اقتراح عفو عامّ أمام البرلمان للمرة الأولى منذ 2020: حذار الجرائم التي تُعفى خلسة

المرصد البرلماني

13/05/2025

انشر المقال

ورد على جدول أعمال الجلسة التشريعية المرتقبة يوم الخميس 15/5/2025، اقتراح العفو العام الذي قدّمه 8 نواب (عماد الحوت، محمد سليمان، أحمد الخير، عبد العزيز الصمد، عبد الرحمن البزري، وليد البعريني، نبيل بدر وبلال الحشيمي) في نهاية سنة 2024، في سياق المطالبة بالإفراج عن فئات من الموقوفين والتخفيف من اكتظاظ السجون. 

وإذ أفرد المرصد البرلماني تعليقًا مفصّلًا حول هذا الاقتراح، علّق أيضًا على اقتراحات أخرى تعلقت بما قد يشكل عفوًا مخففًا مثل تخفيض السنة السجنيّة أو تحديد المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطي.  

وهذه الاقتراحات التي نجدها أيضًا على جدول أعمال الجلسة، هي التالية:

  1. اقتراح القانون الرامي إلى تعديل المادة 112 من قانون العقوبات المتعلق بتخفيض السنة السجنية، المقدم من النائب إيهاب مطر في تاريخ 29/05/2023؛
  2. اقتراح القانون الرامي إلى تعديل القانون رقم 216 الصادر في تاريخ 30/3/2012 (تحديد السنة السجنية)، المقدم من النواب أحمد الخير، وليد البعريني، عبد العزيز الصمد، محمد سليمان، أحمد رستم وسجيع عطية في تاريخ 19/11/2024؛
  3. اقتراح القانون الرامي إلى تعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية المعدّل بالقانون رقم 328 تاريخ 2/8/2001 المتعلق بتخفيض مدة التوقيف الاحتياطي، المقدم من إيهاب مطر في تاريخ 7/10/2024؛
  4. اقتراح القانون الرامي إلى تعديل المادة 108 من القانون رقم 328 تاريخ 2/8/2001 وتعديلاته (أصول المحاكمات الجزائية) السنة السجنية، المقدم من النائب بلال عبد الله بتاريــخ 16/12/2024.

 

العفو العام

يرمي الاقتراح المقدّم من كتلة الاعتدال الوطني بالاشتراك مع بعض النواب من خارجها إلى منح عفو عام. وبالتدقيق في الاقتراح، نلحظ أنه كرّس مبدئيّة العفو العامّ عن الحقّ العامّ وإن علّقه على إسقاط الحقّ الشخصي فقط في الحالات التي يوجد فيها ادعاء شخصي، بمعنى أن العفو العام يشمل مجمل الجنح والجنايات الواردة في "جميع القوانين الجزائية"، ولا يكون خلاف ذلك إلا بالنسبة إلى الجرائم المستثناة صراحة من العفو العامّ. وترشح مراجعة قائمة الاستثناءات عن إشكالات كبرى. 

فمن الجرائم المستثناة جرائم "من استخدم أو صنع أو اقتنى أو حاز أو نقل موادّ متفجرة أو ملتهبة داخل الأراضي اللبنانية أو منتجات سامة أو محرقة أو أجزاء تستعمل في تركيبها أو صنعها أو تفجيرها بهدف القيام بأعمال إرهابية". لكن يسجّل هنا أنّ الاستثناء لا يشمل جميع الأعمال الإرهابية إنما فقط نوعا منها، علما أنه يتصل بتوفير المادة المتفجرة فيما تبقى أعمال التمويل والتنفيذ كلها غير مستثناة، 

ومن الجرائم المستثناة أيضًا، الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الفساد في القطاع العام رقم 175 تاريخ 8 أيار 2020 وقانون الاثراء غير المشروع, يلحظ تاليا أن القانون لا يستثني مجمل أفعال الفساد في القطاع الخاص، مثل عمليّات تبييض الأموال أو التهرّب الضريبي أو الإفلاس الاحتيالي أو تهريب الأموال من الدائنين أو الاحتكار أو مخالفة موجب تسليم القضاء معلومات مصرفية… إلخ،  

كما لم يستثن الاقتراح من العفو العام جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم التعذيب والإتجار بالبشر والإخفاء القسري فضلا عن كل جرائم التهرب الضريبي وتبييض الأموال والإفلاس الاحتيالي المشار إليها أعلاه. كما يلحظ هنا أن معدي الاقتراح آثروا لزوم الصمت إزاء العمالة لإسرائيل.

وإذ استثنى أيضا الاقتراح جرائم أخرى أهمها جرائم قتل المدنيين والعسكريين، فإنه تضمّن موادّ وأحكامًا من شأنها تخفيف العقوبات بشكل كبير، على نحو يشكل بالحقيقة العفو العام المقنع. وهذا ما سنتناوله أدناه. 

وقد وضعت "المفكرة" في تعليقها على الاقتراح ملاحظات تفصيلية عدة أهمها الآتية: 

  • إنه يمنح العفو العام بمعزل عن أي اعتبارات حقوقية أو إصلاحية، 
  • إكرامية العفو العام خلسة والتي سيستفيد منها عشرات آلاف الأشخاص الذين لم يحاكموا يوما، منهم أشخاص ضالعين في الفساد وتبييض أموال، 
  • إنه يؤدي إلى معالجة المظلوميّة دون منابعها، بمعنى أنه لا يأتي منفصلا عن أي إصلاح لما كان سببا في انتهاك حقوق الموقوفين أو مبادئ المحاكمة العادلة.  

 

تخفيض مدّة تنفيذ العقوبات

في هذا المجال، ورد على جدول أعمال الهيئة العامّة اقتراحان (اقتراح الاعتدال واقتراح إيهاب مطر) بالإضافة إلى اقتراح قانون العفو العام. 

وقد عمدت الاقتراحات الثلاث إلى تخفيض مدّة التنفيذ الفعلي للعقوبة، لتحتسب السنة السجنية على أنّها ستة أشهر في حال كانت العقوبة المقضي بها هي سنة حبس فأكثر. 

أمّا فيما يخصّ المحكومين بعقوبات مؤبدة أو بالإعدام، فقد نص اقتراح العفو العام على أكبر تخفيض لها، حيث تمّ تخفيضها إلى 15 سنة سجنية (أي ما يعادل 11 سنة وثلاثة أشهر فقط). 

 

المدة القصوى للتوقيف الاحتياطي

هنا أيضا، نجد اقتراحيْ قانون مقدمّينْ من النائبين إيهاب مطر وبلال عبدالله ويرميان إلى تعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي تحدّد المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطي. 

كما نلحظ أن قانون العفو العام أبدى اهتماما خاصا بالموقوفين لآماد طويلة (الإسلاميين) بحيث اعتمد قاعدة استثنائيّة قوامها وجوب إخلاء سبيل المدعى عليه حكمًا، في كلّ الجرائم المرتكبة قبل تاريخ صدور هذا القانون والتي لم تصدر أحكام فيها، وفي حال تجاوزت مدة التوقيف 12 سنة سجنية (أي عمليا 9 سنوات فعلية). وهذه الإضافة تعني بشكل خاص الأشخاص الذين يستمر توقيفهم ولمّا تكتمل محاكمتهم بعد، وبخاصة الأشخاص المتهمين في جنايات مستثناة من سقف التوقيف الاحتياطي المنصوص عليه في المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، كما هي حال الأشخاص المتهمين بجرائم الإرهاب أو القتل أو المحالين إلى المجلس العدلي إلخ... 

 

في الختام، وفيما يعج اقتراح قانون العفو العام بالأفخاخ عن قصد أو غير قصد، فإن تخفيض العقوبات أو وضع حدّ أقصى للتوقيف الاحتياطي مسائل تبقى مبررة حقوقيا ولمعالجة اكتظاظ السجون، وإن كان من الأسلم درسها ضمن أجل قصير ضمن اللجان منعا للاستعجال.