تحوير قانون إصلاح المصارف إرضاء للصندوق الدولي: إنشاء هيئة صديقة للمصارف
07/08/2025
بعد مراقبة المرصد البرلماني للجلسة التشريعيّة التي صُوّت فيها على قانون إصلاح المصارف، تبيّن أنّ النسخة النهائيّة للقانون اشتملت على تعديلات لم يتطرّق إليها النوّاب أو حتى التصويت عليها، ما يشي أنّها أضيفت إلى النصّ عند صياغته من قبل الأمانة العامة لمجلس النواب. وعند التدقيق في مضمون هذه التعديلات، يتبيّن أنّ عددًا منها يسمح لجمعية المصارف بالتسلّل إلى الهيئة التي ستنظر بأوضاع المصارف وتصفيتها أو إعادة هيكلتها، بينما البعض الآخر منها يشكّل ترجمة لملاحظات صندوق النقد الدولي على القانون. كما نشير إلى أنّ الجلسة شهدت أيضا خروج العديد من النواب من دون أن يعلموا ما هي التعديلات التي تمّ إقرارها فعليا، وهو أمر مشترك مع قانون القضاء العدلي الذي مُنع النواب من مناقشته وصُوّت عليه بصورة شكليّة.
ولا شك أن هذا الأمر يشكّل مخالفةً صريحةً وواضحةً للدستور لا سيما المادة 34 التي تنصّ على أنّ قرارات المجلس "تتخذ بغالبيّة الأصوات"، وبالتالي فإنّ إضافة أي نص على الصيغة التي جرى إقرارها أو تعديلها بعد الموافقة النهائيّة عليها من قبل الهيئة العامة يعتبر تزويرًا لإرادة النواب الذين لهم وحدهم الحقّ في سنّ القوانين وتحديد نصها النهائي قبل إصدارها من رئيس الجمهوريّة ونشرها في الجريدة الرسميّة.
وكانت المفكرة القانونية قد شرحت بإسهاب المخالفات الدستورية التي تخللت الجلسة لجهة أصول التصويت أو إقرار القوانين بمادة وحيدة. وبالتالي بات من الضروري التنبيه من الشوائب التي تعتري الصيغة النهائية لقانون إصلاح وضع المصارف ونشر لائحة بالتعديلات التي لم تناقش في الهيئة العامة ولم يتمّ التصويت عليها.
وعليه، سنبرز في ما يلي أبرز التحويرات في النسخة النهائية للقانون التي وقّعها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي وأحالها إلى الحكومة.
تسلّل جمعية المصارف إلى الهيئة المصرفية العليا
لعلّ أخطر التحويرات التي طرأت على النصّ الذي صوّتت عليه الهيئة العامة للمجلس النيابي كان ما يتّصل بالفقرة الثانية بالمادّة الخامسة المتعلّقة بتشكيل الغرفة الثانية لدى الهيئة المصرفية العليا، وهي الهيئة المختصّة باتّخاذ قرارات حول المصارف الواجب إخضاعها لعمليات إصلاح أوضاعها أو تصفيتها وتناط بها مهام إعادة الهيكلة. فبموجب ما تمّ التصويت عليه في الهيئة العامة، أضيف عضوان إلى الصيغة التي وردت بالمشروع المعدّل من لجنة المال والموازنة بحيث أصبح عدد الأعضاء 8 موزّعين على الشكل التالي:
1) حاكم مصرف لبنان رئيسا، 2) النائب الأول لحاكم المصرف، 3) أحد نواب الحاكم الذي يختاره المجلس المركزي، 4) خبير مالي يعينه مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال، 5) خبير اقتصادي يعينه مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الاقتصاد 6) قاض يعينه مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل على أساس قائمة يضعها مجلس القضاء الأعلى، 7) مدير عام وزارة المالية، 8) أحد أعضاء مؤسسة ضمان الودائع من غير المعينين من جمعية المصارف.
إلّا أنّه وبالاطّلاع على النص النهائي الذي أحاله رئيس مجلس النواب نبيه برّي والذي حصل عليه المرصد البرلماني، يتبيّن أنّ الخبير الاقتصادي المعيّن في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الاقتصاد، أضيف إلى آلية تعيينه وجوب اختياره من قبل الوزير من لائحة محصورة يعدّها ما يسمّى "تجمّع الهيئات الاقتصادية".
وفي تفاصيل الجلسة، يتبيّن أنّه في الفترة الصباحية حصل نقاش حول هذا الموضوع تحديدا بين وزير المال ياسين جابر ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان. فقد طرح وزير المال مسألة الخبير المالي في الغرفة الثانية التي تناولها قبله النائب إبراهيم كنعان وطالب بأن يتمّ تعديل البند كي لا يتمّ اختياره من ضمن لوائح تعدّها الهيئات الاقتصاديّة بل أن يكون مستقلّا عن أيّ جهة حكوميّة أو مصرفيّة. عندها سأل كنعان عن كيفيّة اختياره في هذه الحالة، فتمّ جوابه بأنّ ذلك يتمّ بحسب الآليّة المعتمدة من دون مزيد من التوضيح.
أمّا في الجلسة المسائية، سقط بالباراشوت على الهيئة العامة ما طرحه النائب الياس بو صعب حول تكوين الغرفة، وفق الصيغة التي أبرزناها أعلاه، ومن دون أن يُتلى أنّ الخبير الاقتصادي يقترحه وزير الاقتصاد من لائحة يعدّها"تجمّع الهيئات الاقتصادية".
وما يزيد من حساسية هذه النقطة هو أمران: 1) أنّه قد أضيف إلى عضو آخر وهو الخبير المالي شرط أن يكون مستقلا عن أي جهة حكومية أو مصرفية، وهو أمر أيضا لم يُطرح على الهيئة العامة ولم يتم التصويت عليه. وإذ اشتُرط ذلك في تعيين الخبير المالي، يتبيّن أنّه لم يُشترط ذلك لدى الخبير الاقتصادي، ما يُمكن تفسيره بأنّه المجلس النيابي لا يُمانع أن لا يكون الخبير الاقتصادي مستقلا عن هذه الجهات. 2) أنّ جمعية المصارف هي عضو فاعل في تجمّع الهيئات الاقتصادية بحسب ما تذكره بنفسها على موقعها، ما يعني أنّ عدم اشتراط استقلالية الخبير الاقتصادي على غرار الخبير المالي يُتيح المجال أن يكون الخبير الاقتصادي ممثلا صريحا عن جمعية المصارف ومصالحها داخل الغرفة.
أكثر من ذلك، فإنّ "تجمّع الهيئات الاقتصادية" المذكور لا يتمتّع بأي صفة رسمية ما يجعل الإحالة إليه في ما خصّ التعيينات أمر مستغرب ومثير للريبة. وما يزيد من الغرابة في هذا الصدد أنّه وبحسب بحث بسيط حول هذه الهيئات، لا يتبيّن حتّى بانّها تتّخذ شكلا قانونيا معيّنا، أي أنّها لا تحمل شخصية معنوية حتّى، بل هي مجرّد تجمّع تنسيقي بين بعض الغرف التجارية والصناعية لا تتّخذ أي شكل قانوني.
وما يفاقم الريبة حول تحويرات قد تؤدّي إلى تضارب مصالح واضح من بين أعضاء الغرفة هو التحوير الحاصل في المادة 6. فقد تمّ تعديل المادة باستبدال عبارة "تصريحًا خاصًا يتعلق بالاستقلاليّة وعدم التضارب في المصالح، استنادًا إلى المعايير الواردة أدناه"، بعبارة جديدة هي "التصريح المنصوص عليه في القانون رقم 189 تاريخ 16/10/2020 (قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غیر المشروع)".
فيصبح النص: "يُقدم كل من أعضاء الهيئة المصرفية العليا التصريح المنصوص عليه في القانون رقم 189 تاريخ 16/10/2020 (قانون التصريح عن الذمة المالية ومعاقبة الإثراء غير المشروع). تكون المهلة لتقديم هذا التصريح شهر من تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية بالنسبة للأعضاء الحاليين، وشهران من تاريخ التعيين بالنسبة للأعضاء الجدد. كما يتوجب على كل عضو، على الفور، تقديم تصريح محدّث في حال طرأ أي تغيير على علاقته مع أي مصرف. تُكلف الأمانة العامة للهيئة بتأمين حسن تطبيق هذه العمليّة".
وعليه، أدّى هذا التعديل إلى الاستغناء عن تصريح يتعلق بالاستقلاليّة وعدم تضارب المصالح لأعضاء الغرفة الناظرة بأوضاع المصارف، مقابل استبداله بتصريح حصرا يتعلّق بالذمّة المالية، وهو ما يُثير الريبة مجددا حول آلية تعيين الأعضاء ومحاولات تفخيخها بأعضاء تتلاقى مصالحهم مع مصالح المصارف.
تعديلات بما يُرضي صندوق النقد؟
أدناه، نُبرز تعديلات أخرى وردت في الصيغة النهائية عن الصيغة التي يُفترض أنّه تمّ التصويت عليها في الهيئة العامة، وهي على الشكل التالي:
- المادة 8 :
تمّ تعديل المادة كما وردت في تقرير لجنة المال والموازنة باستبدال عبارة:
"لا يتضمن أي تفصيل عن أدوات إصلاح وضع المصرف المعني"
بعبارة جديدة هي:
"ويعود للهيئة أن تقرر أن يتضمن أو لا يتضمن أي تفصيل عن أدوات إصلاح وضع المصرف المعني".
فيصبح النص "تبلّغ الهيئة المصرفيّة العليا المصرف المعني فورًا قرار إصلاح الوضع (بما فيه أدوات إصلاح وضع المصرف الواجب تطبيقها) ويسجّل القرار في السجل التجاري. تنشر الهيئة المصرفيّة العليا ملخصًا، ويعود للهيئة أن تقرر أن يتضمّن أو لا يتضمّن أي تفصيل عن أدوات إصلاح وضع المصرف المعني، مع ملخص عن نتائج التقييم، في الجريدة الرسمية وفي صحيفة واسعة الانتشار في لبنان وعلى الموقع الالكتروني للمصرف".
يتطابق هذا التعديل مع ملاحظات صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى أنّ منع تضمين الملخّص المنشور من قبل الهيئة العليا أيّ تفصيل عن أدوات الإصلاح هو أمر مبالغ فيه، فيما إعطاء الهيئة سلطة تقديريّة في هذه المسألة هو أمر مستحسن من شأنه أن يضيف مقدارًا من الشفافيّة على مسار الإصلاح من دون إفشاء السريّة أو عرقلة عمل الهيئة.
المادة 11 :
تمّ تعديل المادة كما وردت في تقرير لجنة المال والموازنة بإضافة عبارة:
"مرتبطة بكشف أخطاء وثائقيّة بتاريخ التقييم".
فيصبح النص: "يجوز للهيئة المصرفيّة العليا، لأسباب مشروعة مرتبطة بكشف أخطاء وثائقيّة بتاريخ التقييم، بعد الحصول على تقرير من لجنة الرقابة على المصارف، أن تقرر إجراء تقييم من جديد، بشكل جزئي أو كلي، ضمن مهلة أقصاها شهر. وفي هذه الحالة تقرر الهيئة المصرفيّة العليا ما إذا كان سيتم تكليف مقيّمين مستقلين جدد من قبل لجنة الرقابة، وتكون نتائج التقييم نهائيّة".
تشكّل هذه الإضافة تطبيقًا لملاحظات صندوق النقد الدولي على هذه المادة، الذي أشار أنّه في حال الإصرار على إعطاء الحقّ للمصارف بالاعتراض على التقييم طالما أنّ ذلك يشكّل شذوذًا عن الممارسات الدوليّة الفضلى، فلا بدّ من حصر إمكانيّة الاعتراض هذه بالحالات "المرتبطة بكشف أخطاء وثائقيّة بتاريخ التقييم" (circumstances where factual errors are identified) كما جاء في ملاحظات الصندوق.
- المادة 16:
في حوار سريع له مع المرصد البرلماني بعد انتهاء الجلسة، أشار النائب سيزار أبي خليل أنّه تمّت الموافقة على التعديل الذي اقترحه على هذه المادة كاملًا، أي بنقاطه الثلاث.
إلّا أنّه بعد مراجعة النصّ النهائي للقانون، تبيّن أنّه تمّ إضافة فقط النقطة الأولى والثالثة من التعديل المقترح، إذ تنص الأولى منهما على: "فرض استرجاع أموال مسددة و/أو محولة بشكل غير مشروع لأعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة العليا أو كبار المساهمين بصورة مخالفة للقانون أو لتعاميم مصرف لبنان أو لقواعد حسن الحوكمة وذلك عن فترة 10 سنوات سابقة"، في حين تنص النقطة الثالثة على التالي: "فرض استرجاع أية أموال تم تحويلها إلى أطراف أخرى بشكل تمييزي أو غير عادل، مما أضر بحقوق مودعين أو دائنين آخرين لم يتمكنوا من إجراء تحويلات مماثلة بعد 17 تشرين."
أمّا النقطة الثانية من التعديل المقترح، فسقطت في النص النهائي، ونصّها الآتي: "فرض استرجاع أي أرباح محققة من تداول المعلومات الداخلية (Insider Trading) بشكل غير قانوني."
- الملحق رقم 1 :
بالرغم من عدم مناقشة أي تعديل على الجدول رقم 1 المرفق بالقانون خلال الجلسة التشريعيّة، إلّا أنّ عددا من الإضافات عليه ظهرت في النسخة النهائيّة من القانون وهي:
في الفقرة الثانية المسمّات "المطلوبات"، في خانة "ودائع العملاء غیر المؤمنة/ غیر المحميّة* باستثناء ودائع العملاء بالليرة اللبنانيّة والأموال الجدیدة*"، تمّ إضافة في المربّع المقابل ما نصّه: "7 الأموال الجدیدة هي الأموال بالعملات الأجنبيّة التي أثبتت أنّه تمّ استلامها عبر تحاويل واردة من الخارج أو عبر إيداعات نقديّة بعد تاريخ 17 تشرين الأوّل 2019. على أن تعالج هذه الودائع بصورة إستثنائيّة من خلال قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع."
في الفقرة عينها "المطلوبات". في خانة "ودائع العملاء المؤمنة/ المحميّة "، تمّ إضافة في المربّع المقابل ما نصّه: "7 الأموال الجدیدة هي الأموال بالعملات الأجنبيّة التي أثبتت أنّه تمّ استلامها عبر تحاويل واردة من الخارج أو عبر إيداعات نقديّة بعد تاريخ 17 تشرين الأوّل 2019. على أن تعالج هذه الودائع بصورة إستثنائيّة من خلال قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع."
علمًا أنّ هذا النصّ الذي تمّ إضافته في المربّعين هو موجود أصلًا مباشرة بعد الجدول في نسخة الاقتراح كما ورد من لجنة المال والموازنة وفي نسخة القانون النهائيّة.
في الخلاصة، وبغض النظر عن مضمون هذه التعديلات، يتبين أن النسخة التي أحالها رئيس مجلس النواب إلى الحكومة من أجل إصدار القانون تخالف الصيغة التي جرى إقرارها في الهيئة العامة ما يعني أن النص بات مخالفا للمادة 18 من الدستور التي تنص صراحة على التالي: "لا ينشر قانون ما لم يقره مجلس النواب"، ما يعرض القانون للإبطال في حال تم الطعن به أمام المجلس الدستوري إلا في حال قرر رئيس الجمهورية رده إلى مجلس النواب بوصفه الجهة التي تسهر على احترام الدستور من أجل معالجة كل تلك الشوائب.