اقتراح العمل المرن: أقلمة روابط العمل مع حاجات السوق أم باب للتمييز؟
23/04/2025
دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة تشريعية يوم الخميس المٌقبل، وذلك لمناقشة عدد من مقترحات القوانين الواردة على جدول الأعمال، منها اقتراح أقرّته مؤخرا لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية ولجنة المرأة والطفل معدلاً، ويرمي إلى تعديل أحكام قانون العمل ليشمل العمل المرن. وقد قدّمت النائبة عناية عزالدين في تاريخ 07/03/2023 اقتراح القانون بهدف تعديل بعض مواد قانون العمل.
ووفق ما ورد في الأسباب الموجبة، وفي تقارير لجنتي الصحة والمرأة والطفل، يتسند الاقتراح على عدّة اعتبارات أبرزها:
- التطوّر التقنيّ الذي أفرز تغيّرات جذرية على أنماط العمل السائدة، بحيث أصبحت أكثر تنوعًا ومرونة ويتمّ الاعتماد على أسلوب التعاقد للعمل بدوام جزئي أو عن بعد وغيره من أساليب العمل الحديثة،
- إنّ هذه الأنماط قد أضحت نماذج مطلوبة لأطراف الإنتاج الثلاثة الممثلة بالحكومة وأرباب العمل والعمال، حيث يسعى أرباب العمل لاعتمادها نظراً لكلفتها المنخفضة، كما يسعى إليها الأجراء لما تؤمنه من مرونة وفرص عمل خاصة للأجراء الذين يقع على كاهلهم عبء الرعاية الاجتماعية وخصوصاً المرأة، كما تسمح على صعيد السياسات العامة للحكومات في خفض الأكلاف المصاحبة لتنفيذ النمط التقليدي للعمل وتعتبر كأحد الحلول المعتمدة في مواجهة مشكلة البطالة،
- إنّ المعايير الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية في البروتوكولات والاتفاقيات الدولية والتوجهات الحديثة لهذه الأخيرة تكرس مبدأ شمول القوانين الوطنية لنصوص تغطي أنماط العمل الحديثة،
ومن أبرز التعديلات التي يقدمها الاقتراح كما عدّلته لجنة المرأة والطفل في 22/4/2024، ولجنة الصحة في 17/3/2025:
- تعديل عبارة "ربّ العمل" الواردة في المادة 1 و2 و12 من قانون العمل لتصبح "صاحب العمل". وفي حين أن هذا التعديل مستحقّ منذ فترة، فمن المستغرب أن يقتصر تعديل هذا التوصيف بالمواد 1 و2 و12 من دون أن ينسحب على سائر مواد القانون؛
- تغيير تعريف عقد العمل في اتجاه إلغاء ربطه بوجود "مشروع صناعي أو تجاري أو زراعي"،
- تغيير تعريف الأجير الوارد في المادة الثانية منه ليشمل العمل "بدوام كامل أو جزئي أو موسمي، حضوريا أو عن بعد حتى ولو كان يستخدم معداته وتجهيزاته الخاصة لتنفيذ العمل"؛
- تعديل المادة 12 من القانون في اتجاه تنظيم عقد العمل عن بعد أو بدوام جزئي أو موسمي، وإن ترك للحكومة أن تحّدد بموجب مراسيم دقائق أصول استفادة العاملين على هذا الوجه تقديمات الضمان ووسائل التمويل.
- يعرّف الاقتراح العمل الجزئي على أنّه العمل الذي لا يقلّ دوامه عن ثلث دوام عمل ولا يزيد عن الثلثين، مع فتح مجال الاتفاق بين الأجير وصاحب العمل على الانتقال من دوام عمل كامل إلى دوام عمل جزئي وذلك (1) لمدّة أقصاها سنتين للأجير الذي يرغب بمتابعة الدراسة، و(2) لمدة أقصاها سنة ما بعد انتهاء إجازة الأمومة للمرأة العاملة؛
- ينصّ التعديل على استفادة الأجراء العاملين بدوام جزئي، الموسميين وعن بعد من نفس الحماية التي يستفيد منها الأجراء الدائمون والحضورين لجهة الحقّ في التنظيم والحق في المفاوضة الجماعية، والحق في السلامة والصحة المهنية وعدم التمييز في الاستخدام والمهنة، ومن الحقوق التي تعود للأجراء العاملين بدوام كامل وفقا لأحكام قانوني العمل والضمان الاجتماعي على أساس قاعدة التناسب.
وعليه، يستدعي الاقتراح الملاحظات الآتية، على أن يخصّص "المرصد البرلماني" في المفكرة القانونية تعليقًا معمّقًا لاحقًا حول موضوع العمل المرن:
أولا: تشريع يكّرس اتجاه الاجتهاد اللبناني
بداية، تجدر الإشارة في هذا المجال أنّ فئة العمل بدوام جزئي أو عن بعد والتي تندرج في مفهوم العمل المرن محور الاقتراح، هي فئة معترف بها ضمن نطاق حماية قانون العمل والضمان الاجتماعي بحسب الاجتهاد اللبناني. فبحسب مقال نشرته المفكرة القانونية للمحامي كريم نمور تحت عنوان "أين ربيع العمّال في زمن الانهيار؟"، تعترف قوانين العمل (ومنها اتفاقية العمل الدولية رقم 177، غير المبرمة)، بـ"العمل من المنزل" كأحد أنواع العمل الخاضعة لقوانين العمل ومساواته بغيره من أنواع العمل بأجر. وقد ذهبت حتى إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان إلى معالجة مسألة إدراج العاملين في منازلهم في نظام الانتساب والتسجيل رقم 7، وأوضحت أن هؤلاء يجب اعتبارهم بمثابة أجراء، حتى ولو كانوا يملكون قسماً من العدّة اللازمة لعملهم أو لم تكن علاقتهم بأصحاب العمل تماماً كعلاقة العاملين في مكان العمل، بالرغم من تمتّعهم بهامش حريّة أوسع من دون سلطة أو رقابة من صاحب العمل عليهم. وإن دلّ هذا الأمر على شيء فعلى جهوزية الإطار القانوني لتطوّر طبيعة العمل والاستحداثات الطارئة عليه في ظلّ أوضاع شبيهة بتفشّي وباء كورونا وإعلان التعبئة العامّة.
فمن المعروف أنّ عقد العمل يتّصف بالرضائية، فإذا تمّ التوافق بين العامل وصاحب العمل على صيغة عمل مرنة مثل العمل عن بعد أو العمل لعدد من الساعات أقلّ من غيره، فلا يوجد مبرّر أن يصدر قانون لهذه الغاية قد يفتح الباب لتمييز هذه الفئة عن غيرها من الأجراء.
ثانيا: اقتراح يفتح باب التمييز
كما تمّ ذكره، يهدف الاقتراح إلى إدخال فئة الأجراء "المرنين" أي الذين يعملون بدوام جزئي أو موسمي أو عن بعد ضمن نطاق حماية قانون العمل، وذلك لحماية حقوق هذه الفئة من الأجراء وفق ما أُعلن عنه في الأسباب الموجبة. وعلى الرغم من أن الاقتراح يشدد على تمتع الأجراء في عمل مرن بحماية قانون العمل والضمان الاجتماعي على قدم المساواة مع سائر العاملين، يبقى من المشروع التخوف أن يتدخل المشرع في فترة لاحقة لإدخال تمييز في هذا الخصوص على غرار ما يحصل في عدد من التجارب.
وفي هذا المجال، من المفيد العودة إلى ملاحظات "المفكرة القانونية" حول إقرار الحكومة نظام العمل المرن في العام 2024، بعد أنّ تم تعديل قانون العمل الأردني عام 2019 وتمّ إضافة تعريف للعمل المرن باعتباره "كل جهد فكري أو جسماني يبذله العامل لقاء أجر ضمن أحد أشكال عقد العمل المرن المحدد وفق نظام يصدر لهذه الغاية". فقد اعتبر الكاتب أيمن هلسا في مقاله بعنوان "نظام العمل المرن في الأردن: هل هو الحلّ أم المشكلة؟"، أن تطبيق نظام العمل المرن قد يؤدي في الواقع العملي إلى الانتقاص من حقوق العامل بشكل غير مباشر. وقد رأى الكاتب أنّ التوسّع في استخدامه، ومن دون نكران فوائد العمل المرن بالنسبة للعامل أو العاملة؛ إذ يمكنهم التوفيق بين التزاماتهم العائلية أو الدراسية، قد يؤدّي إلى نتائج سلبية، أهمها:
- غياب الأمن الوظيفي ومحدودية الحماية القانونية،
- انخفاض أو انعدام الحماية الاجتماعية،
- انتشار أوسع لقطاعات العمل غير المنظمة،
- ضعف الحوار الاجتماعي؛ إذ يضعف قدرة النقابات العمالية على التفاوض مع أصحاب العمل، مما يقلل من قدرة العمال على الدفاع عن حقوقهم.
بالمقابل يحقق هذا النظام مجموعة من المنافع لأصحاب العمل، المتمثّلة في خفض التكاليف من خلال استغلال الفجوات القائمة في النظام القانوني الحالي لتجنّب الالتزامات الماليّة لصالح برامج التأمينات الاجتماعية.
أخيرا، نشير إلى ضرورة تعديل جذري لقانون العمل لمعالجة الإشكاليات التي تشوبه، أبرزها وجود شريحة
واسعة من العمال مستثناة بموجب المادة 7 منه من أيّ حماية قانونية كالعاملين في الخدمة المنزلية والمزارعين والمياومين في الإدارات العامّة، وعدم ضمان المساواة بين الرجل والمرأة وعدم تمييز الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك إضافة إلى الإشكاليات المتعلّقة بإجازة الأمومة والأبوّة والتحرّش الجنسي، والحماية من الصرف التعسفي.