اقتراح لوضع الموظفين بالتصرّف لمجرّد الشبهة: عقوبة تأديبية مقنّعة من دون ضمانات الدفاع
13/05/2025
ورد على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس النيابي في 15/5/2025، اقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى وضع الموظفين المدعى عليهم من قبل النيابات العامة بقضايا فساد أو إهمال أو إثراء غير مشروع تتعلق بوظيفتهم وبمعرض ممارستهم لها حكماً بتصرّف رئيسهم التسلسلي أو المرجع المختصّ بتعيينهم لحين صدور قرار يمنع المحاكمة أو بالبراءة من القضاء المختص، مع حفظ حقوقهم في هذه الحالة. وقد تقدّم بهذا الاقتراح مجموعة من نواب "التغيير" وهم بولا يعقوبيان وابراهيم منيمنة ونجاة عون وحليمة القعقور وفراس حمدان وياسين ياسين، مبرّرين في الأسباب الموجبة له أنّ عودة المدّعى عليهم أو الموقوفين المدّعى عليهم بجرائم فساد والمخلى سبيلهم إلى عملهم من شأنه تمكينهم من طمس الأدلّة والتلاعب بها والاستمرار بالممارسات المشتبه بهم ارتكابها.
ومع التسليم بأهمّية وجود معالجة تشريعية واضحة لقضية الوضع بالتصرّف، خصوصا بعد التصرّفات الاعتباطية في هذا الصدد مع تداعيات جريمة تفجير مرفأ بيروت، فإنّ هذا الاقتراح وخصوصا لكونه قد ورد بصيغة المعجّل المكرّر، يستدعي الملاحظات التالية:
عقوبة تأديبية مقنّعة من دون ضمانات كافية لحماية قرينة البراءة وحقّ الدفاع
إنّ وضع الموظف بالتصرّف يعني تجريده من مهامه الفعلية أو من مركزه الوظيفي، مع بقائه على ملاك الإدارة التي يتبع لها. وبالنظر إلى قرينة البراءة التي تعتبر المتّهم بريئا حتّى تثبت إدانته، فإنّ وضع الموظف بالتصرف تلقائيا قبل ثبوت التهمة يعتبر وكأنه عقوبة مسبقة، وذلك منذ لحظة الادّعاء عليه، أي في العديد من الأحيان قبل الاستماع إليه حتّى. وعليه، يتبيّن أنّ اقتراح القانون لم يضع أي ضمانات ولو بالحدّ الأدنى لمبدأ قرينة البراءة أو الوجاهية أو حق الدفاع.
لا بل أكثر من ذلك، فإنّ وضع الموظّف بالتصرّف مع ما يستتبعه من ضررٍ معنويّ وضرر في سمعة الموظّف، يُعدّ من قبيل العقوبة التأديبيّة لمجرّد الادّعاء عليه من دون منحه فرصة الاستماع إليه. وقد أكّد مجلس شورى الدولة على ذلك في قراره رقم 479 الصادر في تاريخ 7/5/2002، والذي أبطل فيه قرار وضع مدير عام وزارة الإعلام محمّد عبيد بالتصرّف، حيث اعتبر أنّ "العلم والاجتهاد مستقرّان على اعتبار التدابير الإدارية التي تستهدف شخص الموظف بنيّة زجريّة هي بمثابة عقوبة تأديبية مقنّعة وعلى هذا الأساس يجب أن تحاط بالضمانات القانونية المفروضة على الإدارة في الحقل التأديبيّ." وقد انتهى مجلس شورى الدولة حينها إلى إبطال مرسوم وضعه بالتصرّف لهذا السبب، أي لعدم مراعاة مرسوم الوضع بالتصرّف لحقّ الدّفاع.
وعليه، وإذ يمسّ هذا الإجراء مباشرة بحقّ الدفاع، كان يجدر إحاطته بضمانات قضائية كأن يعطى قاضي التحقيق أو قاضي الحكم إمكانية إصدار قرار مؤقت بوضع الموظف المعني بالتصرف بناء على طلب النيابة العامة أو الدولة أو الهيئة المعنية، بعد تمكينه من الدفاع عن نفسه وعلى أن يكون له حق استئناف القرار المؤقت أمام المرجع المختص عند الاقتضاء. ومن المهم هنا أن يعطى القاضي حق التقدير من دون أن يكون ملزما باتخاذ قرار الوضع بالتصرف.
عدم وجود ضوابط وقتية
لم يربط الوضع بالتصرّف بمهلة معيّنة محدّدة بالأسابيع أو الأشهر، بل رُبط إبقاء الوضع بالتصرّف إلى حين إسقاط الملاحقة وهو أمر قد يستغرق سنوات. من هنا، من المهم أن يحدد المشرّع فترة زمنية لهذا الإجراء الاحترازي تكون قابلة للتجديد وفق خطورة الجرم المدعى به بقرار قضائي، تماما كما هي حالة التوقيف الاحتياطي.
مفهوم الوضع بالتصرف الإشكالي
أخيرا، يستعيد الاقتراح مفهوم الوضع بالتصرف الإشكالي مع توسيعه. ففيما ينظم قانون الموظفين حاليا وضع التصرف في المادة 49 منه، فإن الاقتراح يضيف إليها الوضع بتصرف الرئيس التسلسلي أو المرجع الذي يعينه، من دون توضيح معنى ذلك ونتائجه. فهل يعني ذلك وقفا مؤقتا للموظف عن عمله أم عزلا له من مركزه وما يستتبع ذلك من شغور دائم له؟
في الخلاصة، وإذ أنّ الفكرة في جوهرها تصبّ في مصلحة تعزيز المساءلة ومكافحة الفساد، لكن نصّ الاقتراح كان يُفترض أن يكون أكثر توازنا، بحيث تضمن فيه التوازن بين حقّ المجتمع في محاربة الفساد وحقّ الموظف في قرينة البراءة والإجراءات العادلة وحقّ الدفاع.