"إنتاج الطاقة المتجددة": مشروع طموح مع وقف التنفيذ

إيلي الفرزلي

16/08/2023

انشر المقال

يحلّ مشروع قانون إنتاج الطاقة المتجددة ضيفاً على الهيئة العامة لمجلس النواب غداً. إذا سارت الأمور كما هو متوقع، يُفترض أن ينتهي نقاشه بالإقرار. فالقانون "مطلوب" وحماسة أغلب النواب له مرتبطة أولاً بأنه مطلوب من البنك الدولي ومن جهات دولية أخرى. والأهم أن الكتل المتحفظة على مناقشة مشاريع القوانين الآتية من الحكومة لن تعترض على هذا المشروع لأنه أرسل إلى مجلس النواب في 6/4/2022 أي قبل استقالة الحكومة، علماً أن لجنة الاشغال العامة والنقل والطاقة أنجزته في 28/11/2022، ثم أقرته لجنة المال في 29/5/2023، بحضور مدير البنك الأوروبي لإعادة الإنماء والتنمية ومدير مؤسسة التمويل الدولية.

يهدف القانون إلى تنظيم عملية إنتاج الطاقة المتجدّدة ويُشرّع للمرة الأولى عملية بيعها بين الأفراد أو عبر تبادل الطاقة مع مؤسسة كهرباء لبنان. ويشمل جميع أشكال إنتاج الكهرباء من مصادر بديلة عن الطاقة الأحفورية أو القابلة للنفاذ، بشرط أن لا تزيد القدرة القصوى لإنتاج الطاقة عن 10 ميغاواط عند نقطة الربط (الحدّ الأقصى الممكن توزيعه عبر شبكتيْ التوزيع والنقل لا عبر شبكة التوتر العالي). ويميّز القانون بين إنتاج الطاقة وفق نظام التعداد الصافي (Net Metering)، أي إجراء مقاصة بين كمية الطاقة المورّدة إلى الشبكة العامة والكمية المستهلكة من الشبكة العامة وتدوير إنتاجه لفترة 12 شهراً، وبين  إنتاج الطاقة الموزّعة عبر اتفاقيات شراء طاقة (Peer to Peer). فتشمل الآلية الأولى: الاشتراكات المنفردة أو الاشتراكات المتعددة ضمن العقار نفسه أو في مواقع متعددة للمشترك نفسه، أو لعدد من المشتركين في عقار واحد أو في منطقة واحدة (قرية أو مدينة معينة). وتشمل الآلية الثانية: الاتفاقيات الموقّعة بين منتج الطاقة والمستهلك المتواجد في العقار نفسه أو في عقار ملاصق والاتفاقيات الموقعة مع مستهلكين آخرين في أماكن مختلفة.

صلاحيات واسعة لهيئة غير موجودة

اللافت أن القانون يعطي صلاحيات واسعة في تطبيقه إلى هيئة لم تنشأ بعد هي الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، بالرغم من تعذّر تطبيق القانون في غيابها. فمن مهامّها:

  • وضع الإجراءات والمبادئ اللازمة لتبادل الطاقة بين المستهلك ومنتج الطاقة المتجددة وهي التي تحدد سقف التعرفة وهي التي تجيز للمنتجين الربط على الشبكة العامة (بعد أخذ رأي المؤسسة).
  • إجازة بيع الكهرباء عبر الشبكة العامة مباشرة إلى المستهلكين.
  • إصدار الأنظمة والقرارات اللازمة لتمكين شراء الطاقة المتجددة بين المنتج والمستهلك، فتحدد على سبيل المثال المستهلكين المؤهلين والتقنيات والقدرة لإنتاج الطاقة التي يمكن تركيبها.
  • إصدار نماذج اتفاقية العبور التي يتم توقيعها ومبدأ الترخيص لنظام الطاقة المتجددة وإنشاء قاعدة بيانات لإنتاج الطاقة الموزّعة في لبنان.

في المقابل، وبما أن القانون يسمح لمنتج الطاقة المتجددة المرور عبر الشبكة العامة لقاء بدلات تُستوفى من كهرباء لبنان أو من يحلّ محلّها في حال تطبيق القانون 462 للعام 2002، فقد أُعطيَت المؤسسة الحقّ في:

  • مراقبة الأنظمة المستعملة والتأكد من مطابقتها للمعايير والشروط الفنية المحددة من قبلها للسماح لها بالربط.
  • وضع الإجراءات اللازمة لتأمين أولوية الربط على الشبكة تبعاً لقدرتها الفنية ولإمكانيات الشبكة العامة في موقع الربط.
  • توقيع اتفاقيات للربط مع منتجي الطاقة ومسؤولة عن تدوير فائض الطاقة المنتجة الموردّة إلى الشبكة العامة أكان من خلال نظام التعداد الصافي أو من خلال اتفاقيات شراء الطاقة.
  • تحديد سعر شراء الكيلوواط كبدل تعويض للفائض ضمن السقف المحدد من قبل الهيئة.

ونظراً لتوسّع صلاحيات ومهام كهرباء لبنان، ينص المشروع، في المادة 8، على إنشاء مديرية خاصة بالطاقة المتجددة في المؤسسة تحدد هيكليتها ومهامها بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.

وكان مشروع القانون الأساسي تضمن مادة انتقالية تولي وزارة الطاقة والمياه القيام بمهام الهيئة بانتظار استكمال إنشائها. إلا أنّ لجنة الأشغال العامّة قرّرت حذف هذه المادّة من مشروع القانون، بهدف حث الحكومة على إنشائها.

كهرباء لبنان حذرة

في اجتماعات لجنة الأشغال العامة كانت المؤسسة واضحة في تأكيد عدم تحمّلها أي مسؤولية تجاه المشتركين المستهلكين والمنتجين عن أي حادث مهما كان يحصل في منازل المشتركين المستهلكين أو في منشآت المنتجين أو في أي من التجهيزات المرتبطة بنظام للتعداد الصافي ما لم تثبت مسؤوليتها عن الأمر. كما أكّدت أنه لا يترتّب عليها أيّ مسؤولية نتيجة التقنين مهما كان سببه نتيجة عدم قدرة المنتجين والمشتركين على توريد الطاقة المنتجة إلى الشبكة العامة من أنظمة الطاقة المتجددة العائدة لهم. وهو ما تضمنته المادة 9 من القانون.

كما كانت المؤسّسة حاسمة في التأكيد على وجوب عدم دفعها ثمن فائض الطاقة المورّدة إلى الشبكة العامة من أنظمة الطاقة المتجددة المنتجة وفق اتفاقيات شراء الطاقة بحيث يتم تدوير الفائض لمدة 12 شهراً على أن يتم في نهايتها تصفير العداد بخلاف فائض الطاقة الموردة إلى الشبكة وفقاً لنظام التعداد الصافي والذي يباع للمؤسسة. ويوضح المدير العام للمؤسسة كمال حايك لـ"المفكرة القانونية" أن الإصرار على ذلك يعود إلى التخوف، في حال عدم تصفير العداد، من التحايل على القانون، بحيث يتم إنشاء أنظمة طاقة بديلة بهدف بيع الطاقة إلى المؤسسة بدلاً من بيعها إلى مشتركين آخرين، بحيث يتم بيع كميات بسيطة إلى مستهلكين واعتبار الباقي فائضاً يباع إلى المؤسسة، ما قد ينتج عنه مطالبات مالية كبيرة عليها يمكن أن ترهق المؤسسة. ولذلك تنص المادة 5 على مجموعة من الضوابط في عملية تحديد المؤسسة للفائض وسعره، منها:

- عدم تخطي الفائض المحتسب نسبة محددة لحجم وكمية الاستهلاك السنوي لمشترك التعداد الصافي.

- عدم استخدام أي من تطبيقات نظام التعداد الصافي كغطاء لأي شكل من أشكال شراء الطاقة بغية الاستفادة من التعويض عن الفائض الممنوح حصراً لمشتركي أنظمة التعداد الصافي.

3 معوقات تمنع التنفيذ

دخول القانون في تفاصيل تقنية إنما هدف، بحسب أعضاء لجنة الأشغال العامة إلى تجنّب قدر الإمكان، الحاجة إلى مراسيم تطبيقية يمكن أن تعيق تطبيقه لاحقاً أو تؤخره. لكن هذا لا يعني في الوقت نفسه أن التطبيق سيكون قريباً. يتوقع رئيس اللجنة سجيع عطية في حديثه لـ"المفكرة" أن لا يطبق القانون قبل سنتين، بسبب الحاجة إلى عدد من المراسيم وإلى تحضيرات تقنية وإدارية وتنظيمية. ومن المعوقات الأساسية:

  • عدم تشكيل الهيئة الناظمة، وهي العمود الفقري لتنفيذ القانون.
  • عدم توفّر العدادات الذكيّة القادرة على القراءة بالاتجاهين (الكميات المحولة إلى الشبكة والمستهلكة منها، فمؤسسة كهرباء لبنان سبق أن أطلقت أكثر من مناقصة للحصول على العدادات من دون أن يتقدم أيّ عارض بسبب الخشية من التعاقد مع مؤسسات الدولة، بخاصّة أن دفتر الشروط يربط عملية الدفع بتأمين مصرف لبنان للدولارات.
  • عدم تحسّن مستوى التغذية، إذ أن تبادل الطاقة الكهربائية يتطلب، بحسب حايك، أن يرتفع الإنتاج إلى حدود 1000 ميغاواط، أي نحو، 10 ساعات من التغذية العامة، بما يضمن إيصال الطاقة إلى كلّ محطات النقل. علماً أن هذه الكمية قد تسمح بتبادل الطاقة عبر خطوط النقل أو التوزيع، إلا أن المنتجين الأفراد سيبقون غير قادرين على الاستفادة بشكل كامل من عملية التبادل إلا في أثناء التغذية بالتيار، أي خلال 10 ساعات فقط، ما يؤكد أن التطبيق السليم والعادل للقانون لا يستوي إلا بتخطي التغذيّة للعشرين ساعة. 

التطبيق ممكن فوراً في حالة واحدة

لكن بالرغم من هذه المعوقات، يؤكد عطيّة أن القانون المطروح سيُشكّل عند تطبيقه نقلة نوعية في قطاع الكهرباء لناحية سماحه بتكريس التوجه العالمي نحو الطاقة البديلة وتنظيمها. كذلك سيؤدي إلى تخفيض فواتير الناس وإلى تخفيض كلفة إنشاء نظام طاقة بديلة بسبب إمكانية التخلي عن البطاريات. كما يركز عطية على أن هذا القانون سيقلص الحاجة إلى الفيول ويحد من التلوث البيئي.

من جهته، ينبّه المستشار القانوني لمركز حفظ الطاقة علي برّو عبر "المفكرة" إلى أنه بخلاف الفكرة السائدة، فالقانون قابل للتطبيق فوراً في جزء منه، بحيث يمكن لمن يملك نظام طاقة متجددة أن يبيع الطاقة لمن يسكنون في المبنى نفسه أو في مبان مجاورة مباشرة، والاتفاق على السعر مع المشتري، موضّحاً أن ذلك إن كان ممكناً سابقاً إلا أنه اليوم أصبح قانونياً. أما اشتراط المادة 4 من القانون عدم وجود شبكة كهرباء في عقار المستهلك للاستفادة من هذه الحالة، فيقول برّو إن الغاية منه تجنّب الاحتكار في حال وجود بعض القرى على عقارات قليلة، وهو لا يتعلق بالمباني بل بالأراضي.

وإذ يشكك الخبير البيئي زياد أبي شاكر في سبب حصر المشروع بإنتاج ما دون ال10 ميغاواط، فهو يطالب بإنجاز قانون شامل يتناول إنتاج الطاقة البديلة بالمطلق، ويفتح المجال أمام لامركزية إنتاج الكهرباء وبيعها ويفسح المجال أمام البلديات لإنشاء مزارع شمسية والاستقلال طاقوياً. ويقول لـ"المفكرة" إن المطلوب قانون واضح لا يؤدي إلى تطبيقه بشكل استنسابي. ولأن مشكلة الكهرباء مرتبطة مباشرة بالاقتصاد والصناعة، يذكّر أبي شاكر أنه لم يعد مقبولاً أن يحصل الصناعي اللبناني على الكهرباء بسعر 27 سنتاً في حين أن نظيره التركي يشتريها ب3 سنتات فقط.

للاطّلاع على مشروع القانون