لجنة الأشغال الخميس: تصويب وجهة الترسيم مع قبرص

إيلي الفرزلي

01/10/2025

انشر المقال

تعقد لجنة الأشغال النيابية يوم غد الخميس جلسة ثانية للبحث في ملف الترسيم مع قبرص، بعد جلسة أولى عقدت في 19 أيلول، خلطت الأوراق وأدّت إلى تجميد المسار المتسارع الذي كانت سلكته المفاوضات الشكلية مع قبرص، والتي كادت تقود لبنان إلى التخلّي عن حقوقه في مياهه الإقليمية. 

اللجنة النيابية كانت قرّرت في الجلسة السابقة، متابعة بحث الملف وصولاً إلى الخروج بتوصية واضحة وعلمية للحكومة، تستدرك ما خسره لبنان في اتفاقية العام 2007، على ما قال رئيس اللجنة سجيع عطية. وهي لذلك، دعت خبيراً دولياً متخصصاً في قوانين البحار إلى جلسة الخميس. فهل تكون هذه الجلسة حاسمة في تصويب الموقف اللبناني، وخوض مفاوضات جدية مع قبرص، وصولاً، إذا اقتضى الأمر، إلى طلب التحكيم الدولي؟ هذا ما يتوقّعه عدد كبير من أعضاء اللجنة الذين استمعوا إلى مجموعة من الخبراء، فنّدوا أخطاء اللجنة الحكومية للترسيم، والتي كانت ستؤدي لو تمّ السير بها إلى تسليم قبرص ما بين 2600 و5000 كيلومتر مربع. 

الخبير الدولي المدعو إلى جلسة الخميس هو البروفيسور الألماني روديغر فولفروم، وهو من مؤسسي المحكمة الدولية لقانون البحار (ITLOS)، وعمل قاضيًا فيها (1996–2017) وترأّسها (2005-2008). فولفروم لم يأتِ إلى بيروت خصيصاً للمشاركة في الجلسة. فعلى تعبير مقرر اللجنة محمد خواجة، لا قدرة للجنة على تأمين مصاريف دعوته، ولكن يصادف وجوده في لبنان في هذا الوقت، حيث وصل يوم الثلاثاء، وشارك في ندوة للجيش عن الترسيم البحري، اليوم الأربعاء. كما التقى وزير الأشغال العامة. وهذا الخبير الدولي مواقفه معروفة مسبقاً في لبنان، حيث زار بيروت في نهاية تموز للمشاركة في ندوة حول ترسيم الحدود مع قبرص نظّمتها القوّات البحرية في الجيش اللبناني.

فولفورم يشدّد على ضرورة عدم اعتماد خطّ الوسط المؤقّت بل ضرورة تطبيق منهجية المراحل الثلاث، خصوصاً اختبار التناسب. ويرجّح عدم انطباق مبدأ "الإغلاق الحكمي" (Estoppel) على وضع البحار بين دولة قارّية ودولة جزيرة.

وفي التفاصيل، سبق أن شرح ما يُعرف اليوم بمنهجية ترسيم البحار المكوّنة من ثلاث مراحل، حيث يرسّم القضاة، في المرحلة الأولى، "خط المسافة المتساوية المؤقت" (خط الوسط)، ثم تُجرى في المرحلة الثانية تعديلات تراعي الظروف الملائمة (مثل الجغرافيا والمصالح الاقتصادية…)، وأخيرًا تُطبّق في المرحلة الثالثة "اختبارات الفروقات المفرطة" للتأكّد من خلوّ الحلّ من عدم إنصاف كبير نتيجة تباين أطوال السواحل ومساحاتها البحرية. وعليه هو يعتبر أنه لا يمكن الأخذ بالمرحلة الأولى المؤقتة وترك باقي المراحل. 

هذه المواقف التي صدرت عن فولفروم في الندوة السابقة، ويتوقع أن يكررها في الجلسة النيابية، تتناقض تماماً مع ما ورد في دراسة المحامي نجيب مسيحي، والتي تبنّتها لجنة الترسيم بالإجماع. علماً أن أعضاء تلك اللجنة يتوقع أن يشاركوا في جلسة الخميس، وسيكونون في مواجهة مع الخبير الألماني، كما كانوا في مواجهة الخبراء اللبنانيين (الدكتور عصام خليفة، العميد الركن المتقاعد خليل الجميّل، العقيد الركن المتقاعد سعيد أبو راشد، الدكتور مروان بلوط) الذين شاركوا الجلسة السابقة وفنّدوا أخطاء ما ذهبت إليه اللجنة، التي افترضت أن مصلحة لبنان تقتضي السير باتفاقية العام 2007، الموقّعة مع نيقوسيا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العميد الجميّل حائز على ماجستير في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، ومؤلف كتاب "إشكالية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص" (2022). ومن اللافت أيضاً أنه أعدّ رسالة دكتوراه في الترسيم البحري، بإشراف البروفيسور روديغر فولفروم نفسه.

هكذا انقلبت اجتماعات الاتجاه الواحد التي عقدتها اللجنة الحكومية رأساً على عقب في لجنة الأشغال. والمسار المتسارع للتوقيع مع قبرص بعد اجتماعين شكليين مع مدير المخابرات القبرصية، جُمّد إلى حين إنهاء لجنة الأشغال عملها وإصدار توصياتها. 

أهمية حضور هؤلاء الخبراء، ولاسيما الجميّل، تكمن في أنهم كلّهم يخالفون رأي لجنة الترسيم في ما توصلت إليه، ويصرّون على أن الآلية التي اعتمدها مسيحي في دراسته لتحديد حصة لبنان غير منصفة له، ولا تتناسب مع القواعد العالمية للترسيم. فاللجنة أصدرت قراراً متسرّعاً لمصلحة قبرص، مع التخلّي حتى عن مجرد الشكّ في احتمال أن تكون النتيجة خاطئة، أو حتى عن طرح الدراسات المقابلة على الجانب القبرصي، حتى في إطار التفاوض، بدلاً من التفاوض الشكلي، الذي دخله الجانب القبرصي مُدركاً سلفاً أنه حاصل على كل ما يريده وأكثر، قبل الحديث عن احتمال رفع قضية تحكيم. 

هذه الإشكاليات استمعت إليها اللجنة النيابية في الجلسة السابقة وناقشتها بشكل مفصّل، وبحضور نيابي لافت. وفي البداية، طلب رئيس اللجنة العميد بصبوص توضيح رأي لجنة الترسيم، فتحدّث عن أربع نقاط أساسية اعتمدت عليها دراسة مسيحي، وهي: 

  • انطباق مبدأ "استوبيل" (مبدأ الإغلاق الحكمي): على الرغم من أنّ اتفاقية 2007 مع قبرص لاغية وغير قائمة، إلا أنّ لبنان أرسل في العام 2011 المرسوم رقم 6433/2011 إلى الأمم المتحدة الذي يعتمد إحداثيات خط الوسط، وأنّ قبرص بإمكانها الاعتراض وفق لهذا المبدأ، لأنّها قد تكون متضرّرة من أي تعديل لبناني.
  • قواعد قانون البحار لا تسمح للبنان بالمطالبة بأكثر من خطّ الوسط كحدّ بحريّ مع قبرص، باعتبار أنّ الساحل القبرصيّ أطول من الساحل اللبنانيّ، وباعتبار أنّ فرق الطول "المزعوم"، كما وصفه، ليس كبيرًا لصالح لبنان حتى يُحتَسب لصالحه.
  • منهجيّة الإنصاف الثلاثية التي تطبّقها محاكم قانون البحار عند الترسيم (رسم خط وسط مؤقّت، تعديل الخطّ وفق الظروف ومعايير الإنصاف) لا تُطبّق في حالة لبنان. 
  • قبرص ستقاضي لبنان، في حال عدّل إحداثيات حدوده البحرية، ما سيُضيّع سنواتٍ من الخصومة، ما سيكلّف لبنان ملايين الدولارات للتحكيم، وسيخسّره مثلّثًا عند النقطة 2 مقدّرًا بتسعين كيلومتر مربع، رسّم خطأ في العام 2007، مع طرح احتمال أن تطالب قبرص بمساحة إضافية تجاه لبنان إن أقرّ اعتماد مبدأ أطوال الشواطئ.

هذه النقاط اعترض عليها نوّاب في الجلسة، فاستغربوا تجاهل المادة الثالثة من المرسوم 6433، والتي نصّت على إمكانية "مراجعة حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وبالتالي تعديل إحداثيّاتها عند توافر بيانات أكثر دقّة"، ما يسمح للبنان بتعديل حدوده عند الحاجة، وبالتالي عدم انطباق مبدأ استوبيل.

أما في النقطة الثانية، المتعلّقة بطول الشاطئ، فقد كان ملفتاً للنواب احتساب كل الساحل الشرقي لقبرص، والوصول، بالتالي، إلى نتيجة مفادها أن الشاطئ القبرصي أطول من الشاطئ اللبناني، مع تجاهل حقيقة أن جزءاً من هذا الساحل مُواجه لسوريا وتركيا. وبالتالي هل يُعقل أن يحتسب الساحل نفسه مرتين، مرّة عند الترسيم مع لبنان، على اعتبار أنه مواجه له، ومرّة عند الترسيم مع سوريا وتركيا، على اعتبار أن الشاطئ نفسه مواجه لهما؟ كذلك توقّف النواب عند احتساب طول الشاطئ مع تعرّجاته وخلجانِه، بدلًا من احتساب طول الاتجاه العام للشاطئ، حيث تُحدّد نقاط أساس على طول الشاطئ ثم تجمع ببعضها، لتكوين ما يسمّى الاتجاه العام للشاطئ. هنا ثارت حفيظة النواب: لماذا استُبعِد طول الاتجاه العام للشاطئ؟ ووفق أيّ رأي قانوني يُحتسَب الشاطئ القبرصي مرّتين (في ترسيمين)، مرّة مع لبنان ومرّة مع سوريا؟ 

في النقطة الثالثة، اعتبر النواب أنّ هذا الرأي انتقَى أجزاء من أحكام لا تنطبق على حالة لبنان (دولة قارية) مع قبرص (جزيرة)، متجاهلًا أنّ كثيرًا من الأحكام الدولية تعطي لبنان ظروفًا خاصّة قد تدفع خطّ الحدود من خط الوسط باتّجاه قبرص، خاصة أنها جزيرة صغيرة بين دول قارية، فكيف لها أن تستحوذ على خطّ وسط يوازي ما ستحصل عليه كل الدول القارية المحيطة؟

أما في النقطة الرابعة، فقد شكك النواب في إمكانية أن تخوض قبرص أي صراع قانوني مع لبنان، تعرف أنه لن يكون لصالحها. 

الجميّل من جهته شرح العيوب التقنيّة والقانونيّة والدستوريّة لاتفاقية 2007، وبيّن أسباب اعتبارها لاغيةً أو مجحفةً بحق لبنان وفق قواعد قانون البحار، وخصوصًا المادتين 74 و83 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. كما بيّن الأسباب القانونية التي توجب اعتماد طريقة الترسيم وفق تناسب أطوال السواحل، والتي قد تُعطي لبنان مساحةً إضافية تقارب 2600 كيلومتر مربع مقارنة بما كان سيحصل عليه بموجب اتفاقية 2007.

وذكر الجميّل أن قبرص تشكّل مسافة طول سواحلها نحو 2.7% من طول سواحل الدول المجاورة، وأنّ مساحتها وعدد سكانها نسبتهما ضئيلة مقارنةً بتلك الدول (0.5%)، وأنّ سعيها للحصول على مساحة بحرية تفوق حجم كتلتها البريّة بعشرات المرّات غير عادل. وأطلع الجميّل أعضاء اللجنة على ثمانية أحكام صادرة عن محاكم دولية بحرية اعتمدت اختبار التناسب في أطوال السواحل، واعتبرها مستندًا قانونيًا يدعم تطبيق مبدأ التناسب مع قبرص.

وذكّر أيضًا بخلاصة دراسة أعدّها مركز الاستشارات القانونية والأبحاث والتوثيق في وزارة الخارجية اللبنانية عام 2014، تؤكد ضرورة اتباع نظرية تناسب أطوال الشواطئ في الترسيم مع قبرص. ثم استعرض توصيات اللجنة الوزارية التي أُنشئت بموجب القرار رقم 157/2022 برئاسة وزير الأشغال والنقل السابق الدكتور علي حمية، والتي أوصت "باعتماد الترسيم وفق تناسب أطوال الشواطئ، وإعداد مشروع مرسوم لتعديل المرسوم رقم 6433/2011 واعتماد إحداثيّات جديدة لتدارك الثغرات التي أدّت إلى خسارة لبنان مساحة من منطقته الاقتصادية الخالصة". وتساءل الجميّل عن سبب تأليف لجنة جديدة لإعادة بحث الموضوع علماً أنّ اللجنة المنبثقة عن القرار 157/2022 ضمّت ممثلين عن الوزارات نفسها، فلماذا التكرار؟ خاصة أنّ المعطيات القانونية والتقنية والجغرافية لم تتغير. 

أما الدكتور عصام خليفة فاتهم اللجنة الوزارية بالاقتراب من الخيانة العظمى، داعيًا إلى التحقيق مع أعضائها ومحاكمتهم إن فرّطوا بحقوق اللبنانيين. خليفة انتقد كذلك العميد بصبوص قائلاً: "أنت قلت في كتابك حقيقة ترسيم الحدود البحرية في الصفحة 118 إن ترسيم 2007 مع قبرص مجحف بحقّ لبنان؛ فما الذي تغيّر في رأيك اليوم؟" فأجاب بصبوص أنّه يقصد إطالة الخط من النقطة 1 إلى 23 جنوباً ومن النقطة 6 إلى 7 شمالاً، فردّ عليه خليفة أنّ هذه الإطالة لا تمنح لبنان أي مساحة ولا تزيل الإجحاف!