اقتراح ثالث حول مجلس الشيوخ: الشيوخ للطائفة والنواب للزعيم
02/06/2025
تقدم النائب نعمة افرام بتاريخ 27 أيار 2025 باقتراح قانون يرمي إلى تنظيم انتخاب أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وهو الثالث بعد الاقتراح المقدم من النائب علي حسن خليل والاقتراح المقدّم من النائبين ملحم خلف ونجاة عون حول مسألة مجلس الشيوخ. وتأتي هذه المبادرات كلّها في خضمّ النقاش السياسي الدائر في اللجان المشتركة في مجلس النوّاب حول جملة من الاقتراحات المتعلّقة بالانتخابات النيابيّة المفترض حصولها في أيّار 2026 والتي باتت تترافق ببحثٍ حول إنشاء مجلس الشيوخ الذي ينص عليه الدستور في المادة 22 منه.
وبالعودة إلى اقتراح النائب نعمة افرام، فإنّ المادّة الأولى منه تنصّ على أن يكون مجموع عدد النواب والشيوخ 128 عضوًا، ينقسمون بالتساوي بين 64 نائبًا منتخبين خارج القيد الطائفي على أساس النظام الأكثري و64 شيخًا منتخبين على أساس النظام النسبي ووفقًا للقيد الطائفي. وتنص المادة الأولى أيضا على أن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة لانتخاب مجلس الشيوخ. إلّا أنّ المادة الرابعة تعود إلى موضوع الأنظمة الانتخابيّة المعتمدة فتوضح أنّه بالنسبة إلى مجلس الشيوخ، يعمل بالنظام النسبي فقط لانتخاب "المذاهب التي يساوي أو يتجاوز عدد مقاعدها الثلاثة"، بينما "يعتمد النظام الأكثري البسيط ضمن المذاهب التي يقلّ عدد مقاعدها عن ثلاثة"، وفي ذلك تشابه مع ما نصّ عليه اقتراح خلف وعون، في حين أن اقتراح حسن خليل تبنى النظام النسبي لكل المقاعد.
وتنص المادة الثانية من الاقتراح أنّ "يتوزّع النوّاب الأربع وستون (64) المنتخبون خارج القيد الطائفي على خمسة وعشرين ([1]25) دائرة انتخابية الواردة في قانون الانتخابات رقم 44 تاريخ 17/6/2017". فيما المادة الثالثة تنص في المقابل على كيفيّة توزيع الشيوخ على "المذاهب المعترف بها" في لبنان وذلك "وفقًا للنسب المعتمدة لتوزيع النواب على المذاهب في قانون الانتخابات رقم 44"، وتحدد المادة عدد المقاعد المشيخية لكل طائفة. ويضمّ اقتراح النائب افرام ملحقين يتضمنان كيفيّة تقسيم مقاعد النواب على الدوائر الانتخابيّة ومقاعد الشيوخ على الطوائف.
ويضيف الاقتراح في مادته الرابعة على أنّ يقترع الناخب لممثلي طائفته حصرًا في مجلس الشيوخ، وهو الحل المعتمد في اقتراحي حسن خليل وخلف وعون.
وتحدد المادة الخامسة معايير توزيع المقاعد ال128 "الحالية"، وذلك بالتساوي بين مجلسي النواب والشيوخ بحيث يتم اعتماد نفس عدد النواب والشيوخ "عندما يكون عدد المقاعد المخصّصة لمذهب معيّن في دائرة محددة مزدوجًا". أمّا في حال تجاوز "عدد المقاعد المخصصة لمذهب معيّن في دائرة واحدة المقعدين" عندها يكون "ترجيح حصّة الدائرة لمجلس النواب". أمّا بخصوص المقاعد المخصصة في قانون الانتخاب الحالي لمذهب معيّن والتي تُنتخب من أكثريّة ناخبين من مذاهب أخرى، فتدرج حكمًا ضمن مقاعد مجلس الشيوخ. وبشأن "جميع المقاعد المنفردة على مستوى الوطن والمخصصة لمذاهب ذات تمثيل محدود وخصوصي" فهي تدرج ضمن مجلس الشيوخ. وتضيف المادة أنّ المقاعد المنفردة لمذهب معيّن في الدوائر المختلطة بين المذاهب تؤول إلى مجلس الشيوخ. وأخيرًا تشير المادة إلى حالات استثنائيّة تبقى فيها المقاعد ضمن مجلس النواب "من أجل المحافظة على المناصفة والتمثيل المناطقي العادل بين المجلسين"، وتعددها اسميًّا في البند السادس من المادة الخامسة.
وفي حين تطرق اقتراح عون وخلف إلى صلاحيات مجلس الشيوخ بالتفصيل، اقتصر الاقتراح الحالي في مادته السادسة على اعتبار "كلّ من مجلس النواب ومجلس الشيوخ هيئة مستقلّة من حيث الصلاحيات، على أن تحدد صلاحيات ووظائف المجلسين في النظام البرلماني اللبناني لاحقًا بموجب قانون".
ويكمل الاقتراح متطرّقًا إلى كافة جوانب العمليّة الانتخابيّة بحيث يستعيد مندرجات قانون الانتخابات النيابية رقم 44 كما يضيف عليها فقرة جديدة للنظام الانتخابي لمجلس الشيوخ. وبالتالي يُبقي الاقتراح على مسائل شروط الترشيح والاقتراع، والإشراف على الانتخابات من قبل هيئة الإشراف، والأعمال التحضيريّة والقوائم الانتخابيّة، والتمويل والإنفاق الانتخابيين، والإعلام والإعلان الانتخابيين، وأعمال الاقتراع، وأعمال الفرز وإعلان النتائج، وحالات التمانع، وأخيرًا اقتراع المغتربين حيث يلغي المقاعد النيابية الستّة المخصّصة للمغتربين ويُفهم من الاقتراح أنّ المغتربين يقترعون للنواب والشيوخ بحسب الأقضية المسجلين فيها في لبنان.
أمّا الأسباب الموجبة للاقتراح، فهي تنص على أنّ هذا "القانون الانتخابي المختلط" يهدف إلى الوصول إلى "دولة أساسها المواطنة، تكون حديثة، منتجة، محصّنة ضدّ التعطيل، ورشيقة في اتخاذ قراراتها"، نظرًا إلى أنّه "قانون انتخابي حديث يحفظ التوازنات، بما يؤمّن التشارك التمثيلي المباشر والعادل في السلطة".
وتنص هذه الأسباب على أن يتم انتخاب النوّاب "من خارج القيد الطائفي، بما يؤمّن نموذجًا أفضل وأمثل يراعي بامتياز المعادلات الجغرافيّة والديمغرافيّة والاتجاهات الخاصّة بالجماعات اللبنانيّ". أمّا اعتماد القيد الطائفي في انتخاب مجلس الشيوخ فيهدف إلى "إعادة التمثيل المذهبي ترشيحًا واقتراعًا، بما يؤمّن قواعد إدارة التنوّع والحفاظ على تمثيل مكوّنات المجتمع الطائفيّة".
وتنتهي الأسباب الموجبة بالنصّ على أنّ هذا النظام الانتخابي الجديد يهدف إلى حلّ مسألتين مزمنتين هما أوّلًا التمثيل الطائفي السليم، حيث يستطيع كلّ مذهب إيصال مرشحيه دون طغيان أو فرض إرادة مذهب معيّن على مرشح من مذهب آخر، وثانيًا التمثيل السياسي والمناطقي السليم، حيث تستطيع الأحزاب والقوى السياسيّة والمجتمعيّة إيصال مرشّحيها كلّ بحسب حجمه.
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّ النقاش في هذا المقال سينحصر بإنشاء مجلس الشيوخ والجوانب السياسيّة والقانونيّة لهذه المسألة من دون التطرّق إلى باقي الأمور التي ينص عليها الاقتراح والمتعلّقة بتنظيم وسير العمليّة الانتخابيّة. وعليه، يجدر إبداء الملاحظات التالية :
قانون انتخاب لمجلس غير موجود
يأتي اقتراح النائب نعمة افرام ليضع قانون انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ فيما هذا المجلس لا وجود دستوري له بعد، وإنّما هو مجرّد مشروع أو مخطط تنص عليه المادة 22 من الدستور التي تقول بضرورة إنشاء مجلس شيوخ مع إلغاء التمثيل الطائفي في مجلس النواب على أن يتم ذلك بناء لخطة مرحلية تشرف عليها الهيئة الوطنية المنصوص عليها في المادة 95 من الدستور علما أن كل هذه التفاصيل لم يتم تطبيقها حتى الآن.
بالتالي، يبقى من المستغرب التسرّع في وضع قانون انتخاب لمجلس غير موجود فعليا، مع صلاحيات غير معلومة، بينما الأولى هو تنفيذ موجبات المادة 95 من الدستور عبر إنشاء الهيئة الوطنية والتقدم بتعديل دستوري ينشئ مجلس الشيوخ ويحدد صلاحياته بشكل دقيق وحينها يمكن إقرار القانون المتعلق بكيفية انتخاب أعضائه.
قانون لتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ
من جهة أخرى، تنص المادة السادسة وبشكل مستغرب على تحديد "صلاحيات ووظائف المجلسين في النظام البرلماني اللبناني لاحقًا بموجب قانون"، ما يعني أن هذا الاقتراح يقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه اقتراح عون وخلف عبر الاعتقاد بأن صلاحيات مجلس الشيوخ يمكن تحديدها بقانون عادي بينما المنطق الدستوري السليم يحتّم تعديل الدستور من أجل إنشاء هكذا مجلس وتحديد صلاحياته إذ لا يعقل أن يتم تنظيم العلاقة بين مجلسي الشيوخ والنواب بموجب قانون كون هذه المسائل تدخل في الآلية التشريعية التي تعتبر من الأمور التي يحجزها الدستور له حصرا. فمجلس الشيوخ، كي يكون له أي معنى فعلي، يجب أن يكون جزءا من السلطة التشريعية، وهذا لا يمكن أن يتحقق بأي شكل من الأشكال إلا عبر تعديل الدستور والنص صراحة على أن البرلمان في لبنان بات يتألف من غرفتين.
النظام الأكثري في انتخاب النوّاب يناقض عدالة التمثيل
يعتمد الاقتراح النظام النسبي في انتخاب الشيوخ بينما يتبنى النظام الأكثري في انتخاب النواب. وهكذا يتبين أنّ التعدديّة في التمثيل هي متاحة في انتخاب مجلس الشيوخ كون الاقتراع النسبي سيسمح بتمثيل كل التوجهات داخل الطائفة بينما الأمر بات يختلف كليا في مجلس النواب بسبب اعتماد النظام الأكثري وفي الدوائر الصغرى المنصوص عليها في قانون الانتخابات لسنة 2017 أي أنّ معظم هذه الدوائر هي مطابقة للأقضية وتحتوي على أكثريّات طائفيّة واضحة ستسمح للأحزاب الطائفية المهيمنة من السيطرة على التمثيل النيابي في القضاء. وهذا ما يمكن توقعه مثلا في أقضية جبيل وكسروان والمتن وصور وجزين والنبطية وطرابلس وزغرتا وبشري وغيرها.
ولا شكّ أنّ هذا النظام الانتخابي يشبه إلى حدّ كبير قانون الانتخابات لسنة 2008 والذي تمّت الانتخابات على أساسه سنة 2009 إذ كان القضاء هو في المبدأ الدائرة الانتخابية مع نظام اقتراع أكثري. فالاقتراح يعلن من جهة نيته تحرير مجلس النواب من التمثيل الطائفي لكنه يعمد إلى تكريس دوائر انتخابية صغيرة نسبيا تؤدي إلى إعادة إنتاج المنطق الطائفي نفسه المنوي اعتماده في مجلس الشيوخ لكن وفقا لنظام أكثري ما يسمح للأحزاب الطائفية بتعزيز هيمنتها كونها ستتمكن من حصد ليس فقط نسبة معينة من الشيوخ لكن أيضا غالبية النواب إن لم يكن كلهم في الدائرة الانتخابية.
ربط انتخاب النواب بانتخاب الشيوخ قد يطيح بالإثنين
إنّ الاقتراح المقدّم يقوم بتقسيم عدد المقاعد ال128 الموجودة حاليًّا في مجلس النوّاب على مجلسين بالتساوي، أي 64 نائبًا و64 شيخًا، ويربط انتخاب المجلسين ببعضهما البعض حيث تنص المادة 99 أنّ الناخب في عمليّة الاقتراع يزوّد بورقتين واحدة لانتخاب النائب وأخرى لانتخاب الشيخ، ما يدلّ على أنّ انتخاب المجلسين يتمّ في الوقت عينه. إلّا أنّه في ظلّ عدم وجود مجلس الشيوخ دستوريًّا، ونظرًا إلى غياب أي خطوة جديّة تنبئ بإنشائه من خلال تعديل دستوري، فإنّ العمل بهذا الاقتراح في حال اقراره قد يطيح بالعمليّتين الانتخابيّتين برمّتهما إذ كيف يمكن تقليص عدد النوّاب وانتخابهم خارج القيد الطائفي وانتخاب 64 شيخًا يمثلون الطوائف في ظل عدم وجود فعلي لمجلس الشيوخ لا سيما وأن المادة 24 من الدستور تفرض التمثيل الطائفي في مجلس النواب.
ولا بدّ من الملاحظة أنّ الاقتراح بجعل عدد النوّاب والشيوخ متساويا إنّما يسير بعكس التجارب المعتمدة في غالبية دول العالم التي تقوم على ثنائية غرف البرلمان حيث عدد الشيوخ يكون أقلّ من عدد النوّاب كون نظام الاقتراع يختلف بين المجلسين إذ ينتخب النواب مباشرة من المواطنين ما يعني ضرورة أن يعكس عدد النواب الحجم الديموغرافي للشعب، بينما ينتخب الشيوخ بشكل غير مباشر أو من قبل هيئات انتخابية خاصة ما يفسّر في المبدأ تقليص عددهم الذي من غير الضروري أن يكون نسبيا للحجم الديمغرافي للدولة.
اقتراح يطيح بانتخاب فئتين من اللبنانيين
إن الاقتراح المقدّم لا يتنبّه إلى مسألتين أساسيّتين قد تطيحان بإمكانيّة المشاركة في العمليّة الانتخابيّة لثلاث فئات من اللبنانيين وبالتالي المسّ بمبدأ المساواة، وهما أبناء الطائفتين اليهوديّة والإسماعيليّة واللبنانيين الذين شطبوا قيدهم الطائفي من سجلّات الأحوال الشخصيّة.
بخصوص اللبنانيين من الطائفة اليهوديّة فإنّ الملحق رقم 2 للاقتراح الذي ينصّ على توزيع مقاعد مجلس الشيوخ طائفيًّا لم يخصص أي مقعد للطائف اليهوديّة وهي طائفة معترف بها في القرار 60 LR الصادر سنة 1936 الذي يعدد الطوائف التاريخيّة في لبنان. وبالتالي ونظرًا إلى انتخاب اللبنانيين لأبناء طائفتهم حصرًا في مجلس الشيوخ فإنّ ذلك سيؤدّي إلى حرمان اللبنانيين اليهود من المشاركة في الانتخابات المشيخيّة ما يشكل خرقا للمساواة ويؤدي إلى حرمانهن من حقوقهم الدستورية. وإذ عالج اقتراح خلف وعون هذه المسألة وغابت عن اقتراح خليل، يبقى أن جميع هذه الاقتراحات لم تقدم أي حلّ لمسألة تمثيل الطائفة الإسماعيليّة التي تدخل في عداد الطوائف التاريخيّة مثل سائر الطوائف.
الأمر نفسه بشأن اللبنانيين الذين أقدموا على شطب قيدهم الطائفي والذين سيحرمون أيضًا من الانتخاب على أساس النظام الذي يعتمده هذا الاقتراح. لذلك من الممكن تخصيص عدد معين مقاعد لتمثيل المواطنين الذين لا يريدون تصنيفهم طائفيا من الناحية الإدارية أو يمكن السماح لهم بانتخاب أي من المرشحين أو أي حل آخر يسمح بالحفاظ على حقهم بالمشاركة في انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ مثل سائر اللبنانيين.
في الخلاصة، إنّ الاقتراح الحالي يقوم بتنظيم انتخابات لمجلس شيوخ لا يوجد إلّا في المخيّلة الدستوريّة لواضعي اتفاق الطائف كما أنّ لا صلاحيّات له، ومن دون أن يكون هناك أي بوادر للسير بما ينص عليه الدستور من إلغاء للطائفيّة السياسيّة تدريجيًّا وصولًا إلى إنشاء هذا المجلس. كما أنّ الاقتراح يحمل تناقضات إذ من جهة يعتمد نظاما انتخابيا نسبيا يؤمّن تعدديّة التمثيل لدى الشيوخ، بينما يقوم من جهة أخرى بإعادة النظام الأكثري بدوائر انتخابيّة تحمل هيمنة طائفيّة بالنسبة لمجلس النوّاب. ولا شكّ أنّ ذلك سيؤدّي إلى إجحاف في التمثيل والتعددية بالنسبة للنواب، ويضرب بالتالي غاية الاقتراح المعلنة أي التمثيل السياسي والمناطقي السليم وإيصال القوى السياسيّة والمجتمعيّة مرشحيها كلّ بحسب حجمه كما تنصّ الأسباب الموجبة. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الاقتراح يقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه اقتراح النائبين عون وخلف لاعتباره بأنّه يمكن تحديد صلاحيّات مجلس الشيوخ بقانون وهو ما يشكل مخالفة دستورية جسيمة. وفي النهاية، يردد هذا الاقتراح الخطاب السائد إذ إنّه يحمّل وزر المشاكل السياسيّة في لبنان للطائفيّة السياسيّة وينادي بضرورة حصرها في مجلس الشيوخ، بينما الواقع هو أن كل هذا النقاش الدستوري يخفي صراعا بين الأحزاب المهيمنة على المجلس بهدف المزايدة الطائفية وتحقيق مكاسب سياسيّة قبل موعد الانتخابات.
[1] علمًا أن جداول قانون الانتخاب ينص على وجود 26 دائرة صغرى.