اقتراح للسماح بتأجير المنشآت الرياضية: عودة الحياة إلى الملاعب مقابل إسقاط صفة المرافق العامة؟

فادي إبراهيم

09/05/2024

انشر المقال

تقدّم النواب سيمون أبي رميا والياس حنكش وجهاد بقرادوني وهاغوب ترزيان ووضاّح الصادق ورائد برّو، باقتراح قانون يرمي إلى السماح بتأجير المنشآت الرياضية والشبابية. وفي تفاصيل الاقتراح المقدّم حصرا من أعضاء في لجنة الشباب والرياضة النيابية، أنّه يسعى إلى إضافة فقرة إلى المادة 60 من القرار 275 الصادر في تاريخ 25/5/1926 عن المفوّض السامي الفرنسي، وذلك للسماح بتأجير المنشآت الرياضية المملوكة من الدولة والبلديات عبر مزايدة استنادا لقانون الشراء العام، وذلك لمدّة 4 سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة للمنشآت التي يقتصر عقد الإيجار فيها على الصيانة والاستثمار. بالمقابل، يُتيح التعديل تأجير المنشآت الرياضية التي يسمح عقد الإيجار فيها بالقيام بإنشاءات أو أعمال صيانة رأسمالية تزيد قيمتها عن بدل سنتيْ إيجار لمدّة تصل إلى 9 سنوات، على أن تعود جميع الإنشاءات للدولة أو البلدية عند انتهاء العقد. ويرتبط عقد الإيجار بدراسة جدوى يوافق عليها وزير المالية والوزير المختص بالنسبة لأملاك الدولة، والمجلس البلدي بالنسبة للمنشآت العائدة للبلديات، على أن يكون الإشراف على حسن التنفيذ من قبل مديرية الطرق والمباني لدى وزارة الأشغال العامة بالنسبة لأملاك الدولة.

وقد اعتبر مقدّمو الاقتراح في الأسباب الموجبة له أنّ الدولة والبلديات تمتلك العديد من الأملاك التي قد تعود بدخل عليهما في حال استثمارها بالشكل المناسب. الأهمّ من ذلك، أنّ القرار 275 حصر إمكانية تأجير أملاك الدولة الخصوصية بمهلة أقصاها 4 سنوات، وهي مهلة قصيرة لا تحفّز على أي استثمار. 

أمّا الدافع الرئيسي لفكرة إتاحة المجال أمام هذا الاستثمار فهو فقدان لبنان للمنشآت الرياضية صالحة الاستخدام، بخاصّة في رياضة كرة القدم بسبب عدم توفر الموارد الكافية لتأمين صيانتها من قبل الدولة أو البلديات بعد الانهيار. وقد دفع ذلك بمنتخبات وأندية كرة القدم بخوض مبارياتها البيتية خارج لبنان مع ما يحمل ذلك من فقدان لأفضلية الأرض والجمهور للفرق اللبنانية في المحافل الخارجية، وحصر إقامة البطولات المحلّية على ملاعب تفتقر للمعايير والمواصفات لممارسة الرياضة، وقد أدّت إلى ارتفاع ملحوظ بنسب الإصابات الخطيرة للاّعبين وانخفاض المستوى الفنّي. وعليه، يأتي هذا الاقتراح في محاولة لحلّ معضلة شحّ التمويل لصيانة الملاعب عبر فتح الباب للأندية والشركات باستثمارها لمدّة معينة.

وللتذكير، فإنّ قانون موازنة 2024 كان سمح في مادّته 56 بتأجير أملاك الدّولة الخصوصيّة لمدّة قد تصل إلى 18 عاما. آنذاك، انتقدتْ المفكّرة القانونيّة المادة على خلفيّة عدم تحديد حدّ أدنى لبدلات الإيجار السنوية وخشية من أن تفتح مدّة الإيجار الطويلة الباب أمام استباحة الأملاك العامة في ظلّ ظروف ما تزال فيها الرقابة بالحدّ الأدنى. وقد عبّر عدد من النواب عن هذه المخاوف أثناء المناقشات النيابية، وبخاصة لجهة طول المدة المسموح بها، ليصار إلى إقرار المادة وسط الضجيج والفوضى ومن دون أن يعرف إذا تم إقرارها كما هي أم بعد تخفيض المدة القصوى من 18 سنة إلى 9 سنوات غير قابلة للتمديد. في مطلق الأحوال، عاد المجلس الدستوريّ ليبطل هذه المادة بحجّة أنّها من فرسان الموازنة، بعدما طعن فيها مجموعتان من النواب. 

وعليه، يتبدّى أنّ هذا الاقتراح يأتي كردّة فعل على إبطال هذه المادة، بعدما عمد مقدّموه إلى تضييق التعديل المقترح من زاويتين: الأولى، حصره بالمنشآت الرياضية دون سواها من الأملاك العامة الخاصة (وهذا الأمر يجد مبرره في كون مقدمو الاقتراح أعضاء في لجنة الشباب والرياضة)، والثانية، تقصير مدة الإيجار المسموح بها كحدّ أقصى بحيث لا تتجاوز 9 سنوات في أي من الحالات. 

ونظرا لأهمّية هذا الاقتراح ودوره في محاولة إعادة إحياء المنشآت الرياضية المهملة في لبنان، فهو يستوجب الملاحظات التالية:

إيجابية تقليص التأجير مقابل إزالة الحد الأدنى من قيمة التأجير

كما سبق بيانه، كانت أبرز الانتقادات التي طالت المادّة التي وردتْ في قانون الموازنة هو إتاحة المجال أمام إطالة أمد الإيجار إلى مدّة تصل إلى 18 عاما، من دون وضع معايير واضحة لحفظ حقوق الدولة والخزينة العامّة، بخاصة لجهة عوامل التضخم وفي ظروف ما تزال فيها هيئات الرقابة غير قادرة على أداء دورها بصورة كاملة. وعليه، يتبيّن أنّ هذا الاقتراح سمح بتأجير المنشآت الرياضيّة لمدّة أقصاها 9 أعوام في حال كان المستأجر سيقوم بإنشاءات فيها، وهي مدّة توائم مبدئيا بين مصلحة المستأجر حتّى يسترجع قيمة الاستثمار الذي بذله في سبيل تجهيز المنشأة وتطويرها، وبين ضرورة عدم تفريط الدولة بممتلكاتها لفترة طويلة قد تنتهي بغبن لمصالح الخزينة العامة.

بالمقابل، برز توجّه قوامه عدم وضع أي حدّ أدنى لبدلات الإيجار، وذلك على غرار توجّه لجنة المال والموازنة حيث حذفت الحد الأدنى (2% من القيمة التخمينية للعقار) الذي ورد في مشروع الحكومة في موازنة 2024. ومؤدّى هذا الأمر هو مخاطرة بحقوق الخزينة، بخاصة أنّ نسبة 2% أصلا هي نسبة ضئيلة مقارنة مع ما هو معتمد في التعاملات بين الأفراد وهي نسبة 4%.

المنشآت الرياضية: من مرفق عامّ إلى تحكّم شركات خاصّة؟

على مدار السّنوات الماضيّة، أدّت المنشآت الرياضيّة سواء تلك التابعة لأملاك الدولة الخصوصية أو تلك العائدة إلى البلديات دورًا محوريّا في تأمين المرافق الضّرورية لممارسة الرياضات على أنواعها من قبل جميع الرياضيين، على أساس أنّ هذه المرافق تؤمّن خدمة عامة. إلّا أنّه بموجب الاقتراح المذكور، فإنّ الشركة أو الجمعية أو النادي الفائز بالمزايدة سيستحوذ على إدارة هذه المنشأة ويؤجّرها أو يمتنع عن تأجيرها باستنسابية أو اعتباطية ومن دون أي معايير واضحة.

والأخطر من ذلك هو إمكانية فوز أي شركة خاصة بالمزايدة، ما يُتيح لها إمكانية استخدام المنشآت الرياضية أو القرى الشابية والكشفية لغايات مخالفة لعلّة إنشائها لكونها قد تحقق أرباح أكبر، كإقامة الحفلات  والمهرجانات السياسية أو الفنية مثلا، فتُحوّر الغاية من وجود هذه المرافق العامة لتُصبح تخدم حصرا مصالح الشركة الفائزة بالمزايدة التي ستسعى لتحصيل أعلى رقم من الأرباح الناجمة عن استثمارها. أكثر من ذلك، وفي حين أنّ هذه المنشآت يُفترض أن تكون وطنية لخدمة جميع فئات المجتمع الرياضي، فما الذي يمنع النادي الفائز بالمزايدة من منع الأندية الأخرى من استخدام الملعب المستأجر؟ ولماذا قد يمنح ناديا منافسا حقّ استخدام المنشأة التي استثمر فيها بنفسه؟

وعليه، يُخشى أنّ يحوّل الاقتراح مرافق عامة إلى مرافق تابعة لشركات أو نوادٍ تحجب هذا المرفق وما يؤدّيه من خدمات عن بقية المجتمع، أي تحويله إلى ملكية خاصة لمدّة 9 سنوات، فتكون معضلة النقص في الملاعب وسوء حالتها قد حُلّت بالنسبة لنادٍ أو بضعة أندية، من دون أي انعكاس فعلي على الواقع الرياضي. إذ ذاك، كان يقتضي أن يحمل الاقتراح معايير واضحة لإلزام الجهة المستأجرة بالإبقاء على الصفة العمومية لخدمات هذه المرافق لا تحويلها لممتلكات خاصة، وهو ما يؤمل أن يتم العمل عليه في اللجان النيابية عند دراسته، بخاصة أنّ الأسباب الموجبة صوّرت هذه المنشآت كمصدر لتحصيل إيرادات للخزينة، وليس كمرافق عامة يُفترض أن يستفيد منها اللبنانيون.

تغييب تامّ للمؤسسة العامة للمنشآت الرياضية والكشفية والشبابية 

لم يلحظ الاقتراح أي دورٍ للمؤسسة العامة للمنشآت الرياضية والكشفية والشبابية، وهي المؤسسة الخاضعة لوصاية وزارة الشباب والرياضة والمنظمة بموجب المرسوم رقم 16681 الصادر في تاريخ 30/03/2006. فالمؤسسة بحسب المادة الأولى من مرسوم تنظيمها هي من تتولى إدارة واستثمار هذه المنشآت، لا بل أنّه يقع في صلب مهامها في المادة الثانية من المرسوم "استثمار المنشآت مباشرة أو بواسطة الترخيص للغير ورسم مجالاته وطرقه ووضع أنظمته وكل ما يتعلق بذلك". ويُستغرب في هذا الصدد أنّ دفاتر الشروط لمزايدات عقود الإيجار قد أنيط وضعها بوزير المالية والوزير المختص (يُفترض أن يكون وزير الشباب والرياضة)، وأنّ دراسة جدوى المشروع يوافق عليها الوزيران أيضا من دون أي دور للمؤسسة فيه، لا بل منحت مديرية الطرق والمباني في وزارة الأشغال العامة والنقل صلاحية الإشراف على حسن التنفيذ، من دون أن يكون للأخيرة أي معرفة أو خبرة مفترضة بالتجهيزات والمنشآت الرياضية. 

وعليه، في حال إقرار الاقتراح والبدء بأعمال التأجير، ستصبح هذه المؤسسة من دون عمل فعلي وسيُلغى وجودها عمليا مع استمرار تكلّف الخزينة برواتبهم. علما أنّ هذه المؤسسة فيها 4 مصالح وموظفين ومجلس إدارة ومدير عام تُدفع رواتبهم من الخزينة العامة، كما يوجد في كل منشأة رياضية وشبابية هيكليات إدارية وفنية لها ملاكاتها. إذ ذاك، يتبيّن بوضوح أنّ الاقتراح سهى أو تناسى وجود هذه المؤسسة التي يُفترض تعزيز دورها للنهوض بالمنشآت الرياضية ومنحها الدور الأهم في أيّ عملية تأجير أو استثمار لهذه المنشآت وأن تبقى تحت سلطتها وإشرافها. 

هل إتاحة المجال أمام التأجير هو الحل الوحيد؟

تسوّق العديد من الأوساط الرياضية والسياسية أنّه في ظلّ العجز المالي للدولة اللبنانية، لا حلّ لإعادة إحياء المنشآت الرياضية سوى إتاحة المجال لشركات أو أندية لاستثمارها. بالمقابل، يتبيّن أنّه يُمكن للمؤسسة العامة المذكورة أعلاه تلقّي الهبات لتمويلها، وهو الأمر الذي يُبحث حاليا بين وزارتي الشباب والرياضة اللبنانية والمصرية حيث أرسلت الوزارة المصرية وفدا زار المدينة الرياضية في بيروت وأخذ عينات من التربة ضمن إطار تعاون مشترك يُفترض أن يُثمر بإعادة تأهيل مصرية للملعب الأكبر في لبنان، بحسب ما أعلن عنه الطرفان. وفي هذه الحالة، يُمكن لإدارة المعلب والمؤسسة العامة للمنشآت الرياضية استثمار الملعب بنفسها، والحصول على بدلات إيجار مناسبة لإقامة المناسبات الرياضية عليه توفّر كلفة الصيانة المطلوبة سنويا، وهو ما يحفظ الصبغة العامة لهذه المنشآت.

أكثر من ذلك، وبما أنّ المعضلة الأكبر في هذا الصدد هي المنشآت المتعلّقة بكرة القدم كونها الأكثر حاجة إلى صيانة دورية، يقتضي التذكير بأنّ الاتّحاد اللبناني لكرة القدم قد حصل فقط في العام 2023 على مبلغ مليون و300 مئة ألف دولار أميركي لصيانة وتجهيز عدد من الملاعب، وذلك من الاتّحاد الدولي لكرة القدم ضمن برنامج FIFA FORWARD الذي صرف الاتّحاد الدولي من خلاله مبالغ تصل إلى 2.8 مليار دولار لتطوير البنية التحتية لكرة القدم في العالم. وبدل أن يتعاقد الاتّحاد مع المؤسسة العامة للمنشآت لتطوير الملاعب الكبرى في لبنان والقادرة على استضافة المحافل الدولية كملعب المدينة الرياضية في بيروت أو ملعب طرابلس الأولمبي، فضّل الاتّحاد تقسيم هذا الدعم مناطقيا وطائفيا على ملاعب صغيرة لا تصلح لاستضافة مباريات محلّية من فئة الدرجة الأولى حتّى، وهي ملعب الصفاء (وطى المصيطبة)، ملعب سن الفيل البلدي، ملعب العهد (الأوزاعي) وملعب السلام زغرتا (المرداشية). علما أنّ أكثر من 8 ملاعب صغيرة تمّ تأهيلها أيضا بتمويل من الاتّحاد الدولي لكرة القدم وبمبالغ كبيرة في فترات سابقة منذ العام 2010، كملعب فؤاد شهاب (جونية) وأمين عبد النور (بحمدون).

وعليه، يتبدّى أنّ جميع الأموال التي صُرفت من قبل الاتّحاد الدولي لمصلحة الاتّحاد اللبناني لغاية تأهيل الملاعب، قد صُرفت على ملاعب صغيرة موزّعة على المناطق، من دون أن يُطابق أي ملعب منها المواصفات المطلوبة لاستضافة حتّى مباريات محلّية، وذلك بدل أن تُصرف هذه الأموال للحصول على ملعب وطني يُعيد لبنان إلى خارطة الرياضة الدولية، بخاصة في كرة القدم.