ملاحظات حول مسودة الموازنة العامة: حين ينسف التخلّي عن الإيرادات أدوار الدولة

فادي إبراهيم

22/09/2025

أحال وزير المالية ياسين جابر في تاريخ 29/8/2026 مسودّة مشروع موازنة العام 2026 إلى الحكومة، التي تخصص جلسات متتالية لدراستها. هذه الموازنة هي الأولى التي تعمل حكومة الرئيس نواف سلام على إعدادها، بعدما كانت أقرّت موازنة 2025 المعدّة من الحكومة السابقة بمرسوم بعد امتناع لجنة المال والموازنة وتاليا الهيئة العامة للمجلس النيابي عن درسها. وعليه، يُفترض أن يعكُس مشروع موازنة 2026 رؤية حكومة "الإصلاح والإنقاذ" وتوجهاتها في ما يتعلّق بالمالية العامة والنظام الضريبي وأوضاع القطاع العام وأولوياتها الاستثمارية، ومدى قدرتها على القطع مع الممارسات والتوجهات في الموازنات السابقة. إلّا إنّ الاطّلاع على مسودّة المشروع التي أعدّتها وزارة المالية يُفيد بأنّها جاءت مفْرغة من أيّ رؤية إصلاحية أو إنقاذية، سواء على صعيد الإنفاق أو الجباية. إذ ذاك، فإنّ الحكومة بوزرائها يقفون أمام امتحان جدّية الوعود المقطوعة في البيان الوزاري والتوجّه الإصلاحي فيه. 

لذلك، سنتطرّق في هذا المقال إلى كيف تعكس مسودّة وزارة المالية استمرارية نهج العمل السابق، كما ونستعرض الإجراءات الممكن اتّخاذها من قبل الحكومة لتعزيز التوجه الإصلاحي للموازنة وتأمين موارد مالية تتيح لها زيادة الإنفاق الاجتماعي والاستثماري على حدّ سواء.

استمرارية لموازنات سابقة

برز الاقتضاب في مسودة وزارة المالية حيث لم تتخطّ موادّها 50 مادّة، قسم كبير منها متعلّقة بتقنيات الموازنة وإصدارها وإجازة الجباية والإنفاق وغيرها. وقد انعكس ذلك على مضمون الموازنة المقترحة بحيث أضحت أشبه بموازنة تشغيلية لتصريف الأعمال، من دون أن تحمل معها إجابات على العديد من الأزمات والمشكلات الراهنة.

استمرار غياب قطع الحساب

تكمن المخالفة الأبرز في عدم إرسال قطع الحساب عن عام 2024. إذ نصّ قانون المحاسبة العمومية صراحة في المادّة 195 منه على وجوب أن تضع مصلحة المحاسبة العامة لدى وزارة المالية قطع حساب الموازنة الذي يجب تقديمه إلى ديوان المحاسبة قبل 15 آب، بالإضافة إلى حساب المهمة العامّ الذي يجب تقديمه قبل الأول من أيلول، وهما إجراءان لم يحصلا.

فبخلاف ما حصل عند إقرار قوانين الموازنة لسنوات 2017-2018-2019-2020 و2024 حيث تم التأكيد على ضرورة إنجاز قوانين قطع حساب واستثنائية تجاوز هذه القاعدة أو على الأقل ضرورة تعزيز موارد ديوان المحاسبة لضمان احترامها، بدا مقترح المالية وكأنه يطبّع تماما مع هذه المخالفة إلى درجة تجاهلها وتجاهل ضرورة معالجتها بالكامل، في استمرارية لما حصل في قانون موازنة 2025 المقر بمرسوم. وعليه، تبقى صدقيّة الأرقام الواردة في المقترح وكل السياسات والإجراءات الواردة فيه موضع شكّ ومبنيّة على تقديرات غير ثابتة لنتائج تنفيذ الموازنات السابقة. إذ أنّ أولوية إقرار قطع الحساب على الموازنة تجد ما يبررها ليس فقط في المادة 87 من الدستور بل أيضا بأهمية المعطيات التي يجدر أن يتضمّنها قطع الحساب والتي تسمح للمجلس النيابي التحقق من كيفية تنفيذ الموازنة السابقة فعليا وتاليا من مدى صدقية البيانات أو التوقعات الواردة في مقترح الموازنة، وكلها معطيات يحتاج إليها مجلس النواب لممارسة دوره الرقابي على تنفيذ قوانين الموازنة السابقة كما دوره التشريعي في إقرار قانون موازنة جديدة. 

ولدى مراجعة التقرير الخماسي عن سنوات 2020-2024 لديوان المحاسبة، يتبدّى أن الديوان كان طلب من وزارة المالية تكرارا "عبر مذكرات عديدة وجلسات مستمرّة" تزويده بحسابات 2021 حتى 2023 من "دون نتيجة" (العبارتان بين هلالين وردَتا حرفيّا في تقرير الديوان). وهذا الأمر إنما يبيّن أن المالية هي المسؤولة الأولى عن عدم إتمام قطوعات الحساب. 

وما يزيد من حساسية هذا الموضوع هو أنّ مسودة وزارة المالية عمدت إلى مقارنة الإيرادات المُفترض تحصيلها بالإيرادات التي تمّ تحصيلها خلال العام 2021 أي في ذروة تدهور الليرة وانحسار إيرادات الخزينة العامة، بدل أن تقارنها بما تمّ تحصيله في العام 2024، ما يزيد من ضبابية الأرقام الواردة في الموازنة ويحجب معطيات أساسيّة عن الوزراء والنواب الذين يفترض أن يشتركوا في مناقشتها والتصويت عليها. 

الإنفاق الاجتماعي والاستثماري على حاله: لا اهتمام بإعادة الإعمار بانتظار هبات خارجية

في ظلّ الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يرزح قسمٌ كبير من اللبنانيين تحت وطأتها، كان يُفترض بمسودة وزارة المالية أن يحمل في طيّاته زيادة في اعتمادات الإنفاق الاجتماعي، خصوصا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير. فالمسودة لا تلحظ أيّ تغيير ملحوظ عن السنوات السابقة في ما يتعلّق بالاعتمادات المرصودة لتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية من تعليم وصحة وغيرها، ما يعكس في حال السير بأرقام الموازنة الحالية تخلّيا من الدولة عن دورها الرعائي لمواطنيها. 

الأمر نفسه يرتبط بإعادة الإعمار، فلم ترتفع الاعتمادات المرصودة لمجلس الجنوب أو للهيئة العليا للإغاثة إلّا بنسب زهيدة عن موازنة السنوات الماضيّة، وهي زيادة بالكاد تكفي للقيام بمشروع إعمار صغير. ويتبدّى إذ ذاك ألّا خطّة فعلية لإعادة الإعمار على عكس التزام الحكومة الصريح في بيانها الوزاري، بل أنّ جلّ ما تفعله هو انتظار تمويل خارجي مرتبط بظروف وقرارات سياسية لإطلاق عملية إعادة الإعمار، بينما تبقى آلاف العوائل خصوصا في القرى الجنوبية الحدودية من دون مسكنها وتلجأ إلى الإيجار ببدلات مرتفعة في أغلب الأحيان ما يزيد من تدهور أوضاعها.

أمّا بخصوص الإنفاق الاستثماري، فيُلحظ عودة خجولة لقوانين البرامج، حيث تمّ تخصيص مبالغ لتُصرف في العام 2026 لإنشاء مرفأ سياحي في خليج جونية بالإضافة لتخصيص 10 مليارات ليرة لقانون برنامج يتعلّق بالضم والفرز والإسكان والتنظيم المدني. وبطبيعة الحال، تبقى المبالغ المرصودة وندرة المشاريع الاستثمارية هي الطابع الأبرز لمسودّة المشروع.

غياب أي معالجة لأزمة الوظيفة العامة

غاب عن مسودّة المشروع أي مقاربة تتعلّق مباشرة بأوضاع الموظفين العموميين، سواء فيما يتعلّق برواتبهم أو أوضاعهم الوظيفية والتقاعد وغيرها. وفي حين أنّ إصلاح وضع الوظيفة العامة لا يُفترض أن يكون عبر قانون الموازنة، فإنّ عدم مقاربة الموضوع لا في هذا القانون ولا خارجه ولا تخصيص اعتمادات لأي تحسين في الرواتب، إنما يعكس النيّة في إبقاء الأوضاع المزرية في الوظيفة العامّة والمُتقاعدين كما هي. وليس أدلّ على ذلك من تناول الوظيفة العامة من خلال أمرين ثانويين: الأولى تتعلّق بوضع سقف للتدرّج المعمول به في الإدارات والمؤسسات العامة بنسبة 3.5% سنويا، والثانية وقف الاستخدام الإضافي في وزارة التربية ما لم يتم لحظ اعتمادات في الموازنة لتغطية ذلك.

وفي ظلّ عجز الحكومة والمجلس النيابي حتّى اللحظة عن إعداد هذه السلسلة، يتبيّن أنّ جوابها الوحيد لأزمة رواتب القطاع العام كان إعطاء منح شهرية تُدفع لفئات معيّنة في القطاع العام تحاول ترقيع الأزمة مقابل هضم الحقوق المتعلّقة بتصليح أساس الرواتب، ومن دون تقديم أي معالجة حقيقية للفجوات التي يعاني منها القطاع العامّ سواء على صعيد هيكليته أو على صعيد رواتب العاملين فيه.

غياب الإصلاحات الضريبية

على عكس الموازنات السابقة، خلتْ المسودّة من موادّ تُعدّل الشطور الضريبية أو تفرض ضرائب جديدة أو تتيح إمكانية تقسيط الضرائب أو إجراء تسويات عليها أو الإعفاء منها. جلّ ما ورد في هذا الصدد هو زيادة بعض الرسوم والغرامات لمعالجة أثر تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، خصوصا في ما يتعلّق بالغرامات المنصوص عنها في قانون الإجراءات الضريبية. اللافت في هذا الصدد هو مضاعفة الغرامات المذكورة 25 مرّة، علما أنّ إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الانهيار يستلزم مضاعفتها بحوالي 60 ضعفا. وما يثير الاستغراب في هذا الصدد هو استمرار غياب المعيار الموحد لمضاعفة الرسوم والغرامات لدى وزارة المالية.

ومقابل غياب الإصلاحات لبنية الضرائب وهيكليتها، برزت إجراءات تحاول الحدّ من التهرّب الضريبي، من بينها مضاعفة الغرامات المتعلّقة بتصريحات صاحب الحق الاقتصادي في حال تأخرها عن مواعيدها أو عدم التصريح عنها، بالإضافة لوضع سقف لاحتساب استهلاك السيارات ضمن الأعباء القابلة للتنزيل بحيث لا يزيد سعر المركبة الآلية عن 25 ألف دولار. كما يبرز في هذا الصدد ومقابل اقتراح إلغاء ضريبة الملاهي، إخضاع الأشخاص غير المسجلين ضمن نظام الضريبة على القيمة المضافة والذين تندرج نشاطاتهم ضمن ضريبة الملاهي إلى هذا النظام بما يضمن عائدات للخزينة، خصوصا في ما يتعلّق بالحفلات التي يؤدّيها فنّانون لمرّة وحيدة في لبنان ولا يدفعون ضرائب على إيرادتها.

ولعلّ الإجراء الملفت في هذا الصدد هو الإجازة لمجلس الوزراء إلزام جهات رسمية أو حتّى مكلّفين عاديين باقتطاع نسبة 3% من المبالغ التي يدفعها مكلّفون آخرون وتوريدها إلى الخزينة كأمانة على حساب ضريبة الدخل أو الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمكلّفين المقتطع منهم، على أن يُحسم من الضريبة المتوجبة عليه. وكذلك الأمر بالنسبة للجمارك، حيث يُمكن لمجلس الوزراء الطلب من إدارة الجمارك اقتطاع نسبة 3% من قيمة البضائع المستوردة من المكلّفين وتوريدها إلى الخزينة بنفس الطريقة. وتسعى وزارة المالية عن طريق هذه الآليات إلى تفعيل الالتزام الضريبي، كما وتوفير إيرادات سريعة لها من دون انتظار موعد استحقاق دفع هذه الضرائب على المكلّف في فترات لاحقة. إلّا أنّه يبقى أن تفويض الحكومة بناء على اقتراح وزير المالية باختيار المكلّفين الذين سيطبّق هذا الاقتطاع عليهم من دون وضع أي معيار موضوعيّ يؤدي إلى منح السلطة التنفيذية سلطة استنسابية في فرض ضرائب ورسوم إضافية، بما يخالف مبدأ حصر المجال الضريبي بالسلطة التشريعية. وما يزيد من الاستنسابية، هو الغموض في آليات تطبيق هذا الرسم في حال فرضه. 

تعديلات مقترحة لإيرادات إضافية

إنّ الذريعة الأولى لتبرير عدم زيادة الإنفاق الاجتماعي أو الاستثماري أو الإنفاق على إعادة الإعمار أو تحسين أوضاع الموظفين العامين والمتقاعدين هو نقص الإيرادات. إلّا أنّ هذه الحجة غير مقنعة طالما أن  السلطة التنفيذية تبقى قاصرة عن تحصيل مستحقاتها في مجالات عدة، وبخاصة مستحقاتها في ذمة قطاعات نافذة، مخالفةً في ذلك مبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة. وهذا ما سنحاول تفصيله أدناه. 

فائض الخزينة للمجتمع وليست للمصارف

خلال السنوات الماضية، تراكم في حسابات الخزينة لدى مصرف لبنان مبلغ يُقدّر بحسب المعلومات الصحفية (تبعا لغياب قطوعات الحساب) بما يُقارب الملياريْ دولار، ناتجة عن فوارق بين الإيرادات التي يتم تحقيقها فعليا وما يتم إنفاقه فعليا. ويُشكّل المبلغ المقدّر ما بين 30 إلى 40% من قيمة نفقات الموازنة المقترحة. وإذ ينص قانون المحاسبة العمومية على وجوب تحويل هذه الأموال إلى مال احتياط لتغطية عجوزات مستقبلية أو اعتمادات إضافية أو لتمويل مشاريع إنشائية، لا نجد أيّ أثر لهذه الأموال في مسودة الموازنة، بما يعزز المخاوف من إمكانية تخصيصها في إعادة رسملة مصرف لبنان أو تسديد ديونه. 

إمكانية تحصيل مبالغ طائلة من قطاع المقالع والكسّارات

أجرت وزارة البيئة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2022 دراسة احتسبت فيها مستحقّات قطاع المقالع للخزينة من رسوم وضرائب وكلفة تدهور البيئة وإعادة التأهيل. وقد توصّلت الدّراسة إلى أن المستحقّات بلغت 2.394 مليار دولار أميركي بالحدّ الأدنى، وهي تمثل قيمة التعويضات المستحقة للدولة من رسوم وضرائب وكلفة تدهور البيئة والتأهيل البيئي، بحسب الكميات المستخرجة من المقالع والكسارات ومحافر الرمل بين عامي 2007 و2018. وفيما كان ينتظر وضع آليات لتحصيل هذه المستحقات بما يدعم موازنة الدولة، جاء قرار الحكومة في 15 أيلول ليقوّض احتمال حصول ذلك في القريب المنظور، بحيث عمدت وزارة البيئة ومعها الحكومة إلى التشكيك بالمسوحات والمنهجية المعتمدة في احتساب الضرر البيئي وكلفة إعادة التأهيل من دون وضع خطة زمنية لإنجاز التصحيحات التي تراها ضرورية قبل إطلاق عملية المحاسبة. 

الأملاك البحرية

لا تزال الإيرادات المتوقّعة في المسودّة المتأتية عن الضرائب على الأملاك البحرية تساوي صفر. وتبعًا للانتقادات التي تمّ توجيهها في هذا الخصوص، أقرّت الحكومة آلية جديدة لاحتساب رسوم إشغال الأملاك البحرية، الأمر الذي ينتظر أن يؤدي إلى رفع الإيرادات المتوقعة في هذا الخصوص. إلا إنه يبقى أن عدد الشاغلين قانونيا لا يتعدى 56 شاغلا، وأن سائر الشاغلين للأملاك البحرية عن طريق المخالفة يشغلونها منذ عقود من دون تسديد أي رسم عنها. وإذ فتح قانون 64/2017 الباب لمعالجة هذه المخالفات، فإن 583 فقط من أصل 1199 قدموا طلبات معالجة بين 2017 و2021 ضمن المهل القانونية من دون أن تنجز الإدارة دراسة هذه الملفات وإصدار مراسيم على أساسها تمهيدا لتحصيل رسوم منهم. وعليه، لا هي منحت مراسيم معالجة لمن يستحق تمهيدا لتحصيل إيرادات منه. ولا هي أخلت الأملاك البحرية المعتدى عليها والتي لا يمكن معالجة المخالفات الحاصلة عليها أو التي لم يتفدّم شاغلوها أصلا بطلبات معالجة.     

تطبيق تبادل المعلومات الضريبية

لا تزال وزارة المالية تمتنع عن تطبيق القانون رقم 55/2016 لجهة تبادل المعلومات الضريبية بما يُتيح الاستحصال على مداخيل ضريبية من مقيمين في لبنان ولديهم مداخيل من الخارج، بما يسمح للإدارة الضريبية اللبنانية بتحصيل عائدات ضريبية كبرى. وما يزيد من الاستغراب في هذا الصدد هو أنّ وزارة المالية تمنح المعلومات المطلوبة منها بموجب هذا القانون والاتّفاقيات الدولية إلى الخارج، وقد التزم لبنان بحسب ما هو متوفّر من معطيات بمنح معلومات إلى أكثر من 67 دولة، من دون أن يطلب المعاملة بالمثل والحصول على معلومات ضريبية.

إلغاء الإعفاء من ضريبة الأملاك المبنية للوحدات الشاغرة

وصل مجموع الوحدات السكنية المصرّح عن شغورها وفق أرقام وزارة المالية لسنة 2023 إلى 380781 وحدة سكنية 62% منها تقع في بيروت وجبل لبنان (وهما المحافظتان اللتان يتمركز فيها بشكل كبير النشاط الاقتصادي)، فإنّ مسحا أجراه مؤخرا مختبر المدن في الجامعة الأميركية بيّن أنّ نسبة شغور الوحدات السكنية في بيروت يُلامس نسبة 20%. هذه الوحدات، معفاة من الرسوم البلدية فضلا عن إعفاء مالكيها من الضريبة على الأملاك المبنية. 

حصلت محاولة تعديلية واحدة تمثلت في مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2022 المحال بموجب المرسوم رقم 8877، بحيث نصت المادة 61 منه على إدخال تعديل على إعفاء الشقق في الأبنية المنجزة حديثا من الضريبة على الأملاك المبنية بحيث وضعت حدّا أقصى لمدة الإعفاء على خلفية أنها شاغرة. إلّا أنّ لجنة المال والموازنة عادت وتراجعت عن هذه المادّة حاذفةً إيّاها من المشروع، ولم تقم وزارة المالية بإدخال مادة مماثلة في أي من مشاريع موازنات 2023 و2024 و2025 فيما بعد.

ومن شأن إلغاء هذا الإعفاء أن يضمن أولا الحق الدستوري بسكن لائق والموجب على عاتق الدولة، كمساهمة منها في التخفيف من الأزمة السكنية والإسهام في وضع سيّاسة إسكانيّة، من خلال تحفيز المالكين على استثمار الوحدات السكنية المملوكة منهم، على نحو يزيد من عرض هذه الوحدات ويشكل عاملا في تخفيض بدلات الإيجار المعتمدة. ومن جهة أخرى، يُسهم هذا الإجراء بإلغاء هذه الوسيلة المعتمدة للتهرّب الضريبي من قبل الكثير من المكلّفين عن طريق التصريح شغور الوحدات السكنية، وتاليا يؤمّن إيرادات إضافية للدولة والبلديات.

إيرادات ضريبة الأملاك المبنية

لا تزال ضريبة الأملاك المبنية غير خاضعة للضريبة التصاعدية فعليا. فالشطور الضريبية تُحتسب على أساس الإيرادات الناتجة عن كلّ عقار على حدة سندا للمادّة 54 من قانون ضريبة الأملاك المبنية، وليس على أساس مجموع إيرادات الشخص المكلّف من إيرادات جميع العقارات التي يملكها وتدرّ عليه إيرادات. وبذلك، يُصبح الوصول إلى الشطور العليا في ضريبة الأملاك المبنية أمرا صعبا، بل يُبقي المكلفين خاضعين بشكل كبير للشطور الدنيا. 

وإذ لا تُشكّل إيرادات ضريبة الأملاك المبنية والغرامات المفروضة فيها أكثر من 34 مليون دولار ضمن ما تتوقّع مسودّة وزارة المالية جبايته (أي 0.6% من مجموع الإيرادات المقدّرة فقط)، من البيّن أنّه يُمكن زيادة هذه الإيرادات بشكل ملحوظ عن طريق تعديل بسيط في الموازنة للمادّة 54 من قانون ضريبة الأملاك المبنية يجعل احتساب الإيرادات الخاضعة للضريبة عن مجموع إيرادات عقارات المكلّف وليس إيردات كلّ عقار على حدة. وإذ يُمكن أن تشكّل هذه الخطوة خطوةً مرحلية أولى، يُؤمل أن تكون مفتاحا في حال تطبيقها لتعديل مجمل النظام الضريبي بحيث تُفرض على المكلّف ضريبة موحدة عن جميع المداخيل التي يجنيها على اختلاف مصادرها (ضريبة دخل، ضريبة أملاك مبنية..)، وذلك بغية الوصول إلى تطبيق فعلي لنظام الضريبة التصاعدية.