتعيين مجلس إدارة الصندوق بعد انتهاء المرحلة الأولى وذلك لمعاونة وزير الاقتصاد والتجارة لاقتراح أسماء على مجلس الوزراء.

وينصّ اقتراح “لبنان القوي” على تحويل كلّ المؤسّسات والأصول إلى شركات مساهمة، يعمل الصندوق على تفعيلها عبر تعيين مجالس إدارتها وإقرار وتعديل أنظمتها، كما له إشراك القطاع الخاص في إدارتها أو استثمارها.

والمفارقة في هذا الاقتراح بالنسبة إلى الاقتراحات الأخرى أنّه (1) ينصّ على تحويل ملكية أصول الدولة إلى هذا الصندوق في حين نصّت الاقتراحات الأخرى على تحويل سلطة الوصاية أو الإدارة إلى المؤسّسات المنشأة بموجبها من دون تحويل حقّ الملكية. ومردّ ذلك هو إرادة واضعيه تسهيل التفرّغ عنها بحيث تتمّ من قبل الصندوق مباشرة من دون الحاجة إلى نصوص تشريعية أو قرارات مجلس وزراء، و(2) أنّه فتح الباب صراحة أمام بيع أسهم الشركات المنشأة باستثناء الشركات التي تعنى بالمرافئ البرية أو البحرية أو الجوية من دون تحديد حدّ أقصى لمجموع الأسهم التي يمكن التفرّغ عنها (حد لبيع أكثر من 5% لمستفيد اقتصادي فردي أو 7% لمجموعة) أو نسبة قصوى لتملّك غير اللبنانيين أسهمًا في هذه الشركات. كما يكون له إشراك القطاع الخاص في إدارتها أو استثمارها من دون وضع أيّ حدود أو ضوابط. كما يرخّص للصندوق إصدار شهادات إيداع يسمح باستبدالها بأسهم في الشركات المملوكة منه، مما يهدّد بتبديد هذه الأسهم ومعها أصول الدولة.

ويحدّد الاقتراح أنّ عائدات الصندوق تتألّف من مجموع أرباح الشركات التي يمتلكها، مع غموض يعتري العائد عن بيع الأسهم، وهي توزّع بين مؤسّسة ضمان الودائع لتسديد ديون المودعين (30%)، والمناطق الجغرافية الإدارية التي ستتحدد في قانون اللامركزية (35%)، وخزينة الدولة (35%).

أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاقتراح حدّد كيفية تسديد الودائع بصورة غير مسبوقة، بحيث سمح لأيّ مودع أن يسجّل وديعته لدى مؤسسة ضمان الودائع إلى حدّ أقصى قدره 3 ملايين دولار، مشترطًا أن تكون الوديعة “معروفة المصدر وناتجة عن أعمال مشروعة وأن يكون سدّد عن مصدرها الضرائب المستحقة عنها”. وعليه، تسدّد هذه المؤسّسة المبالغ التي يتمّ إيداعها لديها لإطفاء هذه الودائع المسجّلة. فكأنّما الاقتراح يحدّد حدًّا أقصى لمسؤولية الدولة قدره 3 ملايين، من دون أن يحرّر الدولة في المقابل من مسؤولياتها تجاه المصارف.

رسم رائد شرف

التوزيع العادل للخسائر؟

في هذا المجال، سنناقش التصوّرات التي بُنيت عليها الاقتراحات الثلاثة بخصوص المسؤولية عن الخسائر المالية أو ما يسمى فجوة الودائع.

وقد بدا هنا اقتراح “التحرير والتنمية” الأكثر وضوحًا. فقد أسهبتْ أسبابه الموجبة المطابقة في مضمونها لحجج قرار شورى الدولة في قضية جمعية المصارف ضدّ الدولة، في تحميل الدولة وحدها مسؤوليّة تغطيّة كلّ خسائر مصرف لبنان. ولا نُبالغ إذا قلنا إنّ هذه الأسباب المُوجبة جاءتْ بمثابة مطالعة حشد فيها معدّو الاقتراح كلّ الحجج القانونية لتثبيت مسؤولية الدولة في موازاة تحويل المصارف إلى مجرّد مودعين لدى مصرف لبنان، وتاليًا ضحايا تمامًا كسائر المودعين لا يتحمّلون أيّ ذنب.

وعليه، نقرأ حرفيًا أنّ “الدولة يقع عليها موجب ردّ هذه الأموال (التي استدانتْها من مصرف لبنان والتي كان استدانها بدوره من المصارف وهي في الواقع الودائع) إلى أصحابها كونها مسؤولةً بالدرجة الأولى عن إنفاق هذه الأموال على الدّعم كما هي مسؤولة بموجب المادة 113 من قانون النقد والتسليف عن تغطية خسائر مصرف لبنان”. كما نقرأ أنّ “الوديعة النقدية هي جزء من الملكية الواجب حمايتها، ما يحظر فكرة شطب الودائع جزئيًا أو كليًا لتعارضها المطلق مع أحكام الدستور… وبالتالي يجب التأكيد على أنّ الودائع مُصانة ويعود لأصحابها حقّ التصرف بها كأيّ مالك يتصرّف بملكه”.

وفيما جاء اقتراح “الجمهورية القويّة” أقلّ حزمًا حيث ثبّت مسؤولية الدولة من دون أن يستبعد مسؤولية المصارف، فإنّه لم يستشعر أيّ حاجة للبحث في نسب المسؤولية وطبيعتها. وعليه، حين بحث عن كيفية تغذية ما أسماه “صندوق إعادة تكوين الودائع”، فإنّه لم يجدْ سبيلًا إلى إيفائها إلّا من خلال ما قد توفرّه أصول الدّولة بفعل استثمارها أو حتّى بيعها من موارد. وقد اكتفى بربط المسؤوليّات الأخرى باقتراح إعادة التوازن المالي العالق لدى مجلس النوّاب. وقد ذهب اقتراح “لبنان القويّ” في اتجاه مشابه. فمن دون تحميل الدولة عبء تسديد الودائع كاملة إنّما فقط نسبة منها تصل إلى 3 ملايين كحدّ أقصى بالنسبة إلى كلّ مودع، فإنه هو الآخر ركّز على عائدات استثمار أصول الدولة أو حتى التصرّف بها كسبيل شبه أوحد لتسديد هذه النسبة من الودائع.

ويلحظ تاليًا أنّ مجمل الاقتراحات افترضت مسؤولية الدولة مستبيحة أصولها بدرجات متفاوتة، بناء على أحكام عموميّة من دون أيّ تدقيق فيها. فمثلًا أنْ يقال إنّ الدولة استدانتْ من مصرف لبنان يبقى من دون معنى في غياب التدقيق بالعملة التي تمّت الاستدانة بها، وتحديدًا فيما إذا كانت بالليرة اللبنانية أم بالدولار الأميركي، ومن دون النظر في سجلات مصرف لبنان والدولة وما اعتراها من علامات استفهام كبيرة. والقول بأنّ الدولة مسؤولة عن تغطية خسائر مصرف لبنان (التي لم تظهر إلّا بعد سنوات من حصولها) إنّما يشكّل تجاوزًا لمبدأ سنوية الموازنة العامّة ولكيفية تحمّل مسؤولياتها بشكل عامّ. والأهمّ هو أنّه حتى على فرض ثبوت مسؤولية الدولة، فليس هنالك أيّ شيء يسمح بتغليب مسؤوليّتها هذه على سائر مسؤولياتها الاجتماعية إلى درجة رهن مجمل أصولها لأجيال ربما لتحمّلها. في الواقع تبقى الدولة بفعل تعدّد وظائفها محكومةً في الموازنة فيما بينها على ضوء مواردها كافّة بصورة سنوية. أما أن ترهن أملاكها على النحو المذكور مع تخصيص الجزء الأكبر من عائداتها لإيفاء الودائع إنّما يؤدّي إلى إعطاء هذا الموجب أولويّة بالنسبة إلى مسؤولياتها في إعادة سير المرافق العامة وفي ضمان الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية الأساسية والتي هي صلب أيّ مشروع مدني.

وأكبر من خطأ الاقتراحات الثلاثة في تضخيم مسؤوليّة الدولة، فإنّها جافت مبادئ العدالة أيضًا في تنزيه المصارف عن المسؤولية أو في تخفيفها أو في التغاضي تمامًا عنها. ويتأتّى هذا الأمر ليس فقط عن أصول حسن الإدارة التي توجب على المصارف عدم إيداع ودائعها في مكان واحد وبخاصّة إذا علمت أنّه غير آمن كما هي حال أي مراقب مالي جدّي، إنّما بالأخص عن تواطئها واشتراكها الكامل في الهندسات المالية التي أثبت تقرير التدقيق الجنائي لشركة “ألفاريز ومارسال” أنّها السبب الرئيسي في فجوة الخسائر. ويجدر هنا بشكل خاصّ لفت النظر إلى التناقض الذي وقع به اقتراح “التحرير والتنمية” حين وضع على عاتق المصارف ردّ عائداتها من الهندسات الماليّة الحاصلة ابتداء من تشرين الأول 2015. فأن يذهب الاقتراح في هذا المنحى يعني أنّه يعتبر ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتي تكوّنت في إطار هذه الهندسات إنّما تكوّنت في إطار مخطّط غير مشروع (وربما جرمي) مع حاكم مصرف لبنان، حقّقت المصارف من خلاله فوائد كبيرة مقابل تسديد عمولات سرّية خارقة للعادة، ثبت بعضها في قضية “فوري” ويتمّ التحقيق في أخرى في القضية المعروفة بقضية “بريميوم”. فكيف يُقال بعدئذ إنّ هذه الودائع مقدّسة أو أنّها تستفيد من حماية الدستور أو أنّ المصرف المودع لم يرتكب أي خطأ في هذا الخصوص ويجدر ردّ وديعته له؟ ثم، لماذا اكتفى الاقتراح بعد التثبّت من عدم مشروعية هذه الهندسات بتكليف المصارف ردّ ما جنتْه، من دون أن يرتّب عليها أي مسؤوليّة إضافيّة في التعويض عن الأضرار الجسيمة الناجمة عن هذه الهندسات وأثرها في تعميق الفجوة؟ أهمّ من ذلك، لماذا اكتفى بتحميل المصارف موجب ردّ ما جنته بدل أن يأمر مباشرة بحسم هذه العائدات من حساب المصارف لدى مصرف لبنان عملًا بقواعد المقاصّة، مع ما يستتبع ذلك من تخفيض للقسم الأكبر من ودائع المصارف لدى مصرف لبنان ويلغي ربما الضرورة للاقتراح كلّه؟

المصلحة العليا المرجوّة

فضلًا عن التساؤل الواجب حول مدى عدالة ترتيب المسؤوليات كما سبق بيانه، يجدر التساؤل في الآن نفسه عن التطلّعات التي بُنيَت الاقتراحات الثلاثة عليها ومدى انسجامها مع الصالح العام. وما يزيد من إلحاح هذا التساؤل هو أنّ الاقتراحات تستتبع رهن أصول الدولة كافة أقلّه طوال سنوات، بهدف إيفاء ديون الدولة تجاه المصارف والمودعين، وهو أمر لا يمكن تخيّل حصوله بغياب مصلحة اجتماعية فائقة، مصلحة اجتماعية عليا.

وبالتدقيق في الاقتراحين الأوّلين (الجمهورية القوية والتحرير والتنمية)، يتبدّى أنّ المصلحة الوطنية التي يرتكزان عليها هي ضرورة إعادة الثقة في النظام الائتماني المصرفي، وهو أمر يستحيل في حال شطب الودائع. ولكن، وعدا عن إجماع الخبراء على استحالة ردّ الودائع، فهل يكفل ردّها بعد سنوات طويلة من نشوب الأزمة نسيان ما حصل من إذلال للمودعين وعمليات قصّ شعر والأهم فضائح الهندسات المالية ودفع العمولات لحاكمية مصرف لبنان وتهريب أموال قلّة على حساب سائر المودعين، وهو تهريب لم تقم الدولة حتى اليوم بأي جهد لكشف المستفيدين منه؟ وبكلمة، هل يمكن أن تُستعاد الثقة في مصارف تعلم كلّ العلم أنّها تواطأت مع مصرف لبنان والقوى السياسية لتحقيق أرباح هائلة على حساب المودعين من دون أن يتمّ محاسبة أيّ من هؤلاء؟ المنطق يقول إنّ استعادة الثقة في النظام الائتماني ما عاد ممكنًا من دون استعادة الثقة في نظام العدالة والمحاسبة وبشكل أعمّ بحيادية الدولة ونزاهتها. وهو أمر خلتْ الاقتراحات من أيّ إشارة إليه ولا حتى في أسبابها الموجبة، مؤثرةً تحميل الشعب في أجياله الحاضرة والمستقبلية مسؤوليّة ما ارتكبتْه قلّة تبقى بمنأى عن أيّ حساب وتتهيّأ للهيمنة على النظام الائتماني الذي تعمل الاقتراحات على ترميمه.

وإذا وضعْنا جانبًا هذا التحفّظ (وهو مركزيّ)، يبرز تساؤلٌ آخر لا يقلّ أهميّة بشأن تراتبية هدف استعادة الثقة في النظام الائتماني ضمن الأهداف الأخرى. فماذا عن دور الدولة في إعادة إنعاش الاقتصاد؟ وماذا عن دورها في ترميم المرافق العامّة المنهارة مع ما يستتبعه من انهيار للحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية؟ وماذا عن دورها في إعادة الاعتبار للوظيفة العامّة والعسكرية والأمنية بعد انهيار قيمة رواتب العاملين فيها؟ وماذا عن كلّ وظائف الدولة الدّفاعية في ظلّ الحروب المندلعة؟ وماذا عن أهمية المحافظة على الأملاك العمومية والبيئة التي يجدر أن نتوارثها من جيل إلى جيل كمشترك وطني سامٍ بمنأى عن أيّ تسليع؟

من جهته، لم يبنِ “لبنان القويّ” اقتراحه على ضرورة استعادة الثقة في النظام الائتماني، إنّما على ضرورة تحسين إنتاجية الدولة وإدارة المال العامّ. ورغم أهميّة هذا الهدف، فإنّ الاقتراح خلا من أيّ إصلاح مؤسّساتي، إنّما اكتفى بإنشاء صندوق ائتماني تمّ تحريره من الضوابط التي تثقل عادة القطاع العام من دون إحاطته بأيّ ضمانات تحول دون استغلال غياب هذه الضوابط لهدر المال العام، وبخاصّة في ظلّ تشريع الأبواب واسعة أمام بيع أصول الدولة كما جاء فيه. ومن اللافت علاوة على ذلك أنّ الاقتراح سخّر جزءًا من عائدات أصول الدولة لتمويل المناطق الجغرافية الإدارية التي يفترض أن ينشئها قانون لم يصدر بعد حول اللامركزيّة، ويرجّح ألّا يصدر في أيّ وقت قريب في ظلّ التجاذب السياسي المحتدم بشأنه. يبقى أنّ هذا الاقتراح أيضًا لم يعِر بدوره أيّ اهتمام لأي من المصالح التي أشرنا إليها أعلاه.

اقتراحات أم أفكار مبعثرة للمناقشة؟           

علاوة على ما تقدّم، يجدر البحث في مدى فعالية هذه الاقتراحات وإنْ كان من شأنها أن تحقّق واقعيًا الأهداف المبتغاة منها وبخاصّة لجهة ضمان إعادة الودائع كليًا أو جزئيًا والأهمّ أن تحسّن بأيّ طريقة إدارة الأملاك العامّة وأن تعزّز إنتاجية الدولة في هذا الخصوص. وهنا سنكتفي بملاحظتيْن:

الأولى، أنّ الأسباب الموجبة للاقتراحات خلتْ من أيّ معطى بشأن قيمة الإيرادات المتوقّعة من وضعها موضع التنفيذ وتناسبها مع الأعباء التي ألقتْها على عاتق الدولة. وقد بدت من هذه الزاوية وكأنّها مجرّد أفكار للمناقشة أكثر منها اقتراحات يجدر أخذها على محمل الجدّ. وما يزيد من قابلية هذا المنحى للانتقاد هو أنّ هذه الاقتراحات لم يقدّمها ناشط أو جمعيّة مودعين بل أكبر ثلاث كتل نيابية، وأنّها لم تحصل بعد يوم أو شهر من الأزمة بل بعد ما يقارب 5 سنوات من نشوبها. فهل هذا كلّ ما تفتّقت عنه هذه الكتل الضخمة طوال سنوات من أفكار لمعالجة أزمة متشعبة ومدمّرة: اقتراحات تشرّع الباب أمام استباحة مجمل أصول الدولة من دون تقديم أيّ إثبات على تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية بل حتى على قدرتها على تحقيق الأهداف المحدّدة فيها؟ فكأنّما الكتل المذكورة تستسهل قذف المجتمع في مغامرةٍ غير محسوبة النتائج أو ربما في مغامرة حسبت جيدًا نتائجها ولكن اختارت أن تخفيها عن الرأي العام لعدم انسجامها مع الأهداف المعلنة للاقتراحات.

وأكثر ما يُخشى منه هو أن تؤدّي هذه الاقتراحات عمليًّا إلى انتزاع ملكية أصول الدولة منها نهائيًا أو لآماد طويلة لصالح قلّة، على نحو يستكمل ما حصل من نهب للودائع الخاصّة؛ بمعنى أنْ تكون هذه الاقتراحات بمثابة استكمال لعملية نهب ثروات الشعب اللبناني أكثر مما هي مسعى لإعادة الحقّ إلى أصحابه. ومن دون مزيد من الإطالة، نكتفي هنا بما صرّح به نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي تعليقًا على هذه الاقتراحات لجهة “أنّ تضخيم مسؤولية الدولة لا يغني عن تحميل الآخرين المسؤولية، إذ أنّ أملاك الدولة تُقدّر بالحدّ الأقصى بـ 20 مليار دولار، ومع افتراض أنّ استثمارها يعطي عائدات تصل إلى 5% سنويًا، أي مليار دولار سنويًا، فإنها تحتاج إلى 70 سنة لتغطية الفجوة، من دون احتساب الفترة التأسيسية التي يحتاجها الاستثمار قبل أن يبدأ بتحقيق الأرباح”. وقد نُشر عدد من الدراسات التي أكّدت على عدم واقعية المراهنة على أصول الدولة من أجل ردّ الودائع من دون أن تنشر أية دراسات مضادّة لها.

أمر آخر يسجّل على الاقتراحات الثلاثة، هو أنّها كلّها عمدت إلى إنشاء مؤسّسات أعطتْها أسماء مختلفة (مؤسسة، صندوق، هيئة…) لإدارة أصول الدولة من دون ربط هذه المؤسسات أو دمجها في أيّ إطار قانوني معمول به، بل حتى من دون ضمان الحدّ الأدنى من الانسجام مع مبادئ القانون الدستوري والقانون العام. ففيما نقل اقتراح “الجمهورية القوية” سلطة الوصاية على المؤسّسات العامّة ذات الطابع التجاري من الدولة إلى “مؤسّسة عامّة مستقلة”، فإنّه أوضح فيما بعد أنّها مؤسّسة تقبل البيع وأن التحكّم بها وسلطة الوصاية المنتقلة إليها قابل للانتقال إلى أصحاب الرساميل. اقتراح “لبنان القوي” بدوره نقل ملكية عدد كبير من المؤسّسات العامة والشركات إلى صندوق ائتماني “ذات طابع خاص” لا يخضع لأي وصاية مع منح هذا الصندوق إمكانية التفرّغ عن الأصول. لا بل أنّ بعض الاقتراحات عمدتْ إلى اختلاق نظام هجين ليس فقط في إدارة أصول الدولة، إنّما أيضًا بما يتّصل بأصول الرقابة عليها كما سبق بيانه (مثال: الهيئة الرقابية المنشأة بموجب اقتراح “الجمهورية القوية” والتي ليس لها ملاك وتموّلها المؤسّسة المستقلة التي انوجدت لمراقبتها).

وقد بدتْ الاقتراحات الثلاثة وكأنّها تهدف في النتيجة إلى ابتداع زاروب موازٍ لهيئات الدولة يستخدم كإطار لتنظيم استغلال أصولها، مُستبطنةً بذلك اعتقادًا عامّا باستحالة إصلاح المؤسّسات القائمة أو تكليفها بأيّ دور في الفترة الراهنة. وأكثر ما نخشاه هو أن يشكّل إنشاء هذه المؤسّسات الهجينة مدخلًا لتفجير مجمل الضوابط الدّستوريّة والقانونيّة سارية المفعول في كلّ ما يتّصل بأصول الدولة مقابل ضوابط مبتدعة وهشّة بفعل عدم ارتباطها بأيّ نظام قانوني.

ومن دون التقليل من ضرورة تحسين إنتاجية الدولة وإدارة أصولها بهدف معالجة الأزمة في مختلف تشعّباتها، فإنّ أي تحسين يبقى بطبيعته من دون غد في حال حصوله في أطر يصعب ربطها بالنظام القانوني والدستوري وبكلمة، بالدولة. فقد آن أنْ ندرك أنّ حال اللادولة يعالج بالدولة وليس بمزيد من اللادولة. 

 

نشر هذا المقال في العدد 72 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان

لتحميل العدد بصيغة PDF